كيف كان الصحابة يستقبلون رمضان
شهر رمضان
إنّ شهر رمضان شهرٌ كريمٌ تتنزّل فيه الرّحمة، والبركات، وفيه تُصفّد مردة الشياطين، وتُفتح أبواب الجنّة، وتُغلق أبواب النار، ويستجيب الله -تعالى- فيه الدعاء، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أتاكُم رَمضانُ شَهرٌ مبارَك، فرَضَ اللَّهُ -عزَّ وجَلَّ- عليكُم صيامَه، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ، وتغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ، للَّهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ)،[1] وفرض الله -تعالى- على المسلمين الصوم في شهر رمضان، وذلك بالإمساك عن الطعام، والشراب، والجِماع، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وممّا يدلّ على عظمة مكانة عبادة الصيام أنّ الله -تعالى- نسب الصيام له، حيث قال رسول الله في ما يرويه عن ربّه عزّ وجلّ: (كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لَهُ إلَّا الصَّومَ فإنَّهُ لي وأَنا أجزي بِهِ)،[2] وممّا يدلّ على عظم شهر رمضان سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- ربّهم -عزّ وجلّ- أن يُبلّغهم رمضان ستة أشهر قبل قدومه، هذا بالإضافة إلى اجتهادهم في الطاعات والعبادات فيه، ثمّ دعاءهم ستة أشهر بعده أن يتقبّل الله -تعالى- منهم، ومن أعظم العبادات في شهر رمضان المبارك: قراءة القرآن الكريم وتدبّره، وقد كان للتابعين قصص كثيرة تدلّ على إدراكهم ذلك، فقد كان الإمام الشافعي -رحمه الله- يختم القرآن في رمضان ستين مرّة؛ أي بمعدّل مرّتين في اليوم الواحد، وكذلك الإمام مالك بن أنس كان يترك العلم وطلابه، حتى إنّه كان يترك كتابته للموطأ في رمضان رغم عِظم هذا العمل وأهميته، ويُقبل على قراءة القرآن الكريم.[3]
استقبال الصحابة لشهر رمضان
كان الصحابة -رضي الله عنهم- يستقبلون رمضان بالتقرّب إلى الله تعالى، ويجتهدون بالطاعات، وفي ما يأتي بيان ذلك:[4]
- قراءة القرآن الكريم وتدبّره: فقد كانوا يُفضّلون قراءة القرآن على الكثير من الأعمال، فمنهم من كان يختم القرآن الكريم في كلّ يوم مرّة واحدة، كما كان يفعل عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومنهم من كان يختم القرآن في ثلاث ليالٍ، ومنهم من كان يختم القرآن الكريم في سبعة أيّام، وكان سفيان الثوريّ يترك الأعمال كلّها في رمضان ويُقبل على كتاب الله تعالى، فيتلوه صباحاً ومساءً، كذلك كان الإمام الزهريّ -رحمه الله- يترك علم الحديث على الرغم من أهميته وعظمه، ويُقبل على القرآن الكريم بالقراءة والتدبّر.
- النفقة وإطعام الطعام: ضرب الصحابة -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة في النفقة، وإطعام الطعام، وخاصّة في شهر رمضان المبارك، فكانوا يُطعمون الفقراء والمساكين، وينفقون عليهم، ومن مواقف الصحابة في ذلك ما كان يفعله عبد الله بن عمر رضي الله عنه، حيث جاءه في يوم من الأيام أربعة آلاف درهم وقطيفة، فأنفقها كلّها في اليوم ذاته على الفقراء والمساكين، وبقي مرتدياً القطيفة لليوم التالي، ثمّ أعطاها لأحد المساكين، وكان لا يفطر إلّا مع اليتامى والمساكين، وقد دعا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لسعد بن معاذ -رضي الله عنه- لمّا دعاه سعد إلى الإفطار فقال: (أفطرَ عندَكمُ الصَّائمونَ، وأَكلَ طعامَكمُ الأبرارُ، وصلَّت عليْكمُ الملائِكة).[5]
- قيام الليل والاجتهاد في العشر الأواخر: فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يؤمنون أنّ شهر رمضان فرصة يجب اغتنامها بالعبادات، فكان الإمام يقرأ سورة البقرة في ثماني ركعات، فإذا قرأها في اثنتي عشر ركعة شعروا أنّه قد خفّف عليهم، وكانوا يقرؤون مئات الآيات، حتى إذا تعبت أقدامهم ارتكزوا على العصيّ إلى قُبيل بزوغ الفجر بقليل، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يجتهدون بالدعاء في كلّ ليلةٍ متذكّرين قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ في الليلِ لَساعةٌ، لا يوافقُها رجلٌ مسلمٌ يسأل اللهَ خيراً من أمرِ الدنيا والآخرةِ، إلّا أعطاه إياه، وذلك كلَّ ليلةٍ)،[6] وكانوا أكثر اجتهاداً في العبادات وأكثر إقبالاً على الله -تعالى- في العشر الأواخر من رمضان، فكانوا يُشمّرون ويبذلون كلّ الجهد في الطاعات، مقتدين بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، كما قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذا دخل العشرُ شدَّ مِئْزَرَهُ، وأحيا ليلهُ، وأيقظَ أهلهُ)،[7] وكانوا يتحرّون ليلة القدر، فهي ليلة عظيمة والعبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، حيث قال الله -تعالى- عنها: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ*سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).[8]
- حفظ الجوارح: كانوا يعلمون أنّ الصوم ليس مجرّد امتناعٍ عن الطعام والشراب، بل لا بدّ من حفظ الجوارح عن الذنوب أيضاً، فلا يكذبون، ولا يستغيبون أحداً، ولا يقولون الزور، واضعين نصب أعينهم حديث رسول الله: (من لمْ يَدَعْ قولَ الزورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للهِ حاجَةٌ في أنِ يَدَعَ طعَامَهُ وشرَابَهُ).[9]
نصائح في استقبال رمضان
شهر رمضان فرصةٌ تُتاح للمسلم في كلّ عام مرّةً واحدةً، فلا بُدّ للمسلم من استقباله بأفضل ما يستطيع، وفي ما يأتي نصائح في استقباله:[10]
- تعلّم أحكام الصوم وفقه رمضان؛ إذ إنّ المسلم لا يُعذر في جهله للفرائض وكيفية أدائها، فحريّ بالمسلم تعلّم أحكام الصوم قبل قدوم رمضان حتى يُقبل صيامه.
- الدعاء ببلوغه، كما كان يفعل الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
- العزم على التوبة، إذ إنّ رمضان شهر التوبة والغفران، فيجب استقباله بترك الذنوب والمعاصي والعزم على التوبة الصادقة.
- الفرحة بقدومه، فهو شهر مبارك.
- التخطيط المسبق لاغتنام شهر رمضان بالطاعات، والعلم النافع، بدلاً من تضييع الأوقات بما لا ينفع العبد.
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2105، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5927، صحيح.
- ↑ "خصائص شهر رمضان وبركاته"، knowingallah.com، اطّلع عليه بتاريخ 7-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "هدي الصحابة الكرام في رمضان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-5-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن الزبير، الصفحة أو الرقم: 1429، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 757، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2024، صحيح.
- ↑ سورة القدر، آية: 3-5.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1903، صحيح.
- ↑ "عشر وسائل لاستقبال رمضان"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-5-2018. بتصرّف.