هل يوجد علاج للسحر
السحر
يُعرّف السحر في اللغة العربية على أنّه صرف الشيء عن وجهه، وأمّا شرعاً فقد اختُلف في تعريفه؛ وسبب اختلاف الفريقين في التعريف أنّ كلاً منهما قائمٌ على مذهبٍ مختلفٍ عن الآخر، حيث قال الفريق الأول إنّ السحر حقيقةٌ، وأمّا الآخر فقال إنّ السحر مجرّد تخيلاتٍ، وخداعٍ، وتمويهٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ أهل السنة والجماعة قالوا بأنّ السحر حقيقةٌ، حيث قال الإمام القرطبي رحمه الله: (ذهب أهل السنة إلى أنّ السحر ثابتٌ وله حقيقةٌ)، وكذلك قال ابن القيم، والإمام النووي، وعرّف ابن قدامة السحر؛ فقال: (إنّه عزائمٌ ورقى، وعُقدٌ تؤثّر في القلوب والأبدان، فيُمرض، ويقتل، ويفرّق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه)، وأمّا من قال بأنّ السحر مجرّد تخيلاتٍ، وخداعٍ، وتمويهٍ، فهم عامّة المعتزلة؛ منهم: القاضي عبد الجبار المعتزلي، وأبو منصور الماتريدي، حيث خلصت آراءهم بأنّ السحر مجرّد تخييل، ولا تأثير له في مرضٍ، أو حلٍّ، أو عقدٍ.[1]
علاج السحر
إنّ القرآن الكريم علاجٌ شاملٌ للسحر، والحسد، والمسّ، بالإضافة إلى الأمرض العضوية، وأمراض النفس؛ كالشرك، والشّك، والفسق، والفجور، حيث قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إِلّا خَسارًا)،[2]، ورُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه دخل على عائشة -رضي الله عنها- وعندها إمراةٌ تعالجها، أو ترقيها، فقال الرسول: (عالِجيها بكتابِ اللهِ)،[3] كما ويُمكن قراءة أيّة آية من آيات القرآن الكريم للرقية، سواءً أو ورد دليل أنّ رسول الله رقى فيها، أم لا، كما حصل مع الصحابة -رضي الله عنهم- عندما كانوا في رحلةٍ في أحد الأيام، فمرّوا بأهل وادي من العرب، فطلبوا منهم الطعام، فأبّوا أن يضيّفوهم، وبينما هم في ذلك الوادي لُدغ سيد القبيلة، فأسرعت القبيلة إلى الصحابة -رضي الله عنهم- يسألونهم عن راقٍ، فقال أبو سعيد: (أنا، ولكن لا أرقي لكم حتى تجعلوا لنا جُعلاً)، فرقى لهم اللديغ، فقام وما به بأس، فأعطوه قطيعاً من الغنم، فلمّا عادوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبروه بالأمر، فقال الرسول لأبي سعيد: (وما يُدريك أنّها رُقيةٌ)، ثمّ قال: ( قد أصبتم، اقْسموا، واضربوا لي معكم سهماً)،[4] ومن الجدير بالذكر أنّ علاج السحر قد يكون من كتاب الله، أو سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، بشرط ألّا تحتوي على شركٍ، ويكون العلاج على عدّة مراحل، وقبل البدء بالعلاج، يجب تشخيص المرض، وهو السحر، فإن كا ن السحر سحر تفريقٍ مثلاً، وهو سحر يهدف إلى التفريق بين الرجل وزجته، أو أمه، أو أبيه، أو أخيه، أو صديقه، وبثّ البغض والكراهية بينهم، ومن أعراضه: كراهية المسحور لكلّ عملٍ يقوم به الطرف الآخر، وتضخيم الخلافات وإن كانت تافهه، وعدم التماس الأعذار، بالإضافة إلى تحوّل الحبّ إلى بغضٍ بطريقةٍ مفاجئةٍ، وكثرة الشكوك المتبادلة، وقد يصل السحر إلى الإنسان عن طريق الطعام والشراب، أو عن طريق أخذ شيءٍ من أثر المسحور؛ كجزءٍ من شعره مثلاً، وإرساله إلى الساحر، وأمّا علاج السحر فيكون على ثلاث مراحلٍ:[5]
- مرحلة ما قبل العلاج: وتتمّ فيها عدّة خطوات؛ مثل تحضير البيت المُعدّ للعلاج بإخراج الصور منه، وعدم سماع الموسيقى والغناء فيه، والحذر من المخالفات الشرعية كلّها، ونشر الجوّ الإيماني بإعطاء أهل البيت درساً في العقيدة مثلاً، ثمّ إخراج ما مع المسحور من تمائمٍ وحجبٍ وحرقها، ثمّ وضوء الراقي وأهل البيت.
