-

أسباب هجرة الرسول

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الهجرة النبوية

إنّ الصراع بين الحق والباطل صراعاً قديماً ومستمراً، وهو من سنن الله تعالى في هذا الكون، وكذلك هو حال مكر أعداء الإسلام بالدعوة الإسلامية، ودُعاتها على مدار الزمان، لذلك فإنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يعلم بأنّه سيُخرج من بلده، مهاجراً من أول يومٍ بُعث فيه بالإسلام، فقد أخبره بذلك ورقة بن نوفلٍ حين ذهب إليه مع خديجة رضي لله عنها، والهجرة النبوية هي انتقال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وقد كانت حدثاً عظيماً، وفيصلاً بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية، هما: المرحلة المكية، والمرحلة المدنية، وقد أخذت الهجرة عظمتها من عظمة المكان الذي جرت به، وعظمة القائمين بها، فليس هناك أعظم من مكة، والمدينة، وليس هناك أشرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد حملت هذه الهجرة في طيّاتها، وتفاصيلها معاني كبيرةً جليلةً من الصبر، والتضحية، والتوكّل، والإخاء، وكانت طريقاً كتب الله به للمسلمين النصر، والعزّة، ورفع راية الإسلام، وإقامة دولته.[1][2]

خرج الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من بيته مُتخفّياً في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر، واتجه إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه؛ ليُخبره بأنّ الله -عزّ وجلّ- قد أذِن له بالهجرة، فاستأذنه أبو بكر أن يُصاحبه فيها، فأذن له الرسول، وكان قد جهّز راحلتين للهجرة، واستأجر رجلاً يُقال له عبد الله بن أريقط، ليدلّهم على الطريق، فاتفقا على اللقاء في غار ثور بعد ثلاثة ليالٍ، وقامت السيدة عائشة، والسيدة أسماء -رضي الله عنهما- بتجهيز المتاع، والمؤن لهما، وأمّا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، فقد بقي ليبيت في تلك الليلة في فراش الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهكذا غادر الرسول وأبو بكر من بابٍ خلفيٍّ، وخرجا من مكّة قبل طلوع الفجر، واختارا لهجرتهما طريقاً لا تلتفت إليه الأنظار كثيراً، حتى وصلا غار ثور، وبقيا فيه ثلاثة أيامٍ، إلى أن تركت قريش اللحاق بهما، فانطلقا ليكملا مسيرهما، إلى أن وصلا المدينة المنورة، وهكذا انتهت رحلتهما التي اشتملت على العديد من القصص والأحداث والمعجزات.[1]

أسباب هجرة الرسول

كان لهجرة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من مكة إلى المدينة عددٌ من الأسباب، وفيما يأتي بيانها:[2]

