بحث عن عوامل قيام الحضارة المصرية القديمة
مصر التاريخيّة
كانت الزيادة المطّردة في أعداد السيـاح في شتاء كلّ سنة من مختلف أقطـار العالم إلى مصر باعثاً للكثير من الباحثين للولوج إلى عُمق هذه الحضـارة، ليتعرّفوا على أهمّية هذا القُطر ومعالمه وتأثيره على التاريخ البشري، حيث لا يخفى على أحدٍ أن العالم الغربي مَدينٌ لحضارة النيل بكثيرٍ من علومِه وآدابه، كيف لا والحضـارة المصريّة تجمّعت فيها السيادة الحربيّة والقوة العسكريّة علاوةً على الإنتاج المادي المدني الكبير.[1]
يرجع تطوّر المدنيّة الحديثة إلى الحضـارة التي نشأت على شواطئ البحر الأبيض المتوسّط الشرقيّة قبل ستة آلاف عام، والتي امتدّت من المحيط الأطلسي إلى الأراضي الصحراوية شمال إفريقيا، وإلى الخليج الذي كان متّصلاً بالبحر الأحمر، ثم إلى الشمـال في القارة الآسيوية، حيث اخترق هذا الإقليم الشاسع واديان عظيمان متجهان شمالاً وجنوباً، أوّلها وادي دجلة والفرات هو في القارة الآسيوية، والآخر وادي النيل في إفريقيـا. وقد بنى الإنسان المصرّي في هذا الإقليم الكبيرحضارته الموغلة في القدم.[1]
عوامل قوة مصر القديمة
قامت الحضـارة المصريّة القديمة وازدهرت، وكان التفاعل الرئيسي الذي أنجز هذه الحضارة هو تفاعل الإنسان المُجِد مع البيئة المليئة بالثروة، واستمرار هذا التفاعل على المدى الطويل والذي بدأ قصّته في العصر الحجري على الأرجح ولم ينقطع حتى اليوم هو السّمة الأبرز لهذه الحضارة، وفيما يلي نَلِجُ إلى أهمّ العوامل التي مكّنت هذه الحضارة من القيام.[2]
الموقع الجغرافي والحدود الطبيعيّة
تقع مصر جغرافياً في قلب العالم القديم، وتُطِلّ على بحرين كبيرين هما البحر الأبيض المتوسّط والبحر الأحمر، وهي تُمثّل ملتقى المشرق والمغرب -أفريقيا وآسيا-، مما سهل لها طرق الاتصال بالثقافات المختلفة، والتأثر، والتأثير في الحضارات التي نشأت على هذه القارات، كما أنّها تحتمي بدرعٍ طبيعيٍ مكونٍ من الصحراءَ الشرقيّة والغربيّة، وكانت تمتاز هذه الصحاري بأنّها قاحلةٌ شديدة الجفاف، حيث لم يكن يستطيع الغزاة أن يقطعوا هذه الحدود إلّا بصعوبةٍ ومشقّة. وكذلك فقد احتوى الجزء الجنوبي من الوادي على كتلٍ صخريةٍ هائلةٍ ممّا ساعد المصريين القدماء على بناء المعابد والقصور.[3]
نهر النيل
يشكّل نهر النيل ظاهرةً مميزةً في شمال إفريقيا، حيث إنّه النهر الوحيد الذي شقَّ الصحراء الكبرى حاملاً جزءاً من الثروات المائية في إفريقيا الاستوائيّة إلى مصر، كما يُعدّ نهر النيل النهر الأطول في العالم حيث يبلغ طوله 6670 كيلومتراً، كما أنّ نهر النيل ذو امتدادٍ جغرافي شاسع خلال القارة الإفريقية حيث إن مساحة حوض النيل تُقدَّر ب 3.3 مليون كيلومترٍ مربعٍ، وتشكّل هذه المساحة عشر دول هي من الجنوب إلى الشمال: (تنزانيا، ورواندا، وبوروندي، والكونغو الديمقراطية، وكينيا، وأوغندا، وأثيوبيا، وإريتيريا، والسودان، ومصر).[4]
الثروات المعدنية
كانت الخطوة الحضارية الكبيرة في فجر التاريخ المصري هي اكتشاف الإنسان المصري القديم لكيفية استخراج المعادن، حيث اهتدى الإنسان المصري لاستخراج معدن النّحاس، ومما سهل عملية استخراجه قربه من سطح الأرض، حيث لا يحتاج لعمليّات معقّدة لاستخلاصه وتعدينه. وقد تعلّم المصريون بعد ذلك كيف يتم تشكيله، واستخدموه في صناعاتهم البسيطة كالمثاقب، وأغراض الزينة.[5]
مظاهر التطور الحضاري في مصر القديمة
ساهمت مجموعة عوامل القوّة الطبيعية في مصر القديمة إسهاماً كبيراً في إنتاج مظاهر فريدة ومميزة في تلك البقعة، ومن هذه المظاهر ما يأتي:
النمو السكاني
