-

كيف تكون التوبة من الزنا

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الزّنا

يعرف الزنا في الاصطلاح الشرعي بأنّه: وطء المرأة في القُبُل دون ملكٍ أو شبهته، أو هو فعل الفاحشة في القبل أو الدبر، وهو كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وقد حرّمة الله -عزّ وجلّ- على المسلمين، وأجمع العلماء على حرمته، وجاء تحريمه في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[1]، والزنا جريمةٌ شنيعةٌ شديدةٌ الخطر على الأفراد، وعلى المجتمع بشكلٍ عامٍ؛ لما يلحق بها من آثارٍ؛ كاختلاط الأنساب، وضياع الحقوق؛ كالميراث، وضياع التناصر بين الناس، وهو سببٌ مهمٌ في تفكك الأسر، وضياع الأبناء، وتردّي الأخلاق، كما أنّه قد يؤدي إلى التغرير بالزوج، إن نتج عن الزنا حملٌ، فيربّي حينها ابناً ليس ابنه، ولذلك فقد أوجب الله -تعالى- حدّاً رادعاً للزنا، وهو يقسم إلى نوعين اثنين بحسب حال الزاني، فإن كان محصناً؛ كان حدّه الرجم حتى الموت، رجلاً كان أو امرأة، بإجماع العلماء، والمحصن هو: من أتى زوجته بنكاحٍ صحيحٍ في قُبلها، وكان الزوجان بالغين عاقلين حرّين، أمّا إن لم يكن الزاني محصناً؛ فيكون حدّه الجلد مائة جلدةٍ، بالإضافة إلى تغريب الزاني عن وطنه عاماً، ولا يجوز تغريب المرأة إلّا بوجود محرمٍ معها. [2]

ويشترط لإقامة حدّ الزنا، أن يكون الإيلاج بالفرج كاملاً، فإن لم يكن كذلك فلا يقام الحد عليه، وكذلك لا يشترط الإنزال، وفيما يتعلق بمقدمات الزنا؛ من لمسٍ، وتقبيلٍ وغيره، فإنّها لا توجب الحد على فاعلها، وإنّما يعزر ويؤدب لقيامه بفعل منكرٍ، وحرامٌ واضحٌ، وإنّ نتيجة تلك الأفعال في الغالب الوقوع في الزنا الحقيقي، وقد سمّى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مقدمات الزنا بالزنا كذلك، فقال: (إن اللهَ كتب على ابنِ آدمَ حظَّه من الزنا، أدرك ذلك لا محالةَ، فزنا العينِ النظرُ، وزنا اللسانِ المنطقُ، والنفسُ تتمنى وتشتهي، والفرجُ يصدقُ ذلك كلَّه أو يكذبُه)[3][4]

التوبة من الزنا

يجب على المسلم أن يحرص دائماً على اجتناب ما حرّمه الله عزّ وجلّ، والامتثال لأوامره ونواهيه على أفضل وجهٍ، فإن وقع في شيءٍ من ذلك، فإنّ عليه أن يبادر ويسارع إلى التوبة والاستغفار، وذلك حال من وقع في الزنا أيضاً، إنّ الزنا من الكبائر في دين الإسلام، وقد عدّ الله -عزّ وجلّ- الزنا؛ بأنّه فاحشةٌ كبيرةٌ، إلّا أنّه سبحانه فتح للعبد الزاني، أو الأمة الزانية، باب العودة والتوبة، والرجوع إلى الله تعالى، فإنّ من تاب إلى الله -تعالى- وبادر بفعل الأعمال الصالحة، رجاء مغفرة الله، غفر الله -تعالى- له، وبدّل سيئات العبد بحسناتٍ، برحمته وفضله، ودليل ذلك قول الله تعالى (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)،[5] فإن أقيم الحدّ على الزاني كان في ذلك تكفيراً لذنبه، ولكل ما يترتب عليه من إثمٍ، أمّا إن لم يقم على الزاني الحد، وصدق الله -عزّ وجلّ- في توبته، وندم على تلك الفعلة، وأكثر من طلب المغفرة من الله تعالى، فلا يلزمه حينها أن يعترف بالزنا ليقام عليه الحد، بل تكفيه التوبة. [6][7]

