-

أشعار محمود درويش عن الوطن

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

قصيدة رد الفعل

وطني ! يعلمني حديدُ سلاسلي

عنف النسور، ورقة المتفائلِ

ما كنت أعرف أن تحت جلودنا

ميلادَ عاصفةٍ ... وعرس جداولِ

سَدُّوا عليَّ النور في زنزانةٍ

فتوهَّجتْ في القلب ... شمسُ مشاعلِ

كتبوا على الجدار.. مرج سنابلِ

رسموا على الجدار صورَ قاتلي

فمحتْ ملامحَها ظلالُ جدائلِ

وحفرتُ بالأسنان رسمك دامياً

وكتبتُ أُغنية العذاب الراحلِ

أغمدت في لحم الظلام هزيمتي

وغرزت في شعر الشموس أناملي

و الفاتحون على سطوح منازلي

لم يفتحوا إلاّ وعود زلازلي!

لن يبصروا إلاّ توهُّج جبهتي

لن يسمعوا إلاّ صرير سلاسلي

فإذا احترقت على صليب عبادتي

أصبحت قديساً.. بِزَيّ مُقاتلِ[1]

قصيدة وطن

علّقوني على جدائل نخلة

و اشنقوني.. فلن أخون النخله!

هذه الأرض لي.. و كنت قديما

أحلب النوق راضيا و موله

و طني ليس حزمة من حكايا

ليس ذكرى، و ليس حقل أهلّه

ليس ضوءا على سوالف فلّة

وطني غضبة الغريب على الحزن

وطفل يريد عيدا و قبلة

و رياح ضاقت بحجرة سجن

و عجوز يبكي بنيه.. و حقله

هذه الأرض جلد عظمي

و قلبي ..

فوق أعشابها يطير كنخلة

علقوني على جدائل نخلة

و اشنقوني فلن أخون النخلة![2]

جبين وغضب

وطني ! يا أيها النسرُ الذي يغمد منقار اللهبْ

في عيوني

أين تاريخ العرب؟

كل ما أملكه في حضرة الموت:

جبين وغضب.

و أنا أوصيت أن يزرع قلبي شجرةْ

و جبيني منزلاً للقُبَّرهْ.

و طني، إنا ولدنا و كبرنا بجراحك

و أكلنا شجر البلّوط ..

كي نشهد ميلاد صباحك

أيها النسر الذي يرسف في الأغلال من دون سببْ

أيها الموت الخرافيُّ الذي كان يحب

لم يزل منقارك الأحمر في عينيَّ

سيفاً من لهب ..

و أنا لست جديراً بجناحك

كل ما أملكه في حضرة الموت:

جبين ... وغضب ![3]

الجرح القديم

واقف تحت الشبابيك،

على الشارع واقف

درجات السلّم المهجور لا تعرف خطوي

لا ولا الشبّاك عارف

من يد النخلة أصطاد سحابه

عندما تسقط في حلقي ذبابه

و على أنقاض إنسانيتي

تعبر الشمس وأقدام العواصف

واقف تحت الشبابيك العتيقه

من يدي يهرب دوريّ و أزهار حديقه

اسأليني: كم من العمر مضى حتى تلاقى

كلّ هذا اللون والموت، تلاقى بدقيقه؟

و أنا أجتاز سردابا من النسيان،

و الفلفل، و الصوت النحاسي

من يدي يهرب دوريّ ..

و في عيني ينوب الصمت عن قول الحقيقه!

عندما تنفجر الريح بجادي

وتكفّ الشمس عن طهو النعاس

وأسمّي كل شيء باسمه،

عندها أبتاع مفتاحا و شباكا جديدا

بأناشيد الحماس!

_أيّها القلب الذي يحرم من شمس النهار

ومن الأزهار و العيد، كفانا!

علمونا أن نصون الحب بالكره!

وأن نكسو ندى الورد .. غبار!

_أيّها الصوت الذي رفرف في لحمي

عصافير لهب،

علّمونا أن نغني و نحب

كلّ ما يطلعه الحقل من العشب،

من النمل، وما يتركه الصيف على أطلال دار.

علّمونا أن نغني، ونداري

حبّنا الوحشيّ، كي لا

يصبح الترنيم بالحب مملا!

عندما تنفجر الريح بجلدي

سأسمي كل شيء باسمه

و أدق الحزن و الليل بقيدي

يا شبابيكي القديمه ..[4]

وعاد في كفن

يحكون في بلادنا

يحكون في شجن

عن صاحبي الذي مضى

و عاد في كفن

كان اسمه ..

لا تذكروا اسمه!

خلوه في قلوبنا ..

لا تدعوا الكلمة

تضيع في الهواء، كالرماد ..

خلوه جرحا راعفا .. لا يعرف الضماد

طريقه إليه ..

أخاف يا أحبتي .. أخاف يا أيتام ..

أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء

أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء!

أخاف أن تنام في قلوبنا

جراحنا ..

أخاف أن تنام !

العمر .. عمر برعم لا يذكر المطر ..

لم يبك تحت شرفة القمر

لم يوقف الساعات بالسهر ..

و ما تداعت عند حائط يداه ..