- مرحلة العلاج: تبدأ مرحلة العلاج بوضع اليد على رأس المسحور، وترتيل الرقية في أذنه، وتتم قراءة ما يأتي من الآيات والأدعية:
- مرحلة ما بعد العلاج: بعد الشفاء من السحر بأمر الله عزّ وجلّ، لا بُدّ من المحافظة على عدّة أمورٍ، منها:
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه، ونفخه، ونفثه، ثمّ قراءة سورة الفاتحة.
- بسم الله الرحمن الرحيم، ثمّ قراءة الآيات الخمس الأولى من سورة البقرة.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثمّ قراءة قول الله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ)،[6] إلى آخر الآية، وتكرارها كثيراً.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقراءة قول الله تعالى: (وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ*إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ)،[7] إلى آخر الآية.
- قراءة آية الكرسي.
- قراءة آخر آيتين من سورة البقرة، من قول الله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ)،[8] إلى قوله: (فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).[9]
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثمّ قراءة قول الله تعالى: (إِنَّما صَنَعوا كَيدُ ساحِرٍ وَلا يُفلِحُ السّاحِرُ حَيثُ أَتى)،[10] وتكرارها كثيراً.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثمّ قراءة قول الله تعالى: (قالَ موسى ما جِئتُم بِهِ السِّحرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصلِحُ عَمَلَ المُفسِدينَ*وَيُحِقُّ اللَّهُ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَو كَرِهَ المُجرِمونَ)،[11] مع تكرار قوله: (إِنَّ اللَّهَ سَيُبطِلُهُ).
- قراءة سورة الفلق، وتكرار قول الله تعالى: (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ).[12]
- قراءة سورة الناس.
- قراءة سورة الإخلاص.
- المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
- الوضوء قبل النوم، وقراءة آية الكرسي.
- المحافظة على قراءة القرآن الكريم يومياً، أو سماعه إن كان المسحور أميّاً.
- البعد عن المعاصي والذنوب، ومنه:ا سماع الموسيقى والغناء.
- اختيار الصحبة الصالحة.
- الالتزام في صلاة الجماعة.
حكم الساحر
اختلف الفقهاء في حكم الساحر إن كان مسلم أو إن كان من أهل الكتاب؛ فكان رأي الإمام مالك بأنّ المسلم إذا سحر بنفسه بكلام كفر، وجب قتله، ولا يستتاب، ولا تُقبل منه توبةٌ، وعلّل ذلك بأنّ السحر أمر يستسرّ به، كالزنديق، والزاني، واستدلّ على كفر الساحر بقول الله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ)،[13] وقد وافقه على ذلك الإمام أحمد، والإمام الشافعي، وأبو حنيفة، وإسحاق، وأبو ثور، بالإضافة إلى ما رُوي عن جمعٍ من الصحابة بأنّ حدّ الساحر القتل، وهم: عثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وأمّ المؤمنين حفصة بنت عمر، وعمر بن عبد العزيز، وقيس بن سعد، وجندب بن كعب رضي الله عنهم، وأمّا إن كان الساحر من أهل الكتاب فلا يُقتل بسحره، إلّا إن قتل أحداً من المسلمين به، أو أدخل بسحره على أحدٍ من المسلمين ضرراً فينتقض بذلك عهده، ويحلّ قتله، وقال الشافعي رحمه الله: (لا يُقتل ساحر أهل الكتاب، إلّا إن قتل بسحره فيُقتل).[14]
المراجع
- ↑ "السحر تعريفه وأنواعه وآثاره"، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-7-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 82.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 6098، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2276، صحيح.
- ↑ "إبطال السحر"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-6-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 102.
- ↑ سورة البقرة، آية: 163،164.
- ↑ سورة البقرة، آية: 285.
- ↑ سورة البقرة، آية: 286.
- ↑ سورة طه، آية: 69.
- ↑ سورة يونس، آية: 81-82.
- ↑ سورة الفلق، آية: 4.
- ↑ سورة البقرة، آية: 102.
- ↑ "حكم السحر في الشريعة الإسلامية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-7-2018. بتصرّف.