-

شعر مدح صديق

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الصداقة

تُعدّ الصّداقة من أسمى، وأنبل العلاقات، وأرقاها، خصوصاً إذا كانت مبنيّةً على أساسٍ من المحبّة، والمودّة، والإخلاص، والتّفاني، وإيثار كلّ صديقٍ لصديقه على نفسه؛ فالصّداقة هي أجمل ما يميّز العلاقات الإنسانية بين البشر، وأجمل الصّداقات هي تلك التي تبقى عالقةً مدى العمر، ومهما طالت السّنين، فمثلاً علاقة الطلّاب على مقاعد الدّراسة تبقى عالقةً في القلب، والعقل، وكلّ جوارح الإنسان؛ لأنّها دائماً تشعل الحنين في قلوب الأصدقاء لماضٍ ذهب بعيداً، وأخذ معه أحلى الذّكريات العذبة التي كانت أيّام الطّفولة البريئة، وفترة الشّباب الحالمة المليئة بالمرح والضّحك، وتُتوّج هذه الصّداقة بأن يجد الصّديق صديقه في مواقف الضّيق؛ ليكون سنداً له في أيّام الشدّة، وهذا هو المعنى الحقيقيّ للصّداقة.

ليس الصديق الذي تعلو مناسبه

محمود سامي بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري، هو شاعر مصري ولد وتوفي عام (1255 هـ / 6 أكتوبر 1839 - 1322 هـ / 12 ديسمبر 1904)، وهو أحد زعماء الثورة العرابية، وهذه إحدى القصائد التي يتحدث فيها عن الصديق:[١]

ليس الصَّدِيقُ الذي تَعلُو مناسبهُ

إنْ رَابَكَ الدَّهْرُ لَمْ تَفْشَلْ عَزَائِمُهُ

يرعَاكَ في حالتي بُعد ومقربةٍ

لا كالذي يَدَّعي وُدّاً وباطنُهُ

يذمُّ فِعْلَ أخيهِ مظهِراً أسفاً

وذاك منهُ عداءٌ في مجاملةٍ

هي فرقة من صاحب لك ماجد

قصيدة الشاعر أَبو تَمّام 188 - 231 هـ / 803 - 845 محبيب بن أوس بن الحارث الطائي، كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطع، في شعره قوة وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، وهذه قصيدة له في صديقه:[٢]

هي فُرقَةٌ من صَاحبٍ لكَ ماجِد

فافْزَعْ إلى ذخْر الشُّؤونِ وغَرْبِه

وإذا فَقَدْتَ أخاً ولَمْ تَفْقِدْ لَهُ

أعليَّ يا بنَ الجهمْ إنكَ دفتَ لي

لاتَبْعَدَنْ أَبَداً ولا تَبْعُدْ فما

إنْ يكدِ مطرفُ الإخاءَ فإننا

أوْ يختلفْ ماءُ الوصالِ فماؤنا

أو يفْتَرقْ نَسَبٌ يُؤَلف بَيْننا

لو كنتَ طرفاً كنتَ غيرَ مدافعٍ

أوْ قدمتكَ السنَّ خلتُ بأنهُ

أو كنتُ يَوْماً بالنُّجوم مُصَدقاً

صعبٌ فإنْ سومحتَ كنتَ مسامحاً

ألبستَ فوقَ بياضِ مجدكَ نعمة ً

وَمَوَدَّة ً لا زَهَّدَتْ في رَاغبٍ

غَنَّاءُ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ أنْ يَغْتَدي

ما أدَّعي لكَ جانباً من سُؤْدُدٍ

لا يحسب الجود من ربّ النخيل جداً

أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري، شاعر وفيلسوف ولغوي وأديب عربي من عصر الدولة العباسية، ولد وتوفي (363 هـ - 449 هـ) (973 -1057م) في معرة النعمان في الشمال السوري وإليها يُنسب، لُقب بـرهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت، وذلك لأنّه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتّى وفاته، وقال في الصديق:[٣]

لا يحسب الجود من ربّ النخيل جَداً

ما أغدرَ الإنس كم خَشْفٍ تربَّبَهُم

هذي الحياةُ أجاءتنا بمعرفةٍ

لو لم تُحِسّ لكان الجسمُ مُطّرحاً

فاهجرْ صديقك إن خِفْتَ الفساد به

والكفُّ تُقطعُ إن خيفَ الهلاكُ بها

طُرْقُ النفوس إلى الأخرى مضلَّلة

ترجو انفساحاً وكم للماءِ من جهةٍ

أمَا رأيتَ صروفَ الدهرِ غاديةً

وكلُّ حيٍّ إذا كانتْ لهُ أُذُنٌ

عجبتُ للرّوم، لم يَهدِ الزمانُ لها

إن تجعَلِ اللّجّةَ الخضراء واقية

ألا إنما الإخوان عند الحقائق

إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، أبو إسحاق، ولد في عين التمر سنة 130هـ/747م، ثمّ انتقل إلى الكوفة، كان بائعاً للجرار، مال إلى العلم والأدب ونظم الشعر حتّى نبغ فيه، توفي أبو العتاهية في بغداد، اختلف في سنة وفاته فقيل سنة (213هـ، 826م)، وقال في هذه القصيدة عن الصديق الحقيقي:[٤]

