-

بحث حول مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

العصر الجاهليّ

العصر الجاهليّ وهو تلك الفترة الزمنيّة السابقة لبعثة الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم، وتعود تسميته بهذا الاسم إلى الضلال الذي كان الناس يعيشون فيه من عبادة للأوثان والأصنام، وليس كما هو متداول بأنّه عصرُ الجهل المناقض للعلم، فعلى العكس من ذلك تماماً فالعصر الجاهليّ هو الأساس واللبنة الأولى لتاريخ العرب وحضارتهم، وآدابهم، فقد ظهرت الكثير من المعالم الفكريّة والعلميّة التي تُميز هذا العصر وتجعله من العصور ذات المكانة العالية في الأدب العربيّ، وكانت من هذه المظاهر الجوانب المتعلقة بالحياة العقليّة لديهم والتي سنتطرّق إليها في هذا المقام.

مظاهر الحياة العقليّة في العصر الجاهليّ

اللغة العربية

اللغة العربيّة هي اللغة التي كانت سائدة في العصر الجاهليّ، الناشئة عن الأصل الآشوريّ والعبريّ والسريانيّ، وكانت تقتصر في كتاباتها على الحروف دون الحركات ولا النقاط، حيثُ يزيد عدد حروف هذه اللغة عن اللغات الآريّة بالكثير، كما وتختلف في كثرة الصيغات المقصودة من الألفاظ، وقد مرّت اللغة العربيّة بأطوار ومراحل متعدّدة في تلك الحقبة من الزمن، إلاّ أنّ اللغويين وعلماء العربيّة اجمعوا على أنّ العرب عرفوا لُغتين: الجنوبيّة القحطانيّة ولها حروف تختلف عن الحروف المعروفة، واللغة الشماليّة العدنانيّة، وهي أحدث من لغة الجنوب، كما وأنّ كل ما وصلنا من الشعر الجاهليّ إنّما هو بلغة الشمال، لأنّ الشعراء كانوا إمّا من قبيلة ربيعة أومُضرالعدنانيتين، وقد تقاربت اللغتان بسبب الاتصال والتواصل الناتج إمّا عن الحروب، أوالتجارة، أو الأسواق الأدبيّة التي كانت تُقام كسوق عكاظ، وسوق ذي المجاز؛ وبذلك بلغت اللغة العدنانيّة أوج انتشارها خاصةً بعد نزول القرآن الكريم بلغة قريش وهي اللغة العدنانيّة.

العلم

في مثل الظروف الاجتماعيّة التي عاشها العرب، لم يكن هناك علم مُنظَّم، ولا وجود للعلماء الذين يناهلون على أخذ العلم وتدوينه أو توضيح منهاجه، ولكن الطبيعة المفتوحة بين أيديهم، وتجارب الحياة العمليّة أصبحت سبباً كافياً لمعرفة العقل الفطريّ والوصول إليه، فقد عرفوا بعضاً من النجوم ومواقعها، والأنواء مع أوقاتها، واهتدوا إلى الطب توارثوه، وكانوا السبَّاقين في علم الأنَّساب والفِراسة، إلى جانب دِرايتهم بالقيافة والكهانة؛ لذلك لم يلتفتوا إلى تنظيم العلم أو تدوينه في كتب.

الفلسفة

لم يصل العرب في جاهليتهم إلى مفهوم الفلسفة حتّى وإن كانت لهم بعض المقتطفات الفلسفيّة، فهي لم تتطلب إلاّ التفات الذهن إلى المعاني المتعلّقة بأصول الكون، دون بحث منظم أو إثبات وتفنيد.

الشعر

إنّ أغراض الشعر الجاهليّ كثيرة ومتنوعة، كما وأنّ هناك نمط واحد لكتابة القصيدة يسيرُ عليه الشعراء، وهو أنّ القصيدة الواحدة تشتمل على عددٍ من الأغراض الشعريّة، تبدأ بالغزل والوقوف على الأطلال، ثمّ الوصف كوصف الصحراء التي كان يمشيها، والناقة التي كان يمتطيها، ثمّ ينتقل بخفة روحه وسلامة ألفاظه إلى الغرض الرئيسيّ الذي نظم فيه قصيدته، من فخر، أو حماسة، أو مدح، أو رثاء، ناهيك عن الحكمة التي تظهرُ في ثنايا قصيدته، ومصادر الشعر الجاهليّ كثيرة منها: المعلّقات، والمفضليّات، والأصمعيّات، وحماسة أبي تمام، ودواوين الشعراء المتنوعة.

الخطابة

تتمثل في المعاني الجيدة والأسلوب المتين، حيثُ تكون مُؤثِرة في السامع، يخاطب بها الجمهور بهدف استمالته، أوإقناعه بفكرة، أو إرشاده إلى طريق معين يسير فيه، وانتشرت الخطبة بين الناس في العصر الجاهليّ؛ لأنّهم يحتاجونها في حياتهم العامة، وكانت تُلقى في أماكن تجمعهم مثل الأسواق.