-

مراحل دعوة نوح

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

دعوة نوح عليه السلام

أرسل الله -تعالى- النّبي نوح لهداية قومه، وتحذيرهم من العذاب يوم القيامة، حيث لبث يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة، وقبْل وجود قوم نوح كان هناك خمسةٌ من الرّجال أجداداً للقوم وهم: ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرا، وبعد أن ماتوا، تمّ تصنيع تماثيل لتخلّد ذكراهم، ولتكون بمثابة التّكريم لهم، ثمّ بعد انقضاء الوقت، مات الذين قاموا بصنع تلك التّماثيل ونحتها، وأتى بعدهم أبناؤهم، وأبناء أبنائهم، حيث انتهز إبليس هذه الفرصة ليوسوس للناس أن تلك التّماثيل عبارة عن آلهة قادرة على تقديم النفع، وقضاء الحاجات، ودفع الأذى، ممّا دفع النّاس لعبادتها وتقديسها، ثمّ أرسل الله -تعالى- نوحاً ليوضّح للقوم حقيقية الأمر، ويبيّن لهم أنّه لا يوجد إلا إلهاً واحداً فقط يستحقّ العبادة، وأنّ هذه الدّنيا يعقبها موتٌ، وبعثٌ، وجزاءٌ، وأنّ تلك الآلهة التي يعبدونها ما هي إلا آلهةً مزيّفةً، لا تملك لهم ضراً، ولا نفعاً، وأن الشّيطان قد أغواهم وأضلّهم عن الطّريق الصّحيح.[1]

مراحل دعوة نوح عليه السلام

دعا نوحٌ -عليه السّلام- قومه ليل نهار، وكان يتدرّج في دعوته لقومه، وفيما يأتي بيانٌ لمراحل دعوته:[2]

  • المرحلة الأولى: دعوة القوم إلى توحيد الله تعالى، وترك عبادة الأصنام التي كان يعبدها آباؤهم وأجدادهم، فقد كان الآباء يحثّون أبناءهم دائماً على الحرص على عبادة الأصنام وعدم تركها، فقام نوح -عليه السلام- بتحذير قومه من العذاب العظيم الذي سيحلّ بهم، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).[3]
  • المرحلة الثّانية: وتمثلّت هذه المرحلة في المواجهة بين نوحٍ وقومه الذين عارضوا ما دعا إليه من عبادة الله -تعالى- والتّحذير من عذابه، وتصدّوا لذلك بكل الوسائل، حيث اتّهموه بأنّه في ضلالٍ، واتّهموه بأنّه مجنونٌ، وأنّه كاذبٌ، وسخروا منه أشدّ سخريةً، وكان القوم قد قالوا لنوحاً أنّ من اتّبعوه هم الفقراء، وأصاغر القوم ولا يجوز أن يخالطوهم؛ لأنّهم يظنّون أنفسهم أنّهم الأفضل والأعظم هيبةً، فكان طلبهم من نوح أن يطرد هؤلاء القوم ويُبعدهم، وقد طعن قوم نوح نبّوته بشبهاتٍ ثلاث، وهي:
  • المرحلة الثّالثة: الاستمرار في الدّعوة، ذلك لأنّها طويلةٌ ممتدٌّ أثرها، وهذا يلزم أن تكون الأساليب المتّبعة متنوّعةٌ وعديدةٌ، مع التدرج في استخدامها، ومن الأساليب التي اتّبعها نوحٌ في دعوته ما يأتي:
  • المرحلة الرّابعة: الشّكوى إلى الله تعالى بعد اليأس منهم، ثمّ الدّعاء عليهم وهو متوكلّاً على الله، مؤمنا بنصره، مظلوماً من قومه.
  • المرحلة الخامسة: والتي تمثّلت بالجزاء لكلا الفريقين، فكان النّصر والنّجاة لمن آمن، وكان الهلاك والعذاب لكلّ من تجبّر وكذّب، فقد أمر الله -تعالى- نوحاً أن يصنع سفينة النّجاة؛ ليركب فيها هو ومن آمن معه، ففعل نوحٌ ذلك، ثمّ كان عذاب قومه بأنّ الله -تعالى- أغرقهم بماء السّماء والأرض، ونجا نوحٌ ومن معه وركبوا السّفينة، وأمره الله أن يحمل معه في السّفينة من كلّ زوجين اثنين، وفي ذلك الوقت طلب نوحٌ من الله أن يحمي ابنه من الهلاك، لكن لم يستجيب الله له؛ لأنّ ابنه كان غير صالح، فغرق الكفّار، وجاء أمر الله أن تبلع الأرض الماء، وأن لا تُنزل السّماء ماءً، وتمّ استواء السّفينة على جبل الجوديّ، ونزل نوح والذين آمنوا معه بسلام وبركةٍ من الله.[6]
  • إنّ نوح -عليه السّلام- بشر، والرّد على هذه الشّبهة بقوله تعالى: (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ)،[4] فالرّحمة الواردة في الآية الكريمة هي النبوّة، وكلمة عمّيت دلالة على عدم إبصار القوم للحقّ، وبالتّالي التباسه عليهم.
  • إنّ من اتّبعوه هم أراذل القوم، وأنّه لو كان نبيّاً صادقاً لكان اتّباعه من الأسياد والأشراف وأعالي القوم وأشرفهم، والرّد على هذه الشّبهة بقوله تعالى: (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا)،[5] حيث أنّ نوحاً أخبرهم بأنّه لن يطرد هؤلاء النّاس من أجل أن يُرضي القوم الأغنياء.
  • أنّه لا يوجد فضلٌ من نوحٍ على قومه في العقل، أو قوّة الجدل، أو قضاء المصالح، والرّد على هذه الشّبهة أنّ الله -تعالى- منح نوحاً -عليه السّلام- عطايا في أمور كثيرة تجعل له فضلاً عليهم، منها أنّه لا يسعى من أجل الدّنيا، بل من أجل الدّين وإعلائه.
  • الاستمرار بالدّعوة في اللّيل والنّهار، وفي السّر والعلانية، فطبائع الناس مختلفة، فمنهم من يكون تقبّله في النّهار أكثر من اللّيل، ومنهم من يتقبّل الدعوة بالسّر، والآخر بالعلن.
  • عرض الأدلّة التي تدل على قدرة الله -تعالى- في الخلق، ومن ذلك ذكر نعم الله.
  • ذكر الأجر والثواب المترتب على فعل الطّاعات في الدّنيا والآخرة.
  • استخدام أسلوب التّأنيب والتّوبيخ بعد حوارٍ طويلٍ يتضمنّه الجدل.

