الصّلاة من أهمّ العبادات التي فرضها الله عزّ وجلّ على عباده المسلمين، وكان من أهميّة الصّلاة عند الله عزّ وجلّ أن جعلها عمود الإسلام وركنه الثّاني بعد الشّهادتين، إلى جانب اختار السّماوات العُلى مكاناً لفرضها؛ حيث عُرِجَ بالمصطفى - عليه الصّلاة والسّلام - إلى السّماء السّابعة في مُعجزة الإسراء والمعراج، وقد خَصّ الله نبيه بذلك على غيره من الأنبياء والمرسلين، وجَعَل لمن التزم بها وأدّاها بوقتها أجراً عظيماً ولمن تركها وتهاون بمكانتها عذاباً أليماً، فبالصّلاة يقف العبد بين يدي ربّه يُناجيه ويطلب رضوانه، وبها يكون المرء أقرب إلى خالقه من أي شيءٍ آخر، وبعد ذلك ميَّز الله من بين الصّلوات صلاة الجمعة، فجلعها صلاةً يلتقي بها المسلمون، يجتمعون ويتناقشون في أمور الأمّة.
جَمعُها جُمُعات، وجُمَعْ، سُمِّيَت بذلك لاجتماع النّاس فيها، وقيل: لكثرة ما جَمَع الله فيها من خصائل الخير، وهي اسم شرعيّ، وقيل: سُمِّيت بذلك لأنّ آدم - عليه السّلام - جُمِع فيه خلقه، وقيل: لأنّ المخلوقات تمّت فيها واجتمعت، وعن ابن سيرين أنّ أهل المدينة سمّوها الجمعة، وجمعوا قبل أن يَقدم رسول الله - عليه الصّلاة والسّلام -، ونزلت سورة الجمعة، ولم تكن بعد فُرِضَت، وقيل: أوّل من سمّى الجمعة كعب بن لؤي، وكان اسمه في الجاهلية عَروبة من الإعراب الذي هو التّحسين لمكان تزيّن النّاس فيه.[١]
ثبتت فرضيّة صلاة الجمعة بالكتاب والسُّنة، أما في الكتاب فقد قال تعالى: (فَاسْعَوا إلى ذِكْر الله)[٢]، والأمر بالسّعي إلى الشيء لا يكون إلا لوجوبه، والأمر بترك البيع المُباح لأجله دليل على وجوبه أيضاً.[٣]
رغم أنّ صلاة الجمعة واجبةٌ في الكتاب والسُنّة وإجماع الفقهاء إلا أنّ هنالك بعض الحالات التي تسقط فيها صلاة الجمعة ومنها:[٤]
ليوم الجمعة وصلاته فضلٌ عظيم، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - عليه الصلاة والسلام -: (خير يوم طلعت عليه الشّمس يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم، وفيه أُدْخِلَ الجنّة وفيه أهبط منها، ولا تقوم السّاعة إلا في يوم الجمعة)،[٥] وزاد مالك، وأبو داود: (وفيه تيب عليه، وفيه مات، وما من دابّة إلا وهي مُصيّخة يوم الجمعة من حين تُصبح حين تطلع الشّمس شفقاً من السّاعة إلا الجن والإنس)، وزاد الترمذي: (وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يُصلّي يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إيّاه).[٦]
وصَحَّ من حديث سلمان رضي الله عنه قوله - عليه الصّلاة والسّلام- (أتَدرونَ ما الجمُعة؟ قلتُ: اللَّهُ ورسولُهُ أعلمُ، ثمَّ قالَ: أتَدرونَ ما الجمعة؟ قلتُ: اللَّه ورسولُهُ أعلَمُ. ثم قال أتَدرونَ ما الجمُعة؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم. ثم قالَ: أتَدرونَ ما الجمُعة؟ قلت: في الثَّالثةِ أوِ الرَّابعةِ هوَ اليومُ الذي جَمعَ فيهِ أبوكَ. قالَ: لا، ولَكِن أخبِرُكَ عنِ الجمعةِ، ما من أحدٍ يتطَهَّرُ، ثمَّ يمشي إلى الجمُعةِ، ثمَّ يُنصِتُ حتَّى يَقضيَ الإمامُ صلاتَهُ، إلَّا كانَ كفَّارةُ ما بينَهُ وبينَ الجمعةِ الَّتي قبلَها ما اجتَنبْتَ المَقتلةَ).[٧]
اختلف الفقهاء في مقدار الجماعة المشروط لصلاة الجمعة؛ فقد قال أبو حنيفة ومحمد: أدناه ثلاثة سوى الإمام، وقال أبو يوسف: اثنان سوى الإمام، وقال الشافعيّ: لا تنعقد الجمعة إلا بأربعين سوى الإمام، ودليل الشافعيّ ما رُوِيَ عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك أنّه قال: (كُنتُ قائدَ أبي حينَ ذَهَبَ بصرُهُ ، فَكُنتُ إذا خَرجتُ بِهِ إلى الجمعةِ فسمِعَ الأذانَ استَغفرَ لأبي أُمامةَ أسعدَ بنِ زُرارةَ ، ودعا لَهُ ، فمَكَثَتُ حينًا أسمعُ ذلِكَ منهُ ، ثمَّ قُلتُ في نَفسي: واللَّهِ إنَّ ذا لعَجزٌ ، إنِّي أسمعُهُ كلَّما سمعَ أذانَ الجمعةِ يستغفِرُ لأبي أُمامةَ ويصلِّي عليهِ ، ولا أسألُهُ عن ذلِكَ لمَ هوَ ؟ فخَرجتُ بِهِ كما كنتُ أخرجُ بِهِ إلى الجمُعةِ ، فلمَّا سمعَ الأذانَ استغفَرَ كما كانَ يفعَلُ ، فقُلتُ لَهُ: يا أبتاهُ ، أرأيتَكَ صلاتَكَ على أسعَدَ بنِ زُرارةَ كلَّما سَمِعتَ النِّداءَ بالجمعةِ لمَ هوَ ؟ قالَ: أي بُنَيَّ ، كانَ أوَّلَ من صلَّى بنا صلاةَ الجمُعةِ قبلَ مَقدَمِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من مَكَّةَ ، في نقيعِ الخضَماتِ ، في هزمٍ مِن حرَّةِ بَني بياضةَ ، قُلتُ: كَم كنتُمْ يومئذٍ ؟ قالَ: أربعينَ رجلًا)،[٨] ولأنّ ترك الظّهر إلى الجمعة يكون بالنّص ولم يُنقَل أنّه - عليه الصّلاة والسّلام - أقام الجمعة بثلاثة.
واستدلّ الأحناف بأنّ النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- (كان يخطب، فقدم عير تحمل الطّعام فانفضّوا إليها وتركوا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قائماً وليس معه إلا اثنا عشر رجلاً منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ -رضي الله عنهم- أجمعين وقد أقام الجمعة بهم)، ولأنّ الثّلاثة تساوي ما وراءها في كونها جمعاً فلا معنى لاشتراط جمع الأربعين، بخلاف الاثنين فإنّه ليس بالجمع.[٩]
تَجِب صلاة الجُمعة على من اجتمعت فيه شرائطٌ ثمانية وهي:[١٠]