و لم تسافر خلف خيط شهوة .. عيناه!

ولم يقبل حلوة ..

لم يعرف الغزل

غير أغاني مطرب ضيعه الأمل

ولم يقل : لحلوة الله !

إلا مرتين

لم تلتفت إليه .. ما أعطته إلا طرف عين

كان الفتى صغيرا ..

فغاب عن طريقها

ولم يفكر بالهوى كثيرا ..

يحكون في بلادنا

يحكون في شجن

عن صاحبي الذي مضى

وعاد في كفن

ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب

لأمه: الوداع!

ما قال للأحباب .. للأصحاب:

موعدنا غدا!

ولم يضع رسالة .. كعادة المسافرين

تقول إني عائد .. و تسكت الظنون

ولم يخط كلمة ..

تضيء ليل أمه التي ..

تخاطب السماء و الأشياء،

تقول: يا وسادة السرير!

يا حقيبة الثياب!

يا ليل! يا نجوم! يا إله! يا سحاب!:

أما رأيتم شاردا .. عيناه نجمتان؟

يداه سلتان من ريحان

وصدره وسادة النجوم والقمر

وشعره أرجوحة للريح والزهر!

أما رأيتم شاردا

مسافرا لا يحسن السفر!

راح بلا زوادة ، من يطعم الفتى

إن جاع في طريقه؟

من يرحم الغريب؟

قلبي عليه من غوائل الدروب!

قلبي عليك يا فتى .. يا ولداه!

قولوا لها، يا ليل! يا نجوم!

يا دروب! يا سحاب!

قولوا لها: لن تحملي الجواب

فالجرح فوق الدمع .. فوق الحزن والعذاب!

لن تحملي .. لن تصبري كثيرا

لأنه ..

لأنه مات، و لم يزل صغيرا!

يا أمه!

لا تقلعي الدموع من جذورها!

للدمع يا والدتي جذور،

تخاطب المساء كل يوم ..

تقول: يا قافلة المساء!

من أين تعبرين؟

غضت دروب الموت .. حين سدها المسافرون

سدت دروب الحزن .. لو وقفت لحظتين

لحظتين!

لتمسحي الجبين و العينين

و تحملي من دمعنا تذكار

لمن قضوا من قبلنا .. أحبابنا المهاجرين

يا أمه !

لا تقلعي الدموع من جذورها

خلي ببئر القلب دمعتين!

فقد يموت في غد أبوه .. أو أخوه

أو صديقه أنا

خلي لنا ..

للميتين في غد لو دمعتين .. دمعتين!

يحكون في بلادنا عن صاحبي الكثيرا

حرائق الرصاص في وجناته

وصدره .. ووجهه ..

لا تشرحوا الأمور!

أنا رأيت جرحه

حدقّت في أبعاده كثيرا ..

قلبي على أطفالنا

وكل أم تحضن السريرا!

يا أصدقاء الراحل البعيد

لا تسألوا: متى يعود

لا تسألوا كثيرا

بل اسألوا : متى يستيقظ الرجال[5]

العصافير تموت في الجليل

نلتقي بعد قليل

بعد عام

بعد عامين

وجيل ..

ورمت في آلة التصوير

عشرون حديقة

و عصافير الجليل

و مضت تبحث خلف البحر،

عن معنى جديد للحقيقة

_وطني حبل غسيل

لمناديل الدم المسفوك

في كل دقيقة وتمددت على الشاطئ

رملا .. ونخيل.

هيّ لا تعرف

يا ريتا! وهبناك أنا و الموت

سرّ الفرح الذابل في باب الجمارك

وتجدّدنا، أنا والموت،

في جبهتك الأولى

وفي شبّاك دارك

وأنا والموت وجهان

لماذا تهربين الآن من وجهي

لماذا تهربين؟

ولماذا تهربين الآن تماما

يجعل القمح رموش الأرض، مما

يجعل البركان وجها آخرا للياسمين؟

ولماذا تهربين؟

كان لا يتعبني في الليل إلّا صمتها

حين يمتدّ أمام الباب

كالشارع .. كالحيّ القديم

ليكن ما شئت يا ريتا

يكون الصمت فأسا

أو براويز نجوم

أو مناخا لمخاض الشجرة ..

إنني أرتشف القبلة

من حدّ السكاكين،

تعالي ننتمي للمجزره!..

سقطت كالورق الزائد

أسراب العصافير

بآبار الزمن ..

وأنا أنتشل الأجنحة الزرقاء

يا ريتا،

أنا شاهدة القبر الذي يكبر

يا ريتا

أنا من تحفر الأغلال

في جلدي

شكلا للوطن ..[6]

المراجع

  1. ↑ " أغنيات إلى الوطن"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-2-2019. بتصرّف.
  2. ↑ "وطن"، adab، اطّلع عليه بتاريخ 3-2-2019. بتصرّف.
  3. ↑ "جبين و غضب"، adab، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019.
  4. ↑ محمود درويش، كتاب قصائد للشاعر محمود درويش، صفحة 4.
  5. ↑ "وعاد ... في كفن"، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019.
  6. ↑ "العصافير تموت في الجليل"، adab، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019.