خصائص نوح عليه السلام

تميّز نبيّ الله -تعالى- نوح -عليه السلام- بعدّة خصائص، منها:[7]

  • الله -تعالى- أثنى عليه ثناءً حسناً في كلّ أمّةٍ ستأتي بعده.
  • قدوةً لكلّ الأنبياء.
  • أوّل أولي العزم من الرّسل.
  • دعاؤه مجابٌ عند الله تعالى.
  • محسنٌ في عبادته وعمله، وعبداً شكوراً لله تعالى.
  • أول رسول إلى الأرض، فقد ورد في الحديث الشريف قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولَكِنِ ائْتُوا نُوحًا، فإنَّه أوَّلُ رَسولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إلى أهْلِ الأرْضِ).[8]

العبر المستفادة من قصّة نوح عليه السلام

تكرّرت قصّة نوح -عليه السلام- في القرآن الكريم في أكثر من سورة، منها: الأعراف، وهود، ويونس، والمؤمنون، والشعراء، والعنكبوت، والصافات، والقمر، وسورة نوح التي سميّت باسمه، مما يدلّ على أهمّيتها، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض الدّروس والعبر المستفادة من قصّة نوح عليه السّلام:[9][10]

  • التّحلي بالأخلاق الإسلاميّة، ومنها الصّبر على القيام بما أمرنا الله -تعالى- به، وعلى ما يواجه الإنسان من تحدّياتٍ وصعوباتٍ خلال مسيرة حياته، والصّبر على الأعداء وحين المواجهة.
  • تقديم التّوجيهات والنّصائح للنّاس، من خلال استخدام الأساليب المتنوّعة الهادفة ذات الأثر.
  • مواجهة الخصم بصدرٍ رحبٍ، وعقل كبيرٍ، وقلبٍ صافٍ ونقيٍّ.
  • التّحلي بالشّجاعة في قول الحقّ والتّعبير عن الرّأي.
  • الرّضا والقناعة بما يملك الإنسان، وعدم النّظر لما في أيدي النّاس.
  • الثّقة بما عند الله تعالى، وبأنّ النّصر لمن آمن واتّقى وصبر، والهلاك لمن كذّب وظلم وتجبّر.
  • العلم بأنّ التّقوى، والعمل الصّالح، والإيمان بالله -تعالى- هو أساس القبول، وأنّ الجاه، والمال، والشّرف، والسّلطان لا يقدّموا شيئاً ولا يؤخّروا.
  • الاستمرار في العمل الهادف، والدّعوة إلى الله تعالى، وعدم التّوقف أواليّأس، وترك النّتائج على الله تعالى.

المراجع

  1. ↑ "نوح عليه السلام"، www.knowingallah.com، 2009-12-2، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2019. بتصرّف.
  2. ↑ د.أمين الدميري (5-3-2014)، "فقه التدرج في دعوة نوح عليه السلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-3-2019. بتصرّف.
  3. ↑ سورة الأعراف، آية: 59.
  4. ↑ سورة هود، آية: 28.
  5. ↑ سورة هود، آية: 29.
  6. ↑ "نوح عليه السلام"، www.islamqa.net، 2001-3-24، اطّلع عليه بتاريخ 1-3-2019. بتصرّف.
  7. ↑ حسن زغل (2008)، شخصية نوح -عليه السلام- في القرآن الكريم، نابلس: جامعة النجاح الوطنية، صفحة 44-49. بتصرّف.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 7410، صحيح.
  9. ↑ "قصة نوح عليه السلام في القرآن"، www.islamweb.net، 2016-9-23، اطّلع عليه بتاريخ 1-3-2019. بتصرّف.
  10. ↑ "الأساليب المهمة في الدعوة إلى الله 1 "، www.islamway.com، 2018-2-13، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2019. بتصرّف.