-

مظاهر الحياة العقلية للعرب في العصر الجاهلي

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

العصر الجاهلي

العصر الجاهلي هي الفترة التي سبقت بعثة الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، والتي عاش فيها العرب في الجزيرة العربية، وقد استمرت هذه الفترة ما يقارب قرناً ونصف، حيث إنّ كلمة الجاهلية لا تعني الجهل المُضاد للعلم، وإنما يُقصد بها الجهل المُضاد للحلم، وقد قسّم مؤرخو الأدب الفترة الجاهلية من ناحية الأدب إلى قسمين أساسين، هما الجاهلية الأولى، والجاهلية الثانية، أما الجاهلية الأولى فهي الفترة التي تمتد إلى زمن بعيد جداً ولا يعلم المؤرخون عنها شيئاً، أمّا الجاهلية الثانية فهي الفترة التي امتدت إلى نحو مئتي سنة قبل ظهور الإسلام، وقد وصل إلينا بعض من الشعر المنظوم من تلك الفترة.[1][2]

ومن الجدير بالذكر أنه عندما يسمع امرؤ ما مصطلح العصر الجاهلي فإنه عادة ما يتبادر إلى ذهنه تلك الفترة التي تسبق قدوم الإسلام كاملة بما تشتمل عليه من حقب، إلّا أن الذين بحثوا في الأدب الجاهلي لم يتوسعوا فيه إلى تلك الدرجة، فقد اقتصروا على قرن ونصف فقط قبل البعثة النبوية، فكما ورد عن الجاحظ أن الفترة التي دُرس فيها الشعر العربي كانت قبل مئة وخمسين عاماً قبل مجيء الإسلام، وما قبل ذلك لم يُعرف عن الشعر العربي شيئاً، كما أنّ عرب الشمال يُعدّون مجهولي التاريخ إلى حدّ ما، فلم يعرف عنهم أي شيء منذ أن قُضي على دولتهم من قِبَل الرومان، ولم يرد في التاريخ سوى القليل من الأخبار الفارسية والبيزنطية، وبعض النقوش المكتوبة بالسامية، أما الأخبار التي تمّ الإسهاب فيها فهي تعود إلى الفترة الجاهلية الثانية وليست الأولى.[3]

الحياة العقلية للعرب في الجاهلية

كانت العادة هي ما يسيطر على عقل العرب في الجاهلية، ويمكن القول إنّ الحياة العقلية للعرب في الجاهلية كانت شبيهةً إلى حد ما بالحياة العقلية لمختلف شعوب الأرض في طور البداوة وقبل الوصول إلى ما يُسمى بالنضج الفكري والعقلي، ولم يكن لدى العرب القدرة على الربط بين السبب والمسبب، أو بين العلة والمعلول، فعلى سبيل المثال لو مرض أحدهم يتم وصف الدواء له، ويحدث الفهم والربط بين الداء والدواء ولكنه ليس ذاك الفهم المطلوب، وإنما تصبح عادة عندهم أن يتم تناول ذلك العلاج إذا مرض أحدهم مرة أخرى بمثل ذلك المرض، ولم يصل العقل إلى درجة إزالة العقبات والعوارض ومعالجة المسببات، فمثلاً كانوا يعتقدون بأن روحاً شريرة هي ما يسبب أمراضاً معينة فيشرعون بعملية طرد الأرواح، كما كانوا يلجؤون إلى تعليق التمائم لجلب النفع ودفع الضرر عنهم، وبالرغم من ذلك لم تخلُ قبائل العرب من العقلاء الذي يلجؤون إلى التفكير والتعليل الدقيق نوعاً ما.[4]

وقد كان العرب يخافون من المستقبل ومن الفقر، وعندما كان أحدهم يخاف من الفقر أو العيب الخلقي فقد يلجأ للوأد، وعندما كان يخاف من خسارته في التجارة كان يلجأ إلى التطيُّر والذي كان يحتل مكانة كبيرة عند العرب، فكانوا يراقبون حركة الطير لحاجة لهم فإذا اتجه الطير يساراً تشاءموا وإذا انتقل الطير إلى اليمين تفاءلوا ومضوا في حاجتهم، كما كانت عندهم العديد من أنواع الخرز المختلفة في ملمسها ولونها، فكانوا يحركونها بطريقة معينة ويرددون بعد ذلك كلاماً ككلام الكهنة والذي كانوا يسمونه بالرقية، ومن أسماء الخرز الذي كانوا يستخدمونه خرز الهنَّمة، وخرز الهِمْرة، وخرز الكَرار، وخرز الدَّردبيس.[4]

