-

دعاء نزول المطر

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

حقيقة الدُّعاء

الدعاء لغةً: هو التوجُّه والطّلب، والدُّعاء اصطلاحاً: هو توجُّه المؤمن إلى ربِّه سبحانه وتعالى بتواضعٍ، وخشوعٍ، وإظهارٍ للحاجة، راجياً من الله تحقيق حاجاته وأمنياته ومُتَطَلّباتِه؛ فالدعاء حقيقةً: هو طلبُ العونِ من مالك العون ومليكه الذي بيده كلّ شيءٍ، وإظهار الحاجة والتذلُّل له سبحانه بأن يمنحَ الإنسان ويعطيه من أنواع نِعَمه العظيمة الجزيلة التي يمنحها لمن شاء، وبيده أن يُنعِمُ بها على خَلقِهِ جميعهم من أصناف الخيرِ كلّها.[١]

وقد وجَّه الله سبحانه وتعالى الرّسول الكريم -صلّى الله عليه وسلّم- والمؤمنين للدعاء؛ فالله سُبحانه وتعالى قريبٌ من المؤمنين، بسمعه، وبصره، وعِلمه، وإحاطته بكلّ كبيرةٍ وصغيرةٍ، وما يحتاجهُ عبادهُ جميعاً من أصنافِ الخير كلِّها: كثيرها، وقليلها، فقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).[٢]

دعاء نزول المطر

المطر فضل نعمة وبركة ومِنَّة من الله على الكائنات جميعها؛ فالماء هو الحياة، وهو سقاية للإنسان والحيوان والأرض، ينتظره النّاس، ويستشعرون الخير بنزوله، ويلجؤون إلى الله تبارك وتعالى أن يمُنَّ عليهم بالخيرات، ويكون ذلك بدعائهم بعض الأدعية عند المطر، ومن الأدعية التي يُسَنّ أن يدعوَها المُسلِم عند نزول المطر: (اللّهُمّ صيِّباً هنيئاً)؛ حيث تروي السيّدة عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أنَّ النّبيَّ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ- كان إذا رأى ناشِئاً في أفُقِ السَّماءِ، تركَ العَملَ وإنْ كانَ في صَلاةٍ، ثمّ يقولُ: اللّهُمّ إنّي أعوذُ بكَ مِن شَرِّها، فإنْ مُطِرَ قال: اللّهُمَّ صيِّباً هَنيئاً).[٣]

الدُّعاء عند رؤية الغيوم والسَّحاب

ومِن الأدعية عند نزول المطر أو رؤية الغيوم والسَّحاب، والاستِبشار بنزول المطر: (اللّهُمَّ صيِّباً نافِعاً)؛ فهو دعاء بالخير النّافع الذي يُصيب الأرض فيُثمِر خيراً، ولعلّ دعوةً صادقةً من المؤمن تدفع ضرراً عن المسلمين من ذلك المطر، وتجلب لهم به خيراً، هذا فضلاً عن أجر التمسُّك بهذه السنَّة، وقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه: (كانَ إذا رأى سحاباً مُقبِلًا من أفُقٍ منَ الآفاقِ، ترَكَ ما هوَ فيهِ وإن كانَ في صلاتِهِ، حتَّى يستقبلَهُ، فيقولُ: اللَّهمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ من شرِّ ما أُرْسِلَ بهِ، فإن أمطرَ قالَ: اللَّهمَّ صيِِّباً نافعاً مرَّتَينِ، أو ثلاثًا، فإن كشفَهُ اللَّهُ ولم يمطِرْ، حمدَ اللَّهَ على ذلِكَ).[٤]

الدُّعاء في حال اشتدّ المطر

أمّا الدعاء في حال اشتدّ المطر وخاف النّاس ضرَرَه، فمن السُّنّة أن يدعوَ المُسلِم فيقول مثل قول الرّسول -صلّى الله عليه وسلم- حيث كان يدعو بهذا الدُّعاء إذا اشتدّ المطر، فيقول: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، ولَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ علَى الآكَامِ والجِبَالِ والآجَامِ والظِّرَابِ والأوْدِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ).[٥]

الدُّعاء عند سماع الرَّعد

كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو بدعاء عند سماع صوت الرعد، فقد رُوِي:(أنَّه كان إذا سمِعَ الرَّعدَ تَرَكَ الحديثَ، وقالَ: سُبحانَ الَّذي {يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}[٦] ثُمَّ يقولُ: إنَّ هذا لوعيدٌ شديدٌ لأهلِ الأرضِ).[٧] وفيما يخصّ رُؤية البرق فلم يثبُت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أيّة أدعيةٍ قالها عند رؤيته، بينما الأدعية التي ثبتت فيما يتعلّق بالمطر ومُقدِّماته وتوابعه فإنّها تتعلّق بنزول المطر قبله وبعده، وفي حال اشتداد المطر، وعند سماع صوت الرّعد.[٨]

