كيفية أداء مناسك الحج بالتفصيل
الحج
يقصد بيت الله الحرام والمشاعر المقدَّسة في أشهرٍ مخصوصةٍ من كلِّ عامٍ ملايين من المسلمين من شتى بقاع الأرض، يأتون من البلاد المختلفة بلغاتٍ مختلفةٍ وألوانٍ مختلفةٍ وأجناسٍ مختلفةٍ؛ لكنّ القصد والغاية واحدةٌ، وهي أداء مناسك الحجِّ، هذه العبادة العظيمة التي شرعها الله تعالى لعباده؛ ليتقرَّبوا بها إليه ويُظهروا تمام الطَّاعة والخضوع والتَّسليم عند بيته وبين يديه سبحانه وتعالى، وتالياً، بيانٌ للمقصود بالحجِّ وحُكمه، وتوضيحٌ لكيفيَّة أداء مناسكه بصورةٍ مفصَّلةٍ.
تعريف الحج وحكمه
الحجُّ في اللغة من الجذر اللغوي حجج، وهو بمعنى القصد؛ فيحجُّ الشَّيء يقصده، وحججت فلاناً؛ أي قصدته واعتمدته، وقيل الحجُّ القصد لأمرٍ أو شيءٍ مُعَظَّمٍ، ويأتي الحجُّ في اللغة كذلك بمعانٍ أخرى، منها القدوم، فيقال: حجَّ علينا فلانٌ أي قَدِمَ إلينا،[1] أمَّا بالنِّسبة لمعنى الحجِّ في الاصطلاح الشَّرعي، فيراد به: قصد بيت الله الحرام والمشاعر المُقدَّسة في أشهرٍ وأيامٍ معلوماتٍ؛ للقيام بمناسك وأعمالٍ مخصوصةٍ، وفق شروطٍ وهيئاتٍ مخصوصةٍ كذلك، وهذه الأعمال المخصوصة وفق جماهير الفقهاء هي: الوقوف بعرفة، والطَّواف بالكعبة المشرَّفة، والسَّعي بين الصفا والمروة،[2] وقد جاء في قول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).[3]
والحجُّ رُكنٌ من أركان الإسلام الخمسة، وهو فرض عينٍ على كلِّ مسلمٍ مُكلَّفٍ قادرٍ عليه ومستطيعٍ إليه سبيلاً، والأمَّة مجمعةٌ على فرضيته، وهو من المعلوم من الدِّين بالضرورة؛ أي يُكفّر كلُّ من ينكر كونه فرضاً أو يجحده،[2] يقول الله تبارك وتعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).[4]
مناسك الحج بالتفصيل
قبل أن يُشرّع الحاجُّ بالإحرام للحجِّ وأداء مناسكه، لا بدَّ له من تحديد نوع النُّسك الذي سيكون عليه حجُّه؛ إذ إنَّ الحجَّ قد يكون إفراداً، وهو الذي يُحرِم الحاجُّ فيه لأداء الحجِّ وحده، وقد يكون قِراناً فيحرم الحاجُّ للعمرة والحجِّ معاً ويَقرن بينهما، وقد يكون تمتُّعاً، فيُحرم الحاجُّ للعمرة في أشهر الحجِّ ويؤدي طواف والسعي العمرة، ويتحلّل من إحرامه، حتى إذا جاء اليوم الثامن من شهر ذي الحجَّة جدَّد إحرامه للحجِّ من مكانه.[5]
وأمَّا عن أعمال ومناسك الحجِّ وكيفيَّتها، فيمكن توضيحها بالخطوات التالية:[2]
في هذا اليوم، وهو اليوم الثَّامن من شهر ذي الحجَّة، يجدّد من كان من الحجيج متمتِّعاً أو من كان منهم من أهل مكَّة إحرامه، ويخرجون جميعاً إلى مِنى، ويمكثون فيها ويؤدون صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيتون ليلتهم فيها، ويؤدّون صلاة فجر اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة فيها كذلك.
