يعدّ حافظ إبراهيم من أهم شعراء العرب في العصر الحديث، وُلد في الرابع من شباط عام 1872م في ديروط،[1] وأصبح يتيماً منذ طفولته؛ فكفله خاله، والتحق بالشرطة، واستمرّ فيها لفترة، ثمّ سافر إلى السودان وأُوقف عن عمله مؤقتاً، وخلال هذه الفترة اشتُهر كشاعر مبتدئ، ومع بداية القرن العشرين أصبح من أشهر أعلام الشعر.[2] لُقّب بشاعر النّيل بعد تعبيره عن قضايا الشعب ومشاكله، وعُيّن رئيساً لدار الكتب في الفترة الأخيرة من حياته؛ ليُحال إلى التقاعد في عام 1932م، وترجم عديداً من القصائد والكتب الغربية لبعض الأدباء، مثل شكسبير، وفيكتور هوغو. توفي في الواحد والعشرين من حزيران عام 1932م[1]
كانت ثقافة حافظ إبراهيم في أصلها ثقافة محدودة؛ فهو لم يلتحق سوى بالمدرسة الابتدائية، ومن ثمّ دراسته الفنّية، إلّا أنّه أكمل ثقافته بطرق أخرى؛ فقد قرأ العديد من كتب الأدب ودواوين الشعر، وكان يتخيّر منها ما يحفظه، فحفظ شعر بشار بن برد، ومسلم بن الوليد، وأبي نواس، وأبي تمام، والبحتري، والشريف الرضى، وابن هانئ الأندلسي، وابن المعتز، والعبّاس بن الأحنف وأبي العلاء المعرّي، إلى جانب أنّه كان كثير المجالسة للعلماء وقادة الرأي في الأمّة؛ فقد اتخذ من الإمام محمد عبده أستاذاً له، وحضر بعض دروسه التي كان يُلقيها في منزله بعين شمس على مجموعة من التلاميذ، كما كان يُرافقه في مجالسه وسفره، كما جالس سعد زغلول، وقاسم أمين، ومصطفى كمال وغيرهم، وقد كانت مجالسهم تطرح مسائل علمية، ومشكلاتٍ سياسية واجتماعية، وتقترح حلولاً مختلفة لها، وقد جالس الأدباء في المقاهي والمنتديات، مثل: خليل مطران (شاعر القطرين) وإمام العبد وغيرهم.[3]
رغم المأساة التي عاشها حافظ إبراهيم، والتي تمثّلت في وفاة والده صغيراً دون أن يورّثه المال، إلى جانب حياته البائسة في بيت خاله، وفشله في المحاماة، وإحالته للمعاش بعد التحاقه بالشرطة نتيجة إصابة؛ كلّ هذه الأمور جعلت منه شخصاً حزيناً بائساً، إلّا أنّه كان قادراً على إطلاق الفكاهات، وكان بارعاً في قول نكتة في أيّ شيء يدور حوله؛ فما كان يسمع شيئاً أو يُشاهد عرضاً إلّا يقول فيه نكتة؛ فيصوغ من المواقف أموراً تدفع السامعين للضحك من أعماقهم؛ ممّا جعله موضع إعجابٍ وسرورٍ للنّاس، إلّا أنّه لم يستخدم النكتة في شعره، ولعلّ ذلك لأنّ الأديب بشكل عام يمتلك شخصيتان أو أكثر، شخصية خاصّة في حياته العامّة، وشخصية أخرى يتقمّصها عند بدئه في الكتابة، كما قد يعود السبب في أنّ شعر الفكاهة لم يكن مقبولاً عند النّاس، ولم يلاقٍ اهتماماً كأنواع الشعر الأخرى.[4]
من أبيات حافظ إبراهيم:[2]
وارحمونا بني اليهود كفاكم
ويا جاك إنك في زمانك واحد
وعجب الناس منك يا ابن سليمان
ويا ساهد النجم هل للصبح من خبر
وهذا الظلام أثار كامن دائي
وخمرة في بابل قد صهرجت
ومرت كعمر الورد بينا أجتلي.