أسباب نزول سورة الضحى
التعريف بسورة الضُّحى
سورة الضحى من السور المكيّة، يأتي ترتيبها بعد سورة الليل وقبل سورة الشرح من الجزء الثلاثين؛ وهو آخر جزء في المصحف الشريف، ورقمها من حيث الترتيب التسلسلي في المصحف الشريف هو 93 من أصل 114سورة كريمة، عدد آياتها 11 آية، وأمّا ترتيبها من حيث الترتيب الزمني والترتيب النزولي؛ فققد نزلت هذه السّورة الكريمة بعد سورة الفجر؛ وهذا تعريف مختصر عن ملامح هذه السّورة وموقعها، ولسبب نزولها قصة في بداية الدعوة مع النبي صلّى الله عليه وسلم.[1]
أسباب نزول سُورة الضُّحى
سُورة الضُّحى من أوائل السُّور المكيّة التي نَزلت على النَّبي صلّى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي بفترةٍ وجيزةٍ، وقد اشتملت هذه السّورة الكريمة على معانٍ وقِيمٍ إنسانيّةٍ عظيمة متمثّلةٍ في الإحسان والعطف والرِّفق باليتيم والسَّائل المُحتاج للمساعدة، وكان نزول القرآن مفرّقاً على قلب النبي صلّى الله عليه وسلم وليس دفعةً واحدة، وكانت نزول الآيات حسب المواقف والأسباب، ولسورة الضحى أسباب أوردها العلماء، وقد تعددت الرِّوايات التي ذُكرت عن سبب نزول هذه السُّورة، ولعلّ من أبرزها ما يلي:[2]
- تَعِبَ النَّبي صلّى الله عليه وسلم فلم يستطع الخروج من بيته لمدة ليلةٍ أو ليلتين، فجاءته امرأةٌ، قيل: هي زوجة أبي لهب وتُدعى أم جميلٍ، وقالت للنّبي صلّى الله عليه وسلم: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك -وكان كفّار قريشٍ يتَّهمون النّبي بالتَّعامل مع الجنّ- فنزل قول الله تعالى: (وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ).[3]
- تَذكُرُ الرِّواية الثَّانية أنَّ كفّار قريشٍ بدأوا بالتَّحدث في شأن انقطاع الوحي عن النّبي صلّى الله عليه وسلم، فقالوا: قلاه ربّه؛ أي تركه وتخلَّى عنه، فنزل جبريل عليه السَّلام بهذه السُّورة.
- ذكر المفسّرون أيضًا في سبب تأخر نزول الوحي على النّبي صلّى الله عليه وسلم بأنّ جرواً صغيرًا دخل إلى منزله الشّريف، وجلس تحت سريره صلّى الله عليه وسلم، ومات الجرو في مكانه، فأخبرَ النّبيُّ صلّى الله عليه وسلم خولةَ -المرأة التي كانت تخدم في بيته الشَّريف- بأنّ الوحي انقطع عنه ولا يعرف السَّبب، ثُمّ خرج الرَّسول صلّى الله عليه وسلم من بيته، وبدأت خولة بتنظيف البيت وكنسه حتّى وصلت إلى سرير رسول الله، فمدت المكنسة لتنظّف ما تحته، فعلقت بشيءٍ فإذا هو الجرو الميت؛ فأخرجته من تحت السّرير وألقته خارجاً، ثُمّ جاء النّبي صلّى الله عليه وسلم مرتعداً -وهي حالته عند نزول الوحي عليه- فنزلت عليه سُورة الضُّحى، وذكر الحافظ ابن حجر أن هذه الرواية شاذة ومردودة.
في رحاب السّورة
- (وَالضُّحَىٰ):[5] بدأ الله هذه السّورة بالقسم بالضحى، والضحى من الأوقات المباركة التي أقسم بها الله تعالى في كتابه العزيز، كما أنّ صلاة الضُّحى من السُّنن المستحبة عن النبي صلّى الله عليه وسلم.
- (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ):[6] وهذا قَسَم ثانٍ أقسم الله به في إحدى حالات الليل وأطواره، وسجى لها عدة معانٍ منها: أقبل، وأظلم، وذهب، وسكن.
- (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ):[7] ورد في كلمة وَدَّعَك قراءتان: قراءة الجمهور ودّعك بالتشديد، ومعناها ما انقطع الوحي عنك توديعاً لك، والثانية بالتخفيف ودعك؛ ومعناها ما تركك إعراضاً عنك، وما قلى أي ما أبغضك.