وقد ورد في الأحاديث النبوية الشريفة الإرشاد إلى ستر النفس، إن وقع الإنسان في معصيةٍ، وعدم الحرص على إخبار الناس بالمعصية لإقامة حدّها، ومن ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (اجتنِبوا هذه القاذوراتِ التي نهى اللهُ -تعالى- عنها، فمن ألَمَّ بشيءٍ منها فلْيستَتِرْ بسِترِ اللهِ، ولْيَتُبْ إلى اللهِ)[8]، وقد أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ماعز عندما جاءه يعترف بالزنا، أن يرجع إلى الله تعالى، ويستغفره ويتوب إليه، وقد استدلّ العلماء بتلك الحادثة على سقوط الإثم المترتب على المعاصي الكبيرة بالتوبة، ومن تمام توبة الزاني عن تلك الكبيرة؛ أن يبتعد عن الأسباب الدافعة إلى الوقوع فيها؛ من نظرةٍ، وخلوةٍ، واختلاطٍ بالجنس الآخر وما إلى ذلك من أسبابٍ، وعلى الزاني أيضاً أن يكثر من الصلاة وأن يكثر من ذكر الله تعالى، فهما حصنٌ للمسلم من الوقوع في المعاصي والعودة إليها.[6][7]

كيفية ثبوت الزنا

لا بدّ من إثبات حصول الزنا حتى يقام حد الزنا على فاعله، ولا يكون ذلك إلا بأحد أمرين: الأول منهما أن يقرّ به الزاني نفسه؛ على أن لا تقل عدد مرات إقراره عن أربع مراتٍ، وإن كانت متفرقةً في أكثر من مجلسٍ، ولا بدّ أن يكون إقراره صريحاً في فعل الزنا؛ حتى يزيل شبهة أن يكون فعله استمتاعاً دون الزنا الموجب للحد، كما أنّه لا بدّ من تمسّك المقرّ بإقراره إلى أن يقام عليه الحدّ، فإن رجع عن إقراره قبل إقامة الحد، لم يقم عليه، أمّا الأمر الثاني المثبت لحصول الزنا؛ فهو شهادة أربع شهودٍ على حصوله من قِبل الزاني، ولا بدّ لقبول شهادتهم من شروط، إن اختلّ أحدها، وجب إقامة حد القذف على الشهود جميعاً، وفيما يأتي بيانها:[2]

  • أن يكون عدد الشهود أربعةً، فلا تقبل شهادتهم إن كانوا أقلّ من ذلك.
  • أن يكون الشهود رجالاً عدولاً، فلا تقبل شهادة النساء في الزنا؛ تكريماً لهنّ، ولا تقبل شهادة الفاسق أيضاً.
  • أن يعاين الشهود جميعاً فعل الزنا، ويصفوه وصفاً صريحاً؛ وذلك لدفع جميع احتمالات أن يكون ذلك استمتاعاً محرّماً دون الزنا.
  • أن يكون الشهود مسلمين جميعاً؛ لأنّ الكافر غير متحقق العدالة.
  • أن يشهد جميع الشهود في مجلسٍ واحدٍ، سواءً أكانوا مجتمعين، أو كلٌ منهم على حدا.

المراجع

  1. ↑ سورة الإسراء، آية: 32.
  2. ^ أ ب "تعريف الزنى وحكمه وخطورته"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-19. بتصرّف.
  3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6243، صحيح.
  4. ↑ "الزنا الذي يوجب الحد"، www.islamqa.info، 2005-12-17، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-19. بتصرّف.
  5. ↑ سورة هود، آية: 114.
  6. ^ أ ب "هل يُغفر للزاني التائب ولو لم يُقم عليه الحد ؟"، www.islamqa.info، 2003-4-20، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-19. بتصرّف.
  7. ^ أ ب " التوبة من الزنا مقبولة بشروطها"، www.fatwa.islamweb.net، 2010-2-10، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-19. بتصرّف.
  8. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 149، صحيح.