ألا إنّما الإخْوانُ عِنْدَ الحَقائِقِ

لَعَمْرُكَ ما شيءٌ مِنَ العَيشِ كلّهِ

وكلُّ صديقٍ ليسَ في اللهِ ودُّهُ

أُحِبُّ أخاً في اللّهِ ما صَحّ دينُهُ

وَأرْغَبُ عَمّا فيهِ ذُلُّ دَنِيّة ٍ

صَفيَّ منَ الإخوانِ كُلُّ مُوافِقٍ

واستبق ودك للصديق ولا تكن

زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، أبو أمامة، النابغة لقب بهذا اللقب لأنّه نبغ في الشعر أي أبدع في الشعر دفعة واحدة، واختلف النقاد في تعليله وتفسيره، وهنا نتناول إحدى قصائده عن الصداقة التي صنفها على أنّها قصيدة عامة ونوعها عمودية من بحر الكامل:[٥]

واستبقِ ودَّكَ للصديقِ ولا تكُن

فَالرُفقُ يُمنٌ وَالأَناةُ سَعادَةٌ

وَاليَأسُ مِمّا فاتَ يُعقِبُ راحَةً

يَعِدُ اِبنَ جَفنَةَ وَاِبنَ هاتِكِ عَرشِهِ

وَلَقَد رَأى أَنَّ الَّذي هُوَ غالَهُم

وَالتُبَّعَينِ وَذا نُؤاسٍ غُدوَةً

إلى الصديق

قصيدة الشاعر إيليا أبو ماضي (1889 - 23 نوفمبر 1957) وهو شاعر عربي لبناني يُعدّ من أهم شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين، نشأ في عائلة بسيطة الحال لذلك لم يستطع أن يدرس في قريته له عدّة دواوين، أهمها: تذكار الماضي، وتبر وتراب، والجداول، والخمائل، وديوان إيليا أبو ماضي، وهذه من أهم القصائد المشهورة له عن الصديق:[٦]

ما عزّ من لم يصحب الخذما

وارحم صباك الغضّ إنّهم

كم ذا تناديهم وقد هجعوا

ما قام في آذانهم صمم

القوم حاجتهم إلى همم

تاللّه لو كنت ابن ساعدة

وبذذت ((جالينوس))حكمته

وسبقت كولمبوس مكتشفا

فسلبت هذا البحر لؤلؤه

وكشفت أسرار الوجود لهم

ما كنت فيهم غير متّهم

هانوا على الدّنيا فلا نعما

فكأنّما في غيرها خلقوا

أو ما تراهم، كلّما انتسبوا

ليسوا ذوي خطر وقد زعموا

متخاذلين على جهالتهم

فالبحر يعظم وهو مجتمع

والسّور ما ينفكّ ممتنعا

والشّعب ليس بناهض أبدا

يا للأديبِ وما يكابده

إن باح لم تسلم كرامته

يبكي فتضحك منه لاهية

جاءت وما شعر الوجود بها

ضعفت فلا عجب إذا اهتضمت

فلقد رأيت الكون سنّته

لا يرحم المقدام ذا خور

يا صاحبي وهواك يجذبني

ما ضرّنا والودّ ملتئم

النّاس تقرأ ما تسطّره حبرا

فاستبق نفسا غير مرجعها

ما أنت مبدلهم خلائقهم

زارتك لم تهتك معانيها

سبقت يدي فيها هواجسهم

فإذا تقاس إلى روائعهم

كالرّاح لم أر قبل سامعها

يخد القفار بها أخو لجب

أقبسته شوقي فأضلعه

إنّ الكواكب في منازلها

هو الدهر لا يشوي وهن المصائب

قال الشاعر أبو تمام أيضاً في الصديق:[٧]

هو الدهر لا يُشوي وهُنَّ المصائِبُ

فيا غالباً لا غالِبٌ لِرَزِية

وقلتُ أخي قالوا أخٌ ذو قرابة ٍ

نسيبي في عزمٍ ورأي ومذهبٍ

كأَنْ لَمْ يَقُلْ يَوْماً كأَنَّ فَتَنْثَنِي

ولم يصدعِ النادي بلفظة ِ فيصلٍ

ولَمْ أَتَسقَّطْ رَيْبَ دَهْرِي بِرَأيِهِ

مضى صاحبي واستخلفَ البثَّ والأسى

وكُنْتُ امرءاً أبكي دَماً وهْوَ غائِبُ

عدوك من صديقك مستفاد

أبو الحسن علي بن العباس بن جريج، وقيل جورجيس، المعروف بابن الرومي شاعر من شعراء القرن الثالث الهجري في العصر العباسي، ولد في العقيقة في بغداد (2 رجب 221هـ - 283هـ) وتوفي مسموماً ودفن ببغداد عام (283هـ - 896م)، وقال في الصداقة:[٨]