السُّنن المُتَّبَعة عند نزول المطر

من السنّة عند نزول المطر أن يتعرّض المسلم للمطر أوّلَ نزوله، فقد كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يفعل ذلك، فإذا نزل المطر تعرّض له، وكشَفَ ثوبَه عن مَنكبَيْه؛ لأنّ المطر حديث عهدٍ بالله، فجاء في الحديث النبويّ الشّريف: (أصابَنَا ونحنُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مطرٌ. قال: فحَسَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثوبَه، حتّى أصابَهُ من المطرِ. فقُلْنا: يا رسولَ اللهِ! لِمَ صنَعْتَ هذا؟ قال: لأنّه حديثُ عهدٍ بربِّه تعالى)،[٩] ومن السنَّة الدُّعاء بالخير عند نزول المطر، ولجوء العبد إلى ربّه تبارك وتعالى بالدُّعاء، والإلحاح عليه فيه.[١٠]

الدُّعاء هِبة الله

الدُّعاء هِبةٌ من الله سبحانه وتعالى، فإذا أطلق الله لسان عبده بالدعاء فتلك علامة محبّة الله لذلك الإنسان، وحُسْن توفيقٍ منه سبحانه وتعالى؛ ففي الدعاء يتعلّقُ قلب العبد المُؤمن بالله الذي آمن به حقّاً وصِدقاً، وبالدُّعاء تتوثَّق صِلة العبد المؤمِن بخالقهِ تباركَ وتعالى الذي وفَّقه لدُعائه، وطلبه، ومُناجاته سبحانه وتعالى؛ لأنّ المُسلمَ عندما يناجي ربَّه ويرفعُ يديه راجياً رحمته يُوقِن يقيناً تامّاً أن لا حاجزَ بينه وبين الله، ولا وسائط، بل الحبلُ وثيقُ الصّلةِ بالله الخالق عزّ وجلّ؛[١١] فالخالقُ العظيم مُبدعُ الكون الذي بيده الخير كلُّه، ولا يُعجِزُهُ شيءٌ في الأرضِ ولا في السّماء، فيمنحُ ويهب ويرزق ويعطي ما يشاءُ من خيرٍ لمن يشاءُ من عباده وخَلقه، ويشملهُ بشمائله ويُنعِم عليه بواسع نعمائهِ ورحماتهِ، والدعاء محبوبٌ عند الله سبحانه، وسبب للاطمئنان وانشراح الصدور.[١٢]

الله تبارك وتعالى هو الخالق الرازق المُنعِم، مُدبِّر شؤون الكائنات جميعاً بحِكمته وقُدرَته وعَظَمته، وهو الذي يملك النّفعَ كُلَّه والضُّرَّ كُلَّه، فلا نافع حقيقةً إلّا بإذن الله، ولا ضارّ إلا بإذنه سبحانه؛ ولذلك كان الدعاء عبادةً،[١٣] وبالدعاء يتأسّى المسلم برسل الله وأنبيائه الكرام، ويتضرّع إلى الله سبحانه ويلجأ إليه في كل الأحوال، ويوثّق الصلة بينه وبين خالقه عز وجل، فالله هو القريب، وهو المجيب سبحانه.[١١]

المراجع

  1. ↑ أزهري أحمد محمود، طريقك إلى الدعاء المستجاب، دار ابن خزيمة، صفحة: 5. بتصرف.
  2. ↑ سورة البقرة، آية: 186.
  3. ↑ رواه ابن حجر العسقلانيّ، في الفتوحات الربانيّة، عن عائشة امّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4/273، صحيح.
  4. ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 6/602، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.
  5. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 101، صحيح.
  6. ↑ سورة الرّعد، آية: 13.
  7. ↑ رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، الصفحة أو الرقم: 556، صحيح.
  8. ↑ محمد المنجد (25-3-2013)، "هل يستحب الدعاء عند نزول المطر ؟ وماذا يقال عند نزوله وعند سماع الرعد ؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ الجمعة 4 جمادى الآخر 1438 - 3 مارس 2017.
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 898، صحيح.
  10. ↑ راغب السرجاني (2015-2-6)، "سُنَّة التعرُّض للمطر"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-3-2017. بتصرّف.
  11. ^ أ ب أحمد عبد الجواد، الدعاء المستجاب في الحديث والكتاب، جدة: مؤسسة عبد الفتاح المدني، صفحة: 5. بتصرّف.
  12. ↑ أزهري أحمد محمود، طريقك إلى الدعاء المستجاب، دار ابن خزيمة، صفحة: 8.
  13. ↑ سليمان بن أحمد الطبراني تحقيق محمد سعيد البخاري (1407هـ-1987)، الدعاء (الطبعة الأولى)، بيروت: دار البشائر، صفحة: 756-787، جزء 1.