مظاهر الحياة العقلية عند العرب في الجاهلية

تشتمل الحياة العقلية عند العرب في العصر الجاهلي على العديد من المظاهر والمتمثلة في الشعر، والقصص، والأمثال واللغة بوجه عام،[5] وفيما يلي نبذة عن كل منهم:

اللغة

تعد اللغة مظهراً من مظاهر العقل لكلّ أمة، حيث إنّ لكلّ أمّة لغة، وكل لغة تناقلت من جيل إلى جيل وشهدت العديد من التغيرات والتطورات، فلم تُخلَق اللغةُ مرةً واحدة مع كل أمة، حيث بدأت اللغة بألفاظ محدّدة تلبي احتياجات الأفراد، ثم تظهر أمورٌ جديدةٌ فتظهر معها ألفاظ أخرى مرتبطةٌ بها، وقد تندثر بعض الألفاظ إذا ما اندثرت وتلاشت الأمور الدالة عليها، ومن الجدير بالذكر أنّ العديد من الكلمات التي يبحث المرء عنها في المعاجم ولا يجدها فالأغلب أن العرب لم تعرفها أو لم تلقِ لها بالاً، كما أنه لا يوجد معجم كلمات أثري يدلّ على مفردات العصر الجاهلي، ومن أهم أسباب ذلك أن:[5]

  • الشعر الجاهلي قد تلاشى واندثر في أغلبه.
  • العديد من الألفاظ العربية وُجدت في العصر الإسلامي، كما أن هناك العديد من الألفاظ التي تغيرت وتبدلت في العصر الإسلامي، بالإضافة إلى أن اللفظ الواحد أصبحت له العديد من المدلولات، وتختلف هذه الدلالات في نظر البدوي عنها في نظر الحضري، كما وردت في القرآن ألفاظٌ عديدةٌ لم ترد في العصر الجاهلي، بالإضافة إلى استعمال المجازات التي لم تكن في لغة الجاهليين.
  • إنّ العرب الجاهليين كانوا يعيشون في قبائل تختلف في اللهجة واللغة التي تستعملها كل قبيلة منهم، فقد تكون هناك كلمات تستعملها قبائل معينة ولا تستعملها قبائل أخرى.

الأمثال

وهي عبارة عن جملٍ قصيرةٍ نوعاً ما، وتدلّ على تجارب كبيرة أو قصص طويلة، وقد أُخذت الأمثال من التشبيه، ويمكن القول إنّ كلمة المَثَل مأخوذة من قول: هذا مَثَل الشيء ومثله بحسب ما رأى علماء اللغة العربية، والجدير بالذكر أنّ الأمثال تمكّن الإنسان من معرفة أحوال وأخلاق وعادات أمة ما، كما أنّ الأمثال تعدّ دلالة على لغة شعب ما، وتكون أصدق من دلالة الشعر، ومن الأمثال ما يكون معروفاً عن أمم عديدة، ومنها ما يكون خاصاً بأمةٍ أو شعبٍ واحد، وهناك العديد من الأمثال التي يُذكَر قائلها في بدايتها، أو تُذكر القصة التي تم تأليف المثل فيها، وهناك العديد من الأمثال التي لا يُذكر قائلها أو مناسبتها، الأمر الذي يؤدي إلى نسيان قائلها مع مرور الزمن.[5]

الشعر

حيث يعدّ الشعر من أكثر ما تميز به العرب في العصر الجاهلي، فقد أنتج العرب الجاهليون العديد من النصوص الشعرية المتميزة، والتي لا زالت تُدرَّس في الجامعات والمدارس إلى يومنا هذا، والجدير بالذكر أنّ الشعر احتلّ منزلة مهمةً عند العرب الجاهليين، فكما ورد عن ابن رشيق أنه من اهتمامهم وتقديسهم للشعر كان إذا ظهر شاعر في قبيلة أتت القبائل الأخرى تهنئها بذلك، كما حرصوا على تنمية شعرهم والوصول إلى أعلى مستويات البلاغة فيه.[6]

وقد كانت للشاعر مكانة كبيرة في القبيلة وبين الناس، حيث كانوا يعتبرونه الجهة الإعلامية الخاصة بها، ومن مظاهر عنايتهم بالشعر أنه كان لكل شاعر راوٍ ملازم له ينقل عنه شعره ويرويه حيث كان يمثل الوسيلة الأولى لنقل الشعر، كما كان أهل القبيلة يحرصون على تعليم أطفالهم الشعر ويجعلونهم يحفظون الشعر الخاص بقبيلتهم، وقد اعتبروا الشعر وسيلة لطربهم وسمرهم وهو علمهم الذي لم يكن أحد يعلم به أكثر منهم، وقد بقي العرب يهتمون بالشعر حتى بعد مجيء الإسلام فلم يهملوه بالرغم من انشغالهم بالدعوة والفتوحات، حيث كان الرسول عليه الصلاة والسلام يستمع إلى الشعر ويستحسن منه، ويوجه منه ما يحتاج إلى توجيه.[7]

