-

عمر بن الخطاب والعدل

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

عمر بن الخطاب

لا يستطيع أيُّ مسلمٍ اطلع على التاريخ الإسلامي ألّا يتذكّر الفاروق عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين عندما يذكر العدل، فهو الذي أرسى العدل في بقاع الدولة الإسلامية، بحيث أصبح أحدوثةً للجميع، فهو من قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ".

كان الأساس في عدل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تقواه لله تعالى وعدم خوفه من أحدٍ غيره تعالى، ولهذا كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يعدل حتى ولو على أهل بيته، بل إنّه كان يضاعف العقاب على أهل بيته لمكانهم منه، وإذا نهى الناس عن شيءٍ جمع أهل بيته فنهاهم عنه نهياً أشدّ وحذرهم من العقوبة المضاعفة لهم إن أخطؤوا، وقد تجلت أروع قصص عدله -رضي الله عنه- في فترة خلافته، وفيما يلي بعض القصص التي تبين قمة عدله على نفسه وعلى أهل بيته وأصحاب الشأن، بالرغم من أنّ القصص عن عدله -رضي الله عنه- لا تنتهي.

عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص

عندما كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أمير المؤمنين كان عمرو بن العاص والياً على مصر، فأتى رجلٌ في أحد الأيام من مصر إليه يشكو إليه ابن عمرو بن العاص، إذ إنّ ذاك الرجل سابق ابن عمرو بن العاص فسبقه فقام إليه ابن عمرو وأخذ يضربه بالسوط وهو يقول له أنا ابن الأكرمين، فأمر عمر -رضي الله عنه- بعمرو بن العاص وابنه أن يأتيا، فعندما قدما إليه أمر بالمصري فأعطاه سوطاً، وقال له اضرب ابن الأكرمين، فضربه حتى أخذ حقه منه، وبعدها أعطاه السوط وأمره أن يضرب عمروَ بن العاص إلّا أنّه أبى ذلك، وحينها قال -رضي الله عنه- مقولته الشهيرة: "متى استعبدتم الناسَ وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".

عدل عمر بن الخطاب مع رعيته

في ذات يومٍ خرج عمر بن الخطاب ومعه أسلم يتفقد أحوال الرعية، فوصل إلى امرأةٍ في حرّة واقم، فرأى امرأة وأباءها يبكون على قدرٍ في الخيمة، فعندما سألها عن هذا قالت له إنّهم يبكون من الجوع، وأنّ في القدر ماءً تسكتهم به، ولم تكن تعرف أنّه أمير المؤمنين فأخذت تدعو عليه أمامه، فذهب إلى دار الدقيق وأحضر لها الطعام وأبى -رضي الله عنه- إلّا أن يحمله وهو يقول لأسلم الذي تبرع أن يحمله عن أمير المؤمنين: أنت تحمل عني وزري يوم القيام، لا أمّ لك! فعندما وصلا إلى المرأة أخذ -رضي الله عنه- يطبخ لها وهي تطعم أولادها، وبعد أن فرغ ذهب عنها وهي تدعو له ولم تعلم أنّه أمير المؤمنين، فاختبأ -رضي الله عنه- ولم ينصرف حتى رأى أولادها يضحكون وينامون.

ومن صور عدله أيضاً عندما أتى مجموعةٌ من التجار إلى المدينة فبات مع عبد الرحمن يحرسانهم من السرقة، فسمع -رضي الله- عنه بكاء طفلٍ في الليل فأتى أمّه وسألها ما باله، فقالت له إنّها تسرعه على الفطام وهو يأبى، لأن أمير المؤمنين أمر بالمال للأولاد الفطم فقط ولم يأمر للرضع، فصلى -رضي الله عنه- الفجر وهو يبكي فلم يعلم الناس قراءته من شدّة البكاء، وعندما فرغ من الصلاة قال -رضي الله عنه-: "يا بؤسا لعمر، كم قتل من أولاد المسلمين"، ثم أمر منادياً ألاّ يعجل الناس أولادهم على الفطام، حتى أمر لجميع المولودين في الإسلام.