أسباب ضعف الإيمان وعلاجه
تعريف الإيمان
إن العقيدة الإسلامية هي إقرارٌ وتصديقٌ بما جاء برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، يتعبها إيمانٌ جازمٌ، وتصديقٌ تامٌ بالله -تعالى- وما جاء عنه بالشريعة، وتحقيق ذلك بالنية، والقصد، والقول، والعمل، وفي ما يأتي تعريف الإيمان:[1][2]
- الإيمان لغةً: "مصدر آمن يؤمن إيمان؛ فهو مؤمن، وأصل آمن أأمن بهمزتين لينة الثانية، وهو من الأمن ضد الخوف، وقيل هو: التصديق، وقيل: هو الثقة، وقيل: هو الطمأنينة، وقيل: هو الإقرار".
- الإيمان اصطلاحاً: بناءً على المعنى اللغوي فإن فيه زيادة عن مجرد التصديق، وهذا ما دلّ عليه القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، من أنه: ما وقر في القلب، وصدّقه اللسان، وظهرت آثاره عملاً بالجوارح، وهو يزيد وينقص، قال تعالى: (وَيَزيدُ اللَّـهُ الَّذينَ اهتَدَوا هُدًى وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيرٌ مَرَدًّا)،[3] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ).[4]
أسباب ضعف الإيمان
إن هذا المرض سبب كل بليّة، لذلك فهو موضوع حسّاس، ولا بد من التعرف على أسبابه، وفيما يأتي بيان أهم أسبابه:[5]
- ابتعاد المسلم عن الأجواء الإيمانية، وهذا يؤدّي إلى ضعف الإيمان.
- الابتعاد عن تعلّم العلم الشرعي الذي يحرك الدوافع الإيمانية، وكذلك الابتعاد عن قراءة الكتب الدينية، ومنها: كتاب لله تعالى، وكتب الأحاديث، والرقائق.
- التواجد في أماكن اللهو، واقتراف المعاصي، واللعن، والسباب، والشتائم، والغيبة، والنميمة، والقيل، والقال، وغير ذلك كثير.
- اتباع الهوى، وطول الأمل، فلا يفكر بالموت أو الخاتمة.
- كثرة النوم، والأكل، والسهر، والضحك، حينها يصبح القلب غافلاً وضعيف الإيمان.
مظاهر ضعف الإيمان
إن الإيمان مراتبٌ وشعبٌ، وهو يزيد وينقص، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيّن ذلك في الحديث فقال: (إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَما يَخلَقُ الثّوبُ، فاسْألُوا اللهَ تعالَى: أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكمْ)،[6][7] وفي ما يأتي بيان أبرز مظاهر ضعف الإيمان:[5][8]
- الوقوع في المعاصي والمحرمات: قد يرتكب العاصي ذنباً ويصرُّ عليه، وقد يرتكب أكثرمن معصية، وكثرة ارتكابه للمعاصي تحوّلها إلى عادة، فيزول قبحها في نفسه بالتدريج، حتى يصل إلى مرحلة المجاهرة، وفي الحديث: (كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه).[9]
- الشعور بقسوة القلب وخشونته: إنّ كَثرة المعاصي تجعل القلب يصير مثل الحجارة، وبذلك لا يتأثر قلب العاصي بالموعظة.
- عدم إتقان العبادات: فهو لا يتدبّر، ولا يتفكّر بمعاني الأذكار والأدعية، فتراه شارد الذهن بصلاته.
- التكاسل عن الطاعات والعبادات: حيث وصف الله -تعالى- المنافقين بقوله: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا)،[10] ويدخل في هذا عدم اكتراث العاصي لتفويته مواسم الخير والعبادات، وعدم اهتمامه بتحصيل الأجر، ومنه تأخّره عن صلاة الجماعة، ومن ثم يتأخّر عن صلاة الجمعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزالُ قومٌ يتأخَّرون عن الصفِّ الأوَّلِ حتى يُؤخِّرهمُ اللهُ في النَّارِ)،[11] حتى إنه لا يشعر بتأنيب الضمير عند تفويته للفروض والصلوات عن وقتها، وقد يتعمّد تفويت السنن الرواتب.
- عدم التأثّر بآيات القرآن: فلا يتأثّر بالوعد، أو الوعيد، أو أهوال يوم القيامة، كما إنه لا يطيق سماع آيات القرآن.
- ضيق الصدر، وتغيّر المزاج، وانحباس الطبع، حتى كأنه يحمل حملاً ثقيلاً فهو سريع التأفّف، ويشعر بضيقٍ من تصرّفات الناس من حوله، حتى سماحة نفسه تذهب.
- الغفلة عن الله عز وجل: فإن ضعيف الإيمان يجد في ذكر الله ثِقلًا، وحتى حينما يدعو الله تجده سريعاً ما يقبض يديه ويمضي.
