-

كيف تتلذذ بعبادتك

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

العبادة

للعبادة في الاصطلاح الشرعي عدّة تعريفات كلها متقاربة في المعنى؛ منها تعريف الشيخ ابن تيمية الذي قال إنّ العبادة هي اسم يُجمَع فيه كلّ ما يحبه الله -عز وجل- ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة، وهكذا تدخل فيها الصلاة، والصيام، والصدق، والأمانة، والجهاد، والذِّكر، والصبر، وكل ما حثّ عليه الشرع من قول أو فعل، والعبودية بهذا المعنى لا تتحقق إلا باجتماع أمرين رئيسين؛ هما كمال المحبة لله تعالى، وكمال الذل والخضوع له، ويظهر من معنى العبادة أنها على نوعين؛ فنوعها الأول ما كان نفعه ذاتياً، كالصلاة والصيام، وقسم منها ما كان نفعه متعدّياً إلى الآخرين كالزكاة مثلاً، ويظهر فيما ورد من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ العبادات متعدية النفع أكبر أجراً من العبادات ذاتية النفع،[1] فقد قال -صلى الله عليه وسلم- عن عبادة كفالة اليتيم مثلاً: (أنا وَكافِلُ اليتيمِ في الجنَّةِ هَكذا، وقالَ بإصبعيهِ السَّبَّابةِ والوُسطَى).[2]

وللعبادة تقسيم آخر تبعاً لمسألة الخصوع الاختياري أو الإجباري الاضطراريّ لله عز وجل، فإمّا أن تكون العبادة كونيةً، وإمّا شرعيةً، والعبادة الكونية هي الخضوع لأوامر الله -عز وجل- الكونية، وهي تشمل الخلائق والناس جميعهم؛ فالمؤمن والكافر كلاهما خاضعان لله -تعالى- في أوامره الكونية، ويظهر هذا المعنى في قوله تعالى: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً)،[3] وأمّا العبادة الشرعية فهي خضوع الإنسان لأوامر الله -تعالى- الشرعية، وهذه العبادة لا تكون إلا من المؤمن الذي يطيع الله ويتّبع ما أمر به الرُّسل والأنبياء، وفي هذه قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً)،[4] وفيما بين العبادتين من أجر وثوابٍ، فإنّ العبادة الكونية لا يُحمَد عليها فاعلها؛ فهي ليست من فعله واختياره، أمّا العبادة الشرعية فإنّ فاعلها يُحمَد عليها.[1]

استشعار لذّة العبادة

إذا أراد الإنسان أن يتلذّذ بعبادته فلا بدّ له من مراعاة بعض الأمور أثناء قيامه بها، منها ما يأتي:[5][6]

  • جهاد النفس على طاعة الله -تعالى- والقيام بأوامره إلى أن تعتاد النفس ذلك وتألفه؛ ففي البداية قد تنفر النفس من التكاليف وتحاول التهرّب منها، لكنها تعتادها إذا أصرّ الإنسان عليها وأخذ يجاهدها بإرادة حقيقيّة وعزيمة قوية، وقد قال -تعالى- في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).[7]
  • ترك المعاصي والابتعاد عن الذنوب والآثام؛ فالمعاصي تقف حاجزاً بين قلب الإنسان وتلذّذه بالعبادة، فيصير قلبه قاسياً، وقد كان بعض السلف يقولون: (ما ضرب الله عبداً بعقوبة أعظم من قسوة القلب).
  • ترك ما فضُل من الكلام، والنّظر، والطعام، والشراب؛ فيكتفي الإنسان مثلاً بما يسدّ جوعه من الطعام ويُعينه على العمل والعبادة، ويترك الإسراف في مأكله، قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).[8]
  • تذكُّرُ أن العبادة وسيلة لتحقيق رضا الله -تعالى- ومحبته والقرب منه، فقد قال -تعالى- في مَن يحرص على التقرب إليه بالطاعات والعبادات والنوافل ما رواه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنه في الحديث القدسي: (ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه.[9]
  • التفكّر في مآل هذه العبادات؛ فهي لا تفنى ولا تزول كما تزول أمور الدنيا، بل تبقى للعبد يوم القيامة حتى يفرح بها ويسعد بفعلها، فيجد ثمراتها في الدنيا والآخرة، وبهذا فإنّه لا يبالي بما فاته من نعيم الدنيا وملذّاتها، قال تعالى: (مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا).[10]
  • الحرص على الإكثار من النوافل والتنويع فيها؛ وذلك لدفع الملل عن العابد؛ فمرّةً يصلي ومرّةً يصوم، ومرّةً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهكذا.
  • تدبّر سِيَر السلف الصالح؛ فذلك يرقّق قلب الإنسان ويدفعه إلى العمل الصالح والعبادة الخالصة.
  • تلاوة القرآن الكريم وتدبّر ما فيه من معانٍ وآيات خاصّةً في الصلاة؛ ففي القرآن شفاء للقلوب، ورفع للغفلة عن الإنسان، فهو يذكّره بالجنة والنار وما فيهما من نعيم وعذاب، كما يرقّق القلب ويصله بالله تعالى، ولو أنّ الإنسان تفكّر في أن الكلام الذي يقرؤه فيه هو كلام الله -جل جلاله- لانخلع قلبه من رهبة الموقف.
  • اتخاذ وقتٍ للخلوة بالله -تعالى- والأُنس به، فيناجي الإنسان ربّه فيها، ويدعوه ويستغفره، ويترك ملهيات الحياة بعض الوقت، ويتفرّغ للتوسل إلى سيّده ومولاه.

أهمية العبادة وفضلها في الإسلام

أشارت الآيات الكريمة في القرآن الكريم إلى أهمية العبادة في الإسلام ومكانتها الرفيعة، يُذكَر من ذلك ما يأتي:[11]

  • أخبر الله -تبارك وتعالى- أن الغاية الأساسية من خلق الجن والإنس هي العبودية الخالصة له، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).[12]
  • أشار الله -عز وجل- إلى أن إفراده بالعبادة يحرر الإنسان من العبودية والخضوع والتذلل لكل معبود باطل غيره، قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ).[13]
  • العبودية لله -تعالى- تحقق لأصحابها التمكين والنصر في الأرض.
  • أضاف الله -عز وجل- العابدين إضافة تشريفية إليه في القرآن الكريم، فقال: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ).[14]
  • العبادة الخالصة لله -تعالى- سبب في دخول الجنّة والتلذذ بنعيمها، والحصول على رضى الله تبارك وتعالى، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا).[15]

المراجع

  1. ^ أ ب أيمن الشعبان، "مفهوم العبادة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-28. بتصرّف.
  2. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 6005، صحيح.
  3. ↑ سورة مريم ، آية: 93.
  4. ↑ سورة الفرقان ، آية: 63.
  5. ↑ د. أمين بن عبد الله الشقاوي (2013-9-4)، "لذة العبادة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-28. بتصرّف.
  6. ↑ عبده قايد الذريبي، "لذة العبادة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-28. بتصرّف.
  7. ↑ سورة آل عمران، آية: 200.
  8. ↑ سورة الأعراف، آية: 31.
  9. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.
  10. ↑ سورة طه، آية: 112.
  11. ↑ أنجوغو مباكي صمب السنغالي (2009-4-7)، "العبادة وأثرها في إصلاح الفرد والمجتمع"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-28. بتصرّف.
  12. ↑ سورة الذاريات، آية: 56.
  13. ↑ سورة الحجر، آية: 42.
  14. ↑ سورة الفرقان، آية: 63.
  15. ↑ سورة الكهف، آية: 107.