نتيجةً لما سبق ذكره من عوامل القوّة الطبيعية، بدأت التجمعات السكّانية تظهر في مناطق وادي النّيل، وكان من أبرزها: إقليم النوبة والذي يُقسم إلى النوبة الجنوبية، والنوبة الشمالية، إقليم أدفو (واسنا)، إقليم ثنية قنا، إقليم مصر الوسطى، إقليم الدلتا، والأقاليم الصحراوية على جانبي النيل. وقد كان لهذه الأقاليم والتجمعات دورٌ بارزٌ في إحداث نهضةٍ إنتاجيةٍ وسياسيةٍ خلال ما تقدّم من الزمان.[6]
الزراعة
كان الإنسان قبل العصر الحجري يعتمد اعتماداً رئيسياً على ما يقنُصه من الصّيد، أو على النّباتات التي تجود بها الأرض. وقد ظلّ المصري يعيش على هذا النّمط حتى اهتدى إلى فكرة الزراعة، حيث بدأ يُنتج غذاءه بنفسه، وبسبب طبيعة الجغرافيا المصريّة ووجود نهر النيّل الذي ساهم عبر فيضانه الدّوري في تشكيل مساحةٍ تُعدّ من أخصب بُقع الأرض، استغلّ الإنسان المصري هذه الفكرة لإنتاج الحبوب والمزروعات، وشهد ذلك العصر ازدهاراً في الزراعة وتربية الحيوانات، وهذا ما وفّر له الأمان، والاكتفاء، والاستقرار للمصرييّن في أرض الحضارة المصريّة، وكان لهذا التطوّر الأثر البارز في إنجاز الحضارة المصرية العظيمة.[7]
نشأة الكتابة والتصوير
لقد مرّ الإنسان الأوّل بمرحلتين مهمّتين، الأولى جمع القوت، والأخرى إنتاج القوت. وبفضل فيضان النيل وتعرّفِ الإنسان القديم على الزراعة، اتّخذ تلك الأرض مسكنـاً ومستقرّاً، وبدأ بعدهـا بصناعة التماثيل ليعبّر عن نشاطاته من خلالها، وبدأ يخطّ على الصخور نقوشاً ليصف ما يدور حوله في الكون. وعند انتشـار السكّان الكثيف في مصر، وبتطور العقائد الدينية المصرية القديمة أضحت الحاجةُ إلى وسيلة ثابتةٍ للتخاطب وتسجيل الأحداث المهمة أمراً ضرورياً، وبعد جُهد كبيرٍ بذله المصريون آنذاك، توصّلوا إلى الكتابة لينتقلوا وقتها من عصور ما قبل التاريخ، إلى العصور التاريخية، وبذلك دخلوا مرحلة الانبعاث الحضاري.[8]
الأهرامات
اكتشف علماء الآثار قرابة السبعين هرمـاً حتى يومنـا هذا، وهي موزّعةٌ على عشر مجموعاتٍ حسب جغرافيتها من الشمال إلى الجنوب، وهذه بالتأكيد ليست كلّ الأهرامات، حيث يُعتقد بأنّ هناك الكثير منها مدفونٌ تحت الرمـال، وكانت الأهرامات تمثّل صورةً واضحةً للفلسفة المصريّة، تصوّر فيها روحها، وأفكارها، وإبداعها، وهندستها، وتدلّ على الطاقة البشرية الهائلة التي عملت آنذاك![9]
المراجع
- ^ أ ب جيمس هنري (1996)، تاريخ مصر من أقدم العصور إلى الفتح الفارسي (الطبعة الطبعة الثانية)، القاهرة: مكتبة مدبولي، صفحة المقدّمة - 1-3 . بتصرّف.
- ↑ محمد غربال، مصطفى عامر، سليمان حزين، تاريخ الحضارة المصرية، مصر: مكتبة النهضة المصرية، صفحة 5-6، جزء الأول. بتصرّف.
- ↑ أ.د أحمد راشد، العوامل الأساسية للعمارة المصرية القديمة، صفحة 4-7. بتصرّف.
- ↑ "نهر النيل"، www1.mwri.gov.eg، اطّلع عليه بتاريخ 8/12/2017.بتصرّف.
- ↑ د.عبدالعزيز صالح (2012)، الشرق الأدني القديم، مصر: مكتبة الأنجلو المصرية، صفحة 46،45. بتصرّف.
- ↑ محمد غربال، مصطفى عامر، سليمان حزين، تاريخ الحضارة المصرية، مصر: مكتبة النهضة المصرية، صفحة 20-24، جزء الأول. بتصرّف.
- ↑ محمد غربال، مصطفى عامر، سليمان حزين، تاريخ الحضارة المصرية، مصر: مكتبة النهضة المصرية، صفحة 15-17، جزء الأول. بتصرّف.
- ↑ د.عبدالحليم نورالدين (2011)، اللغة المصرية القديمة (الطبعة التاسعة)، صفحة 29،30،31. بتصرّف.
- ↑ د.أحمد فخري (1963)، الاهرامات المصرية، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، صفحة التصدير وحتى الصفحة 6 . بتصرّف.