- عدم الغضب إذا انتهكت محارم الله عز وجل: فهو منطفئ القلب، لاغيْرة لديه، فتتعطل جوارحه عن إنكار المنكر، وقد يصل الأمرإلى إقرار المنكر والرضا به.
- حب الظهور: وله صورٌ منها:
- الشح والبخل: إن صاحب الإيمان الضعيف، تجده شحيحاً بالكاد يخرج شيئاً لله، حتى لو دعى داعي الصدقة، وظهرت الفاقة بين المسلمين، مصداقاً لقوله تعالى: (هَا أَنتُمْ هَـؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّـهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم).[12]
- الفرح بالفشل والخسارة ووقوع المصائب لإخوته المسلمين.
- احتقار المعروف والحسنات الصغيرة.
- النظر للأمور من حيث الوقوع في الإثم والذنب أو عدم وقوعه، فلا يهتم بأعمال البر، بل قد يستفتي في المسألة حتى يجد ما يوافق هواه.
- عدم الاهتمام بأمور المسلمين وقضاياهم، وعدم التفاعل معها حتى ولو بالدعاء.
- انفصام عُرى الأخوّة بين المتآخيين.
- عدم السعي لخدمة الإسلام.
- الشعور بالفزع والخوف المبالغ فيه عند الوقوع بالمصائب بسبب ضعف الإيمان.
- كثرة الجدال والمراء.
- التعلّق بالدنيا والشغف بها.
- فقدانه للروحانية، فيأخذ أسلوبه الطابع العقلي دائماً، ولا يوجد أيّ أثر للإيمانٍ في كلامه.
- الاهتمام بأكله، وشربه، وملبسه، ومسكنه، إلى درجة الغلو.
- النفاق الاعتقادي، والنفاق العملي، فهو يقول قولاً ينافي ما يعتقده، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ).[13][14]
- الرغبة في الإمارة مع عدم تقدير المخاطر والمسؤولية التي تتبعها.
- الفرح والسرور بقيام الناس له إذا دخل عليهم، لأن نفسه المريضة لا تشبع من تعظيم الناس له وثنائهم عليه، حتى إنه يشعر بالغضب لو لم يقوموا له.
- محبته لتصدر المجالس، والكلام، والاستماع له.
علاج ضعف الإيمان
بعد أن استعرضنا أسباب ضعف الإيمان ومظاهره، صار من الضروريّ معرفة علاج ضعفه أو ما يسمّى بفتوره، وذلك حتى يتمكّن المبتلى بهذا الداء من العودة إلى الصحة والقوة الإيمانية، وفيما يأتي بعض طرق العلاج:[15]
- دوام المحاسبة والمراقبة: فيكون المسلم في كلّ لحظةٍ عالمٌ بمراقبة الله -تعالى- له، وبذلك لا تفوته لحظةً دون أن يحاسب قلبه، وبهذا يقيه من الوقوع بالمعاصي والذنوب، والمعالجة في البدايات دائماً أيسر.
- تدبّر كلام الله تعالى، وتلاوة القرآن، فهو الشفاء لكل داء، قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ).[16]
- ذكر الله تعالى: فهذه القلوب تصدأ، ولا يجليها من هذه العلة إلا الذّكر الذي يطرد الشيطان، ويزيل الهمّ والغمّ، ويجلب الرزق، ويشرح الصدور، ويشفي القلوب، قال تعالى: (أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ).[17]
- الدعاء، والخضوع، والانكسار، والتذلّل، والسجود بين يدي الله تعالى.
المراجع
- ↑ عبد الله القصيِّر (1-5-2016)، "تعريف الإيمان بالله لغة واصطلاحا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-4-2019.
- ↑ علوي السقاف (1433 هـ)، الموسوعة العقدية - الدرر السنية، www.dorar.net، صفحة 346، جزء 5.
- ↑ سورة مريم، آية: 76.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 35، صحيح.
- ^ أ ب محمد اللحيدان (17-7-2017)، "ظاهرة ضعف الإيمان أعراضها أسبابها علاجها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-4-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1590، صحيح.
- ↑ (4-5-2009)، "ضعف الإيمان ظاهرة لها علاج"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-4-2019. بتصرّف.
- ↑ محمد المنجد (1413 هـ)، ظاهرة ضعف الإيمان (الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 10-24، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6069، حديث صحيح.
- ↑ سورة النساء، آية: 142.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 679، صحيح.
- ↑ سورة محمد، آية: 38.
- ↑ سورة الصف، آية: 2.
- ↑ د. محمد النابلسي (15-9-2000)، "الخطبة : 0761 - مظاهر ضعف الإيمان1"، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-4-2019. بتصرّف.
- ↑ المركز الإعلامي (28-9-2005)، "الفتور.. مظاهره وأسبابه، وطرق العلاج"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 82.
- ↑ سورة الرعد، آية: 28.