عدوك من صديقك مستفاد

فإن الداءَ أكثر ما تراهُ

إذا انقلب الصديق غدا عدواً

ولو كان الكثيرُ يَطيبُ كانتْ

وما اللُّجَجُ المِلاحُ بمُروياتٍ

جفا وده فازور أو مل صاحبه

بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي (96 هـ-168هـ)، أبو معاذ، شاعر مطبوع، إمام الشعراء المولدين، ومن المخضرمين حيث عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية، توفي بشار سنة 167هـ إثر اتهامه بالزندقة، وهنا وقفات موجزة يسيرة مع حروف بشار التي يكشف من خلالها عن ثقافة الصداقة وتجربته فيها:[٩]

جفا ودهُ فازور أو مل صاحبهُ

خَلِيليَّ لاَ تسْتنْكِرا لَوْعَة َ الْهوى

شفى النفس ما يلقى بعبدة عينهُ

فأقْصرَ عِرْزَامُ الْفُؤاد وإِنَّما

إِذَا كان ذَوَّاقاً أخُوكَ منَ الْهَوَى

فَخَلّ لَهُ وَجْهَ الْفِرَاق وَلاَ تَكُنْ

أخوك الذي إن ربتهُ قال إنما

إذا كنت في كل الأمور معاتباً

فعش واحدا أو صل أخاك فإنه

إِذَا أنْتَ لَمْ تشْربْ مِراراً علَى الْقذى

وليْلٍ دَجُوجِيٍّ تنامُ بناتُهُ

حميتُ به عيني وعين مطيتي

ومَاءٍ تَرَى ريشَ الْغَطَاط بجَوِّه

قَريبٍ منْ التَّغْرير نَاءٍ عَن الْقُرَى

حليف السرى لا يلتوي بمفازة

أمَقُّ غُرَيْريٌّ كأنَّ قُتُودَهُ

غيور على أصحابه لا يرومهُ

إِذَا مَا رَعَى سَنَّيْن حَاوَلَ مسْحَلاً

أقب نفى أبناءه عن بناته

رَعَى وَرَعيْنَ الرَّطْبَ تسْعينَ لَيْلَة ً

فلما تولى الحر واعتصر الثرى

وَطَارَتْ عَصَافيرُ الشَّقائق وَاكْتَسَى

وصد عن الشول القريع وأقفرت

وَلاَذَ الْمَهَا بالظِلِّ وَاسْتَوْفَضَ السَّفَا

غَدَتْ عَانَة ٌ تَشْكُو بأبْصَارهَا الصَّدَى

وظلَّ علَى علياءَ يَقْسِمُ أمْرهُ

فلمَّا بدا وجْهُ الزِّمَاعِ وَرَاعَهُ

فَبَاتَ وقدْ أخْفى الظَّلاَمُ شُخُوصَها

إذا رقصت في مهمه الليل ضمها

إلى أن أصابت في الغطاط شريعة ً

بها صَخَبُ الْمُسْتوْفِضات علَى الْولَى

فأقبلها عرض السري وعينهُ

أخُو صيغة ٍ زُرْقٍ وصفْراءَ سمْحة

إذا رزمت أنَّت وأنَّ لها الصدى

كأن الغنى آلى يميناً غليظة ً

يؤول إلى أم ابنتين يؤودهُ

فلما تدلى في السري وغره

رمى فأمر السهم يمسح بطنه

ووافق أحجاراً ردعن نضيهُ

يخاف المنايا إن ترحلت صاحبي

فقُلْتُ لهُ: إِنَّ العِراق مُقامُهُ

لعلَّك تسْدْني بسيْرك في الدُّجى

من الْحيِّ قيْسٍ قيْسِ عيْلاَن إِنَّهُمْ

إذا المجحد المحروم ضمت حبالهُ

ويومٍ عبوريٍّ طغا أو طغا به

رفعت به رحلي على متخطرفٍ

وأغبر رقَّاص الشخوص مضلة ً

لألقى بني عيلان إن فعالهم

المراجع

  1. ↑ محمود سامي البارودي، "ليس الصديق الذي تعلو مناسبه"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-31.
  2. ↑ أبو تمام، "هي فرقة من صاحب لك ماجد"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-31.
  3. ↑ أبو العلاء المعري، "لا يحسب الجود من رب النخيل جداً"، www.poetsgate.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-30.
  4. ↑ أبو العتاهية، "ألا إنما الإخوان عند الحقائق"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-31.
  5. ↑ النابغة الذبياني، "واستبق ودك للصديق ولا تكن"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-31.
  6. ↑ إيليا أبو ماضي، "الى الصديق"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-30.
  7. ↑ أبو تمام، "هو الدهر لا يمشي وهن المصائب"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-31.
  8. ↑ ابن الرومي، "عدوك من صديقك مستفاد"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-31.
  9. ↑ بشار بن برد، "جفا وده فازور أو مل صاحبه"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-31.