بعد أن يؤدي الحُجَّاج صلاة فجر يوم عرفة -وهو اليوم التَّاسع من شهر ذي الحجة- في مِنى، يتَّجهون إلى عرفة، ويستعدُّون للوقوف بجبل عرفة، والسُّنَّة أن يكون وقوفهم به بعد زوال شمس هذا اليوم؛ أي دخول وقت الظهر، فيُصلّي الحُجَّاج الظُّهر والعصر قصراً وجمع تقديمٍ في وقت الظُّهر، ثمَّ يقفون بجبل عرفة ويستغلُّون هذه الأوقات المباركة بالدُّعاء والذِّكر والابتهال لله عزَّ وجلَّ، ويستمرّ الوقوف بعرفة إلى غروب شمس هذا اليوم.
بعد غروب شمس يوم عرفة، يبدأ الحُجَّاج بالنّفير إلى مزدلفة، ويُصلُّون فيها المغرب والعشاء قصراً وجمع تأخيرٍ في وقت العشاء، ويبيتون فيها ليلتهم، والمبيت في المزدلفة واجبٌ عند جمهور الفقهاء، ويستحبُّ للحُجَّاج أن يلتقطوا الحصى استعداداً لرمي الجمرات في اليوم التالي.
في هذا اليوم (اليوم العاشر من ذي الحجَّة) الذي يعدُّ أكثر أيام الحجِّ أعمالاً، يذهب الحجَّاج إلى مِنى، ويرمون جمرة العقبة أو الجمرة الكُبرى؛ وذلك برمي سبع حصياتٍ، ويقطع الحجَّاج التَّلبية مع بداية الرَّمي، ويكبّرون مع كلِّ رميةٍ، ثمَّ يقومون بذبح الهدي، وذبحه واجبٌ في حقِّ الحاجِّ المتمتِّع والقارن، أمَّا المُفرِد فيسنُّ له الذَّبح ولا يجب عليه، وبعدها يتحلَّل الحجَّاج التَّحلُّل الأول أو الأصغر، فيحلُّ لهم بذلك كلُّ ما كان محظوراً عليهم باستثناء الجِماع، ويتَّجه الحجَّاج بعد ذلك إلى مكَّة، فيطوفون طواف الإفاضة ويُدْعى كذلك طواف الزِّيارة، ويسعى بين الصفا والمروة من لم يسعَ منهم عند أول قدومٍ له لمكة، وبذلك يتحلَّلون التَّحلُّل الثاني أو الأكبر الذي يبيح لهم كلَّ ما كان محظوراً عليهم بلا استثناء.
وهي أيام الحادي عشر والثَّاني عشر والثَّالث عشر من شهر ذي الحجَّة، يعود الحُجَّاج في هذه الأيام إلى مِنى، ويقومون في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة -أول أيام التَّشريق- برمي ثلاث جمراتٍ، هي: الجمرة الصُّغرى، والجمرة الوسطى، والجمرة الكبرى أو جمرة العقبة، وفي كلِّ واحدةٍ من هذه الجمرات يرمي بسبع حصياتٍ، ويكرِّر ذات الأمر ويرمي بالجمرات الثَّلاث نفسها في اليوم الثاني عشر من ذي الحجَّة (ثاني أيام التَّشريق)، وبعدها يكون الحاجُّ في الخيار بين أن يبيت في مِنى إلى اليوم التالي ثالث أيام التَّشريق ويكرِّر رمي الجمرات الثلاث نفسِّها، وبين التَّعجُّل بمغادرة مِنى إلى مكة بلا حرج؛ فقد جاء في قول الله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)،[6] وعند عودة الحُجَّاج إلى مكَّة يتبقى عليهم الطواف بالكعبة طواف الوداع؛ ليكون آخر عهده في حجِّه وزيارته للأراضي المقدسة بيت الله الحرام.
المراجع
- ↑ مرتضى الزبيدي، تاج العروس، مصر: دار الهداية، صفحة 459، جزء 5. بتصرّف.
- ^ أ ب ت مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 23-48، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 197.
- ↑ سورة آل عمران، آية: من الآية 97.
- ↑ "أنواع الحج أركانه وواجباته وسننه"، https://ar.islamway.net/، 15-9-2015، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 203.