أسباب نزول سورة البروج
سورة البروج
سورة البروج من السور التي نزلت في مكة المكرمة، وتعدّ من السور ذات الآيات المفصّلة، وتتكوّن من اثنتين وعشرين آية، وتحتلّ المرتبة الخامسة والثمانين في الترتيب، في الجزء الثلاثين من المصحف، في الربع الرابع منه، في الحزب التاسع والخمسين، وكان نزولها بعد نزول سورة الشمس، وبدأت سورة البروج بأسلوب القسم، وبيّنت الأحداث التي حصلت مع أصحاب الأخدود وما بذوله من تضحية بالنفوس من أجل العقيدة والإيمان، وبيّنت السورة كذلك أصول العقيدة الإسلامية.[1]
أسباب نزول سورة البروج
إنّ الثبات على دين الإسلام من المطالب التي يسعى لتحقيقها المؤمن الحقيقي، ومن الوسائل المعينة على ذلك تدبّر وتأمل نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن القصص الواردة في آيات القرآن قصة أصحاب الأخدود التي نزلت فيها آيات من سورة البروج، حيث قال الله تعالى: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ*النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ*إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ*وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ*وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ*الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّـهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)،[2] فسورة البروج بيّنت أصول العقيدة، وقواعد الإيمان، وتتمثّل قصة أصحاب الأخدود بالفئة السابقة إلى الإسلام، وهم النصارى الموحّدون، حيث ابتلاهم الله تعالى بالطغاة الظالمين المعادين، وسعوا في أن يترك الموحدون دينهم، ويرتدوا عنه، إلا أنّ الموحدين ثبتوا على دينهم وتمسّكوا به، فحفر الطغاة الجبارون حفرة في الأرض، وأشعلوا فيها ناراً عظيمةً، ورموا فيها المؤمنين الموحدين، فماتوا حرقاً بالنار أمام جماعات الظلم والاستبداد، مشاهدين لنهاية المؤمنين الموحدين، مستمتعين بذلك المشهد.[3]
وقبل ذكر قصة أصحاب الأخدود بدأت سورة البروج بالقسم العظيم من الله تعالى، حيث قال: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ*وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ*وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)،[4] فالله تعالى ربط بين السماء وما فيها من برجٍ عالية، ويوم القيامة وما يكون فيها من أحداث عظيمة، والشهود الذين يحضرونه، والأحداث المشهودة فيه التي من بينها قصة أصحاب الأخدود، ومن الأمور التي بيّنتها سورة البروج ما يتعلّق بالجزاء المترتب على كلٍّ من الظالمين الطغاة الجبارين المتثّل بدخول نار جهنم ونيل عذابها، وكذلك بيّنت سورة البروج جزاء المؤمنين الموحدين المتثّل بالجنة، فالظالمون استحقوا اللعن من الله تعالى، جزاءً لما بدر منهم تجاه المؤمنين بسبب إيمانهم فقط، وتجدر الإشارة إلى أنّ الله تعالى عالم بكل ما يجري، ولا يخفى عليه أي أمر من الأمور، فهو المالك للسماوات والأرض وما فيهن وما بينهن.[3]
ومن الجدير بالذكر أن العلماء اختلفوا في أصحاب الأخدود، فقال البعض بأنهم من زمن الفترة، وعندما رأوا شرور الناس اعتزلوا في قرية لعبادة الله تعالى، إلى أن سمع بحالهم أحد الجبارين الظالمين، فأمرهم بعبادة الأصنام، فرفضوا، وهُدّدوا بالقتل، فرفضوا أيضاً، فحُفر لهم أخدود، ثمّ خُيّروا بين الموت حرقاً وبين العودة عن دينهم، إلا أنهم ثبتوا على دينهم، وورد صف النار في قول أبي السعود عنها، حيث قال: (وهذا وصفٌ لها بغايةِ العِظَمِ وارتفاعِ اللهبِ وكثرةِ ما فيها منَ الحطبِ، والقصد وصفُ النار بالشدَّة والهول)، وبيّن القرطبي في رواية أبي صالح عن عبد الله بن عباس أن نار الأخدود ارتفعت ارتفاعاً شديداً، حتى أصبحت فوق الملك الظالم وأتباعه بمقدار أربعين ذراعاً.[3]
دروس وعبر من قصة أصحاب الأخدود
تضمنت قصة أصحاب الأخدود الواردة في سورة البروج العديد من الدروس والعبر التي تعدّ بمثاثبة درساً عملياً للمسلم، وفيما يأتي بيان بعض الدروس والعبر:[5]
- أهمية تربية الأبناء، وظهر ذلك من موقف الطفل الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (غلام آمن بالرحمن، وواجه الطغيان، وأصر على إبلاغ الحق ولو بذل من أجل ذلك روحه رخيصة حتى آمن على يديه أبناء قومه)، لذا يجب الحرص على تربية الأبناء تربيةً صالحةً، وتنشئتهم على الإيمان بالله عز وجل، حتى يحملوا مهمة الاستخلاف في الأرض وعمارتها، وتجديد الدين الإسلامي، وتحقيق النصر على أعداء الإسلام والمسلمين.
- وجود فرعون لكل زمان، ولكل فرعون سحرة خاصّون به يمثّلون السوء والشرور، ويزيّنون فعل فرعون، ويؤيدونه، وينافقون في أفعالهم وأقوالهم.
- تعلّق النفوس في الدعاء بالله تعالى، والإيمان والتصديق به، فالغلام كان يقول للذين يطلبون الشفاء منه: (أنا لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت به دعوته لك فشفاك)، فعندما لا تتعلّق القلوب إلا بالله تعالى، فإنها لن تتعلّق بالأشخاص.
- الثقة التامة بالله تعالى، وبما يجريه من الأقدار، والاستغناء التام عن الكل بالله سبحانه، والتوكل عليه فقط، فالتوجّه إلى الله تعالى يكون دائماً، ومن أعظم الطرق في ذلك الدعاء.
- الإصرار على الدعوة والتبليغ، ونشر الحق وإظهاره، وإزهاق الباطل ودحره، والمجاهدة في ذلك، والصبر والتحمّل وبذل الغالي والنفيس، وإن وصل الأمر إلى تقديم النفوس مقابل ذلك.
- بيان أنّ الخسارة الحقّ لا تكون في الموت، أو إزهاق نفوس أهل الحق من قِبل أهل الباطل، فالخسارة الحقيقية هي الارتداد عن الدين، والتخلّي عن المبادئ، والفوز الحقيقي يكون بالحياة على الإيمان، والثبات على الإسلام.
- لا يتحقّق النصر الكامل إلا بالتجرّد الكامل عن النفس، وعدم السعي لتحقيق رغباتها، وأهوائها.
- العلم بأنّ الابتلاء لا بدّ منه، وأنه من سنن الدعوات، وذلك لبيان الصادق من الكاذب، وأهل الإيمان من أهل الباطل، حيث قال الله تعالى: (لِيَميزَ اللَّـهُ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجعَلَ الخَبيثَ بَعضَهُ عَلى بَعضٍ فَيَركُمَهُ جَميعًا فَيَجعَلَهُ في جَهَنَّمَ أُولـئِكَ هُمُ الخاسِرونَ).[6]
المراجع
- ↑ "تعريف سورة البروج"، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-11-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البروج، آية: 4-9.
- ^ أ ب ت "قصة أصحاب الأخدود 1"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-11-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البروج، آية: 1-3.
- ↑ "فوائد عشرة من قصة أصحاب الأخدود"، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-11-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 37.