  • رفض مكة المكرمة لدعوة الإسلام في أول الأمر، فقد حاول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بشتّى الطرق والوسائل أن يهدي قومه، ويحثّهم على الدخول في الإسلام، والالتزام بتعاليمه السمحة، إلّا أنّ قريشاً أبت إلّا أن تُحاربه، وترفض دعوته، ممّا جعله يفكّر في البحث عن مكانٍ آخرٍ، يكون أكثر قبولاً للدعوة، واستعداداً لنصرتها، وكان هذا المكان هو يثرب؛ أي المدينة المنورة.
  • جاهزية المدينة المنورة لاحتضان الدعوة الإسلامية؛ فقد لقي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مجموعةً من الخزرج في موسم الحجّ، فدعاهم إلى الإسلام حتى أسلموا، وبايعوه، وانطلقوا عائدين إلى المدينة يدعون من فيها إلى الإسلام، حتى دخل ذِكرُ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بيوت الانصار جميعها، وانتشر الإسلام في المدينة المنورة، ولمّا كان العام المقبل من موسم الحجّ، جاءه منهم اثنا عشر رجلاً من الأوس والخزرج، فبايعهم رسول الله عند العقبة بيعة النساء، وأرسل معهم من الصحابة من يقرؤهم القرآن، ويعلّمهم شرائعه، وهكذا أصبحت المدينة المنورة أرضاً خصبةً للدعوة، وجاهزةً لاستقبال الإسلام.
  • تعرّض رسول الله للعديد من أنواع الإيذاء والعذاب؛ فقد آذاه قومه بكلّ أنواع الإيذاء، وأساؤوا إليه بالكلام، فقالوا عنه شاعرٌ، ومجنونٌ، وساحرٌ، كما آذوه بالأفعال، وحاولوا قتله، والقضاء على دعوته.
  • إيقاع أشدّ أنواع العذاب والتنكيل بكلّ من آمن بالرسول عليه السلام، واتّبعه، فقد عانى المسلمون، وعاشوا في الفترة المكية مضطهدين معذّبين، وكان الكفار يسومونهم سوء العذاب، ولم يكن لهم جيشاً يدافع عنهم، ولا قوةً تردّ الظلم عنهم، فآل ياسر ممن عُذّبوا وأوذوا بشكلٍ كبيرٍ، حتى أنّ سمية أم عمار كانت أول شهيدةٍ في الإسلام، وهذا بلال بن رباح أيضاً كانوا يرمونه على الرمال الحارة الحارقة، ويضعون على ظهره الحجر حتى يعود عن دينه، وغيرها من قصص التعذيب، والتنكيل بمن آمن بالرسول صلّى الله عليه وسلّم.
  • ضرورة الهجرة من أجل إقامة الدولة الإسلامية؛ فقد أدرك الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه مكلفٌ برسالةٍ عظيمةٍ عالميةٍ، وليس مجرّد دعوةٍ قوميةٍ، أو محليةٍ، لذلك لا بدّ له من نظامٍ سياسي محكمٍ، وكيانٍ اجتماعيٍ محميٍ بقوةٍ عسكريةٍ في موطنٍ آمنٍ، أيّ بمعنى آخر لا بدّ من إقامة دولةٍ تكفل هذه الدعوة، وتحميها، وتحقّق لها الانتشار بين الناس.
  • سنّة الأنبياء أن يهاجروا؛ فلم يكن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أول رسولٍ يهاجر، بل كلّ من قبله من الأنبياء -عليهم السلام- قد هاجروا؛ لأنّ الهجرة مطلبٌ من مطالب الدعوة، تقتضيه طبيعتها، وطبيعة النبوة، والرسالة، فهي تعلي شأن الدين، وتوفّر الحريّة لعبادة الله تعالى، وطاعته، وهي وسيلةٌ للتخلّص من عداوة ومضايقة أعداء الله تعالى لأوليائه.

دروسٌ مستفادةٌ من الهجرة النبوية

المتأمّل في الهجرة النبوية، وأحداثها يلحظ ما فيها من دروسٍ عظيمةٍ، وفوائدٍ جليلةٍ، فيما يأتي ذكر بعضها:[3]

  • ضرورة التوكّل على الله تعالى مع الأخذ بالأسباب؛ فالرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان متوكلاً على الله عزّ وجلّ، إلّا أنّه استعان بعبد الله بن أريقط؛ للدلالة على الطريق أيضاً حتى يكون آخذاً بالأسباب.
  • حاجة المسلم للإخلاص التام لله، والتخلّي عن الأغراض الشخصية.
  • اليقين بالله، والعلم بأنّ العاقبة والنصر للمؤمنين المتقين.
  • ضرورة الثبات على الحقّ، والإيمان في أوقات الشدّة، والحاجة.
  • العلم بأنّ نصر الله -عزّ وجلّ- لأوليائه إنّما يكون بصبرهم على ما يُصيبهم.
  • العلم بأنّ من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه، فالصحابة -رضوان الله عليهم- تركوا أهلهم، وديارهم، وأموالهم من أجل الله سبحانه، فعوّضهم بذلك فتحاً مبيناً، ونصراً، وعزةً.
  • ضرورة إقامة الحكم الإسلامي، وإنشاء المجتمع المسلم.

المراجع

  1. ^ أ ب "الهجرة النبوية الشريفة"، www.alukah.net، 2014-11-5، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-31. بتصرّف.
  2. ^ أ ب أ. أحمد مصطفى عبدالحليم (2010-12-7)، "أسباب ونتائج الهجرة النبوية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-31. بتصرّف.
  3. ↑ محمد بن ابراهيم الحمد، "من دروس الهجرة النبوية"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-31. بتصرّف.