-

واجبنا نحو رسول الله

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

رسول الله صلى الله عليه وسلم

أوجب الله -تعالى- على عباده الإيمان برسله جميعاً، وعدم التفريق بينهم، فكل أنبياء الله تعالى راشدون مهديّون، ومن الجدير بالذكر أن شرائع الانبياء جميعاً نُسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى الرغم من عدم التفريق بين الأنبياء من حيث الإيمان بنبوّتهم، إلا أنهم مُتفاضلون فيما بينهم، مصداقاً لقول الله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)،[1] وأفضل الأنبياء -عليهم السلام- أولي العزم منهم، وأفضل أولي العزم من الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وقد دل على ذلك إمامته بالأنبياء يوم الإسراء والمعراج، بالإضافة إلى ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أنا سيِّدُ ولدِ آدمَ يومَ القيامةِ، وأوَّل من ينشقُّ عنه القبرُ، وأوَّل شافعٍ وأوَّلُ مُشفَّعٍ).[2][3]

واجب المسلمين نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم

إن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الحقوق التي يجب على كل مسلم معرفتها، والعمل بها وتطبيقها قولاً وفعلاً، ويمكن إجمالها فيما يأتي:[4]

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

فقد أوجب الله -تعالى- في القرآن الكريم على كل مسلم محبة رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)،[5] وفي الحقيقة أن إيمان العبد ينتفي من قلبه إن لم يكن حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغروساً فيه، بل ينبغي أن يطغى حب النبي -عليه الصلاة والسلام- على كل حب، فقد روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليهِ من والدِه وولدِه والناسِ أجمعينَ).[6][4]

وحتى يكتمل الإيمان في قلب المسلم يجب عليه محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من حبه لنفسه، مصداقاً لما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال للنبيُّ صلى الله عليه وسلم: (يا رسولَ اللهِ، لأَنْتَ أحبُّ إليَّ مِن كلِّ شيءٍ إلا مِن نفسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، والذي نفسي بيدِه، حتى أكونَ أحبَّ إليك مِن نفسِك، فقال عمرُ:فإنه الآن، واللهِ، لأَنتَ أحبُّ إليَّ مِن نفسي، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمرُ)،[7] ومن صور محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- تقديم ما يحبه على ما يحبه العبد، بالإضافة إلى محبة أهل بيته وصحابته رضي الله عنهم، ومحبة ما بُعث به والدعوة إليه.[4]

تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره

من واجبات المسلمين نحو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعظيمه وتوقيره، حيث إن تعظيمه -عليه الصلاة والسلام- وإجلاله وتوقيره شعبة من شعب الإيمان تفوق شعبة المحبة، إذ إن التعظيم رتبة فوق المحبة، ولا يُعتبر كل حب تعظيماً، فلربما يحب الأب ابنه فيدفعه ذلك إلى إكرامه لا تعظيمه، ولكن حب الابن لأبيه يدفعه إلى تعظيمه، ولذلك فإن الله -تعالى- أمر عباده بتعظيم رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتوقيره في الكثير من آيات القرآن الكريم، حيث قال: (لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)،[8] وقال عز وجل: (فَالَّذينَ آمَنوا بِهِ وَعَزَّروهُ وَنَصَروهُ وَاتَّبَعُوا النّورَ الَّذي أُنزِلَ مَعَهُ أُولـئِكَ هُمُ المُفلِحونَ)،[9] والمقصود بالتعزير في الآيات الكريمة هو التعظيم، ويُستخلص مما سبق أن تعظيم النبي -عليه الصلاة والسلام- وتوقيره من الإيمان الواجب الذي لا يتم إيمان المسلم إلا به.[10]

وقد ورد في القرآن الكريم جملة من الآداب التي أمر الله -تعالى- المسلمين بالالتزام بها أثناء تعاملهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلت على وجوب تعظيمه وتوقيره، ومنها تحريم التقديم بين يديه بالكلام حتى يأذن، مصداقاً لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ)،[11] والمقصود عدم تقديم قول أو فعل بين يدي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتابعته -عليه السلام- في جميع الأمور، وقد ضرب الصحابة -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة في التأدّب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعد نزول الآية الكريمة، لم يعد أحد منهم يقدم رأيه إلا إذا طلب منه -النبي عليه الصلاة والسلام- ذلك، ولا أحد يحكم أو يقضي بأمر إلا بعد أن يرجع به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.[10]

ومن صور تعظيم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحريم رفع الأصوات فوق صوته، أو الجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل، مصداقاً لقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)،[12] وقيل أن الآية الكريمة نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وذلك بعد أن اختلفا في أمر وهما عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتفعت أصواتهما، فنزلت الآية، فقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: (فما كان عمر رضي الله عنه يُسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد هذه الآية حتى يستفهمه)، ولا يقتصر التأدب بعدم رفع الصوت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته فقط، بل بعد موته أيضاً، فقد أكد العلماء على كراهة رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم، لأنه يُحترم حياً، ويُحترم في قبره أيضاً.[10]

الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

من واجبات المسلمين نحو النبي عليه الصلاة والسلام، أن يُصلّوا عليه كما أمرهم الله -تعالى- في القرآن الكريم، حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،[13] فالله -تعالى- يُبيّن في الآية الكريمة أنه يُثني على رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الملأ الأعلى، وأن الملائكة عليهم السلام يُصلّون عليه، ويأمر الله -تعالى- عباده بالصلاة عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل السماء والأرض، ومن الجدير بالذكر أن التشريف الذي شرّف الله -تعالى- به نبيه -عليه الصلاة والسلام- في الآية الكريمة أتمّ من التشريف الذي شرف به آدم -عليه السلام- عندما أمر الملائكة بالسجود له.[14]

المراجع

  1. ↑ سورة البقرة، آية: 253.
  2. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2278، صحيح.
  3. ↑ "أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق"، 28-2-2001، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 14-1-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت طه أحمد (20-12-2015)، "واجب الأمة تجاه النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-1-2019. بتصرّف.
  5. ↑ سورة التوبة، آية: 24.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 15، صحيح.
  7. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن هشام، الصفحة أو الرقم: 6632، صحيح.
  8. ↑ سورة الفتح، آية: 9.
  9. ↑ سورة الأعراف، آية: 157.
  10. ^ أ ب ت " المسألة الثانية: وجوب توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم والأدلة على ذلك"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-1-2019. بتصرّف.
  11. ↑ سورة الحجرات، آية: 1.
  12. ↑ سورة الحجرات، آية: 2.
  13. ↑ سورة الأحزاب، آية: 56.
  14. ↑ "واجب الأمة نحو نبيها صلى الله عليه وسلم"، 17-4-2014، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-1-2019. بتصرّف.