القصص

وتعد القصص مظهراً من مظاهر الحياة العقلية في الجاهلية والتي شاعت عند العرب الجاهليين، لأهميتها ورد ذكرها في القرآن الكريم، وكان العرب يستمعون إلى القصص لأخذ العبرة والعظة، ومن القصص التي كانوا يسمعونها بكثرة قصص الملوك والأبطال، وقصص أسياد القبائل، والقصص التي تتحدث عن مشقات السفر والأهوال والمصاعب التي كان المسافرون يواجهونها في سفرهم، كما يكمن القول إن أغلب القصص كانت ترتبط بدياناتهم ومعتقداتهم وطرق حياتهم المرتبطة بالقبيلة، أما أماكن رواية القصص فقد كانت تتمثل في أندية مخصصة لذلك يجتمع بها العرب ويقصون القصص على بعضهم البعض.[8]

الثقافة والفكر في العصر الجاهلي

من الأمور الثقافية والفكرية التي اشتهر بها العرب في الجاهلية غير اللغة وما يتبعها علم الأنساب، حيث شاع هذا العلم عندهم بسبب ما كانوا يتصفون به من العصبية الجاهلية التي كانت أساس سلطتهم، وقد كانوا يتباهون في نسبهم ويتنافرون، فعندما يتنافر اثنان في النسب يذهبان إلى من يحكم بينهما ويسألانه أيهما أعز نفراً، ويكون النافر هو الغالب أما المنفور فهو المغلوب، والمغلوب هو من يعطي الغالب الشرط الذي بدأت به المنافرة.[9]

ومما اشتهروا به أيضاً المعارف الفلكية والطبيعية، فقد اتصل العرب بكثرة بالكلدانيين والصابئة الذين كان لهم اهتمام كبير في علم الفلك والتنجيم، وكانوا يعلمون بالأنواء، وهي سقوط نجم من أحد المنازل في المغرب مع طلوع الفجر وخروج رقيبه من المشرق، كما عرفوا منازل القمر، وأبراج الشمس، وقسموا السنة إلى 12 شهراً قمرياً، وقد اختلفت أسماء الشهور من قبيلة لأخرى حتى ثبتت إلى ما هي عليه اليوم، وعرفوا السيارات السبع أو الكواكب السبع وهي القمر، والشمس، والزهرة، والمريخ، وعطارد، وزحل والمشتري.[9]

ومما عُرفوا به أيضاً في فكرهم وثقافتهم الأمور الغيبية، والتي اشتملت على العرافة والكهانة في ادعائهم بمعرفة أسرار المستقبل، وعلمهم للماضي وما حدث فيه، بالإضافة إلى القيافة، وهو العلم الذي اهتم باقتفاء آثار الناس، أو معرفة نسب المرء من معالم وجهه وشكل أعضائه، أما معرفتهم بالفراسة فقد اشتملت على نظرهم إلى وجه الإنسان ومعرفة ما يخفيه في نفسه، كما عُرفوا بالعيافة وهي زجر الطير والتطير به، فكانوا يرمونه بحصاة أو يصرخون به، فإذا طار لليمين تفاءلوا وإن طار لليسار تشاءموا.[9]

المراجع

  1. ↑ أ. هناء الردادي، العصر الجاهلي، صفحة 8. بتصرّف.
  2. ↑ د. أحمد سليم، الأدب في العصر الجاهلي، صفحة 5. بتصرّف.
  3. ↑ أحمد شوقي، تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي، صفحة 39-38. بتصرّف.
  4. ^ أ ب منال يعقوب عبد الرحيم ، تجليات الثقافة الجاهلية في لغة السور المكية ، صفحة 18-21. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت محمد جمال إمام ، ملامح الحياة العقلية في عصور الإسلام الأولى، صفحة 34-36. بتصرّف.
  6. ↑ منال يعقوب عبد الرحيم، تجليات الثقافَة الجاهلية في لغة السور المكية، صفحة 26. بتصرّف.
  7. ↑ د. أحمد سليم، الأدب في العصر الجاهلي، صفحة 10-12. بتصرّف.
  8. ↑ منال يعقوب عبد الرحيم، تجليات الثقافَة الجاهلية في لغة السور المكية، صفحة 29. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ا. هناء الردادي، الأدب في العصر الجاهلي، صفحة 19-20. بتصرّف.