ليس للإنسان إلا ما سعى
من عظمة القرآن الكريم، أنه قرر مبادئ عالمية تصلح لأن تكون شعارات ينتهجها الإنسان في حياته، فهي كالنور في الظلمة لكل من تاه وضل السبيل، سبيل الحق والهداية، وليس معنى ضل السبيل فقط سبيل الآخرة، بل السبيل في الدنيا أيضاً، فالإنسان الذي سيطرت عليه نفسه الخبيثه قد ضل السبيل، والإنسان الذي تاه في الطمع والحقد والأنا قد ضل السبيل، والذي تخلق بالأخلاق القبيحة ضل السبيل، والذي قتل وسفك الدماء وخرب ودمر وحرق وأفنى وأباد قد ضل السبيل، فكل هؤلاء الأشخاص هم ممن أضاعوا النور الذي سيرشدهم إلى مبتغاهم وغايتهم التي خلقهم الله تعالى لأجلها والتي منحهم ما منحهم من نعم وعطايا لها.
"ليس للإنسان إلا ما سعى" أحد المبادئ العظيمة التي قررها القرآن الكريم بأسلوب لغوي لا يوجد مثيل له، وفي سياق آيات عظيمات، وقرآن معجز، فهذه الآية تصلح أن تكون إحدى العالميات التي يرتكز عليها البشر خلال دروب حياتهم، فهي تحمل معانٍ مستفيضة قبل أن تحمل عبارة أخرى مثلها. يبعد هذا المبدأ الإنساني العظيم عن الإنسان كل ما قد يدخل في صدره من يأس أو حقد أو غيره وأي شيء آخر من أمراض النفس المستعصية، فتوجه هذه الآية خطابها لكل البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأعراقهم وأديانهم وطوائفهم وأفكارهم ومللهم ولغاتهم لتقول لهم أن ما يحدد تميز إنسان عن إنسان آخر هو مقدار بذله وعطائه في سبيل رفعته ونهضته وعزته، حيث سمت هذا البذل والعطاء بالسعي، فلقد خلق الإنسان في هذه الأرض ليكون خليفة الله فيها، يعمرها ويسعى فيها ويكتشف خفاياها، لينعم بالعيش الهانيء والحياة الجميلة. وهي تقول أيضاً أن الراحة والسكون الدعوة وقبول الأمر الواقع لن يحدثا تغييراً حقيقياً، ينشده الناس، يحقق لهم الحياة الكريمة التي يسعون إليها، فكل شيء في هذا الكون متحرك، والكون لا يعرف السكون، ولهذا يجب على الإنسان أيضاً أن يكون دائم الحركة والسعي وراء احتياجاته ووراء عزته وأهدافه ورفعته، فالتقدم يحتاج للحركة.
السعي في هذه الآية شامل لكل معاني الحياة وذلك لأن هنا هو الإنسان، بدون النظر إلى أية تفصيلات أخرى، وبالتالي فإن السعي في هذه الآية يشتمل على التعلم والعبادة والعمل وتطوير النفاس والاختراع والسفر والزواج وتكوين العلاقات الاجتماعية وغيرها العديد من النشاطات التي تعمل على زيادة مخزون الإنسان المعرفي والروحي، وبالتالي زيادة رصيده وزيادة قيمته، فهو إنسان متميز يحبه الله وبالتالي سيحبب الناس فيه وجميع خلقه.