- (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَىٰ):[8] روى ابن عباس قال: عرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده، فسُرّ بذلك، فأنزل الله تعالى وللآخرة خير لك من الأُولى.
- (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ)[9] وهذه الآية تدل على كرم الله جل جلاله مع نبيه ومصطفاه صلّى الله عليه وسلم، فسيدنا موسى طلب الرضى وقال وعجلت إليك ربي لترضى، والله أرضى حبيبه صلّى الله عليه وسلم من غير طلب وأخبره أن سيكون عطاؤه له حتى يرضى.
- (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ):[10] فقد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبوَيه وهو صغير، فكفله جده عبد المطلب، ثم مات فكفله عمه أبو طالب، وفي معنى هذه الآية تفسيران: جعل لك مأوى لتربيتك، وقيمّاً يحنو عليك ويكفلك وهو أبو طالب بعد موت عبد الله وعبد المطلب، والوجه الثاني فآواك إلى نفسه، واختصك برسالته.
- (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ):[11] وعند المفسرين تسعة تفسرات لهذه الآية: وجدك لا تعرف الحق فهداك إليه، ووجدك ضالاً عن النبوة فهداك إليها، ووجد قومك في ضلال فهداك إلى إرشادهم، ووجدك ضالاً عن الهجرة فهداك إليها، ووجدك ناسياً فذكّرك، ووجدك طالباً القبلة فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى الطلب لأنّ الضال طالب، ووجدك متحيراً في بيان من نزل عليك فهداك إليه، فيكون الضلال بمعنى التحيّر لأن الضال متحيّر، ووجدك ضائعاً في قومك فهداك إليه، ويكون الضلال بمعنى الضياع لأن الضال ضائع، ووجدك محباً للهداية فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى المحبة، ومنه قوله تعالى: (قالوا تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفي ضَلالِكَ القَديمِ)[12] أي في محبتك. وقرأ الحسن في قراءة أخرى: ووجدَك ضالٌّ فهُدِي، أي وجَدَك الضالُّ فاهتدى بك.
- (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ):[13] ووجدك العائلُ الفقير إليه فأغناك الله من فضله، روي أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال بصوته الأعلى ثلاث مرات: (يَمُنّ ربي عليّ وهو أهلُ المَنّ).
- (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ):[14] تقهر فيه خمسة أوجه: لا تحقر، فلا تظلم، فلا تستذل، فلا تمنعه حقه الذي في يدك، كن لليتيم كالأب الرحيم. وهي في قراءة ابن مسعود: فلا تكْهَر، الكهر الزجر، وعن أبي هريرة أن رجلاً شكا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال: (إنْ أردتَ أنْ يَلينَ قلبُكَ، فأطعِمْ المسكينَ، وامسحْ رأسَ اليتيمِ)[15]
- (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ):[16] لا تنهر السائل في رده إن منعته، ورُدّه برحمة ولين.
- (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ):[17] للنعمة هنا ثلاثة تأويلات: النبوة، ويكون تأويل قوله فحدث أي ادعُ قومك، الثاني أنه القرآن فحدث أي فبلّغ أمتك، والثالث ما أصاب من خير أو شر فحدث، فحدّث به الثقة من إخوانك وقيل فحدِّث به نفسك، وندب إلى ذلك ليكون ذِكرها شكراً.
المراجع
- ↑ "سورة الضحى"، المصحف الإلكتروني.
- ↑ الحافظ جلال الدين السيوطي، لباب النقول في أسباب النزول (الطبعة الأولى)، بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 212-213.
- ↑ سورة الضحى، آية: 1-3.
- ↑ أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، النكت والعيون، بيروت/لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 291-295، جزء 6.
- ↑ سورة الضحى، آية: 1.
- ↑ سورة الضحى، آية: 2.
- ↑ سورة الضحى، آية: 3.
- ↑ سورة الضحى، آية: 4.
- ↑ سورة الضحى، آية: 5.
- ↑ سورة الضحى، آية: 6.
- ↑ سورة الضحى، آية: 7.
- ↑ سورة هود، آية: 95.
- ↑ سورة الضحى، آية: 8.
- ↑ سورة الضحى، آية: 9.
- ↑ رواه الألباني، في الصحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1410، حسن.
- ↑ سورة الضحى، آية: 10.
- ↑ سورة الضحى، آية: 11.