-

ضوابط التجديد في الفكر الإسلامي

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

تعريف التجديد

إن مصطلح التجديد له معنيان: معنى لغويّ، وآخر اصطلاحيّ، فالمعنى اللغويّ للتجديد هو: تصيير الشيء جديداً،[1] وهو يعني كذلك وجود شيء على حالة معينة فطَرأ عليه ما غيّره وأبلاه، فإذا تمّت إعادة الشيء على حالتِه الأولى التي كان عليها قبل أن يصيبه التغيير كان ذلك تجديداً.

أما التجديد بمعناه الاصطلاحي أو الشرعي -أي ربط التجديد بالشريعة الإسلامية والدين الإسلامي- هو: "إحياء وبعث ما اندرس منه -أي الإسلام-، وتخليصه من البدع والمحدثات التي أضيفت له، وتنزيله على واقع الحياة ومستجداتها"، فعلى هذا المعنى فإن التجديد لا يقع على ذات الدين، وإنما يقع على علاقة الأمة بالدين ومدى الانضباط به والتفاعل معه.[2]

حديث التجديد

ورد لفظ التجديد في السنة النبوية، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ يبعثُ لهذه الأمةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يُجدِّدُ لها دينَها)،[3] والحديث قد أضاف التجديد إلى دين الأمة وليس إلى ذات الدين، فدين الله تعالى الذي يشمل العقائد والعبادات وغيرها من نواحي الشريعة ثابتة ولا تتغير، والتجديد إنما يقع على الذي يتغيّر من علاقة الناس بربّهم ومدى قربهم أو بعدهم عن الشريعة، كما إنه قد يطرأ على الناس نسيانٌ أو تحريفٌ أو تغييرٌ لمفاهيم الشريعة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى تجديد،[2]وقد قال المناوي في شرحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يجدّد لها دينها)، قال: "أي يبيّن السنة من البدعة، ويكثّر العلم، وينصر أهله، ويكسر أهل البدعة ويذلّهم".[4]

مجالات التجديد

إن التجديد في الفكر الإسلامي له عدد من المجالات، وهي:[5]

  • التجديد في علم لعقيدة: ويكون ذلك بتخليص العقيدة الإسلامية مما علق بأذهان الناس عنها، وكذلك يكون بتجديد طريقة إيصال العقيدة؛ بحيث لا تُؤخذ العقيدة الإسلامية جامدة، وتجديد مدى تأثير العقائد في سلوك الناس وأفعالهم؛ ويكون ذلك بالابتعاد عن التلقين الصوري لعلم العقائد، والتركيز على الجانب السلوكي والعملي فيه.
  • التجديد في علم الفقه: ويكون ذلك بإعادة الاجتهاد إلى الأمة المسلمة من جديد بعد أن توقّفت حركة البحث والاجتهاد مدّة طويلة، وخاصة أن هناك عدداً كبيراً من المسائل المستجدّة تحتاج إلى بحثٍ ونظر، وكذلك إصلاح ما يفعله كثيرٌ من الناس من تتبّع الرخص والبحث عن الأيسر، ويكون ذلك بضبط البوصلة باتجاه البحث عن الحق والتعرّف على حكم الله عز وجل في المسائل.
  • التجديد في علوم السنة: ويكون ذلك بإحياء عمليّة تخريج الأحاديث وبيان الصحيح منها والضعيف، وكذلك تخريج ما لم يخرّج من كتب الحديث ووضع فهارس لتسهيل الوصول إليها.
  • التجديد في علم التفسير: ويكون ذلك بإعادة إحياء التفسير على أُسُسِه وقواعده الصحيحة، وتجنيب الناس عوامل الانحراف في فهم كلام الله تعالى، ويكون ذلك بتنقية كتب التفسير من الإسرائيليات والخرافات والأباطيل التي ليس لها أصلٌ تستند إليه.
  • التجديد في علم التزكية والسلوك: ويكون ذلك بتنقية هذا العلم من الانحراف والخرافات التي دخلته، وكذلك إعادة الفهم الصحيح للتزكية من خلال كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
  • التجديد في علم السيرة والتاريخ: ويكون ذلك بتوثيق الأخبار والأحداث التاريخية، وتمييز الصحيح منها والضعيف، وبيان الفهم الصحيح لهذه الروايات والأحداث.

ضوابط التجديد

التجديد في الفكر الإسلامي له عددٌ من الضوابط، وذلك حتى يكون تجديداً سائغاً مقبولاً لا منحرفاً مردوداً، ومن هذه الضوابط:[6]

  • الاعتماد على النصوص الشرعية الثابتة: كنصوص القرآن الكريم والصحيح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الاعتماد على نصوص غير ثابتة ولا موثوقة ينتج لها تجديداً منحرفاً لا يتفق مع أصول الشريعة الإسلامية.
  • اتباع المنهج العلمي الصحيح في فهم النصوص: فمن ذلك مراعاة اللغة العربية ومدلولات الألفاظ فيها، وكذلك مراعاة فهم السلف للنصوص بحيث يجعل فهم السلف هو الأساس الذي ينطلق منه المجدّد في فهم النصوص.
  • الالتزام بضوابط وأصول الاجتهاد: بأن يكون المجدّد ذا علمٍ واطلاعٍ واسعٍ على علوم الشريعة، أي يكون ممّن يصح إطلاق اسم المجتهد عليه، والاجتهاد كما هو في علم الأصول: "هو بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بالأحكام الشرعية بطريق الاستنباط".[7]
  • الابتعاد عن الابتداع في الدين: فإن التجديد بمعناه الصحيح ينافي الابتداع والإحداث في الدين بغير أصلٍ أو دليلٍ.

شروط المجدد

يشترط في المجدّد أن تتوفر فيه عدداً من الشروط حتى يكون تجديده صائباً، ومن هذه الشروط ما يأتي:

  • أن يكون المجدّد مجتهداً في علوم الشريعة الإسلامية؛ كعلوم اللغة العربية، وعلوم الأصول من أصول فقه ومصطلح حديث، كما يكون عالماً بآيات وأحاديث الأحكام، وفي هذا الشرط يقول أبو الأعلى المودودي: "الاجتهاد في الدين، والمراد به أن يفهم المجدد كليات الدين، ويبين اتجاه الأوضاع المدنية والرقي العمراني في عصره، ويرسم طريقاً لإدخال التغيير والتعديل على صورة التمدن القديمة المتوارثة، يضمن للشريعة سلامة روحها وتحقيق مقاصدها".[8]
  • أن يكون المجدد ذا اطّلاعٍ واسعٍ على مقاصد الشريعة الإسلامية، وذلك لأن فهم نصوص الشريعة وتطبيقاتها الواقعية مرتبطٌ بفهم مقاصد الشريعة.[9]
  • أن يكون نفعه عاماً شاملاً لأهل زمانه، بحيث يكون منارة يسترشد ويهتدي بها الناس، بحيث تبقى آثاره التجديدية والإصلاحية بعد موته ظاهرةً في سلوك الناس وفكرهم.[10]

الفرق بين التجدد والتجديد

إن مهمّة المجدّد هو تجديد الدين وليس التجديد في الدين، فليس التجدّد كالتجديد، فالتجدّد هو محاولة الجمع بين الإسلام وبين الأوضاع المنحرفة القائمة في بعض المجتمعات، بينما التجديد الصحيح هو عميلة إعادة إحياء الدين في نفوس الناس، وتنقية الإسلام من الشوائب التي علقت به، فليس كل من جاء بطريقٍ جديدٍ يسمّى مجدّداً حتى يكون تجديده مبنياً بناءً صحيحاً سليماً.[11]

المراجع

  1. ↑ ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، صفحة 111، جزء 3. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عدنان أمامة (1424هـ)، التجديد في الفكر الإسلامي (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن الجوزي، صفحة 19-20. بتصرّف.
  3. ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4291، صحيح.
  4. ↑ المناوي (1973م)، فيض القدير شرح الجامع الصغير (الطبعة الثانية)، بيروت: دار المعرفة، صفحة 281-282، جزء 2.
  5. ↑ عدنان أمامة (1424هـ)، التجديد في الفكر الإسلامي (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن الجوزي، صفحة 135-254. بتصرّف.
  6. ↑ بسطامي محمد سعيد (2015م)، مفهوم تجديد الدين (الطبعة الثالثة)، جدة: مركز تأصيل للدراسات والبحوث، صفحة 29-35. بتصرّف.
  7. ↑ عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، بغداد: مؤسسة قرطبة، صفحة 401.
  8. ↑ أبو الأعلى المودودي (1967م)، موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الفكر الحديث، صفحة 55. بتصرّف.
  9. ↑ وهبة الزحيلي (2000م)، تجديد الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة 188. بتصرّف.
  10. ↑ د. عدنان أمامة (1424هـ)، التجديد في الفكر الإسلامي (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن الجوزي، صفحة 48. بتصرّف.
  11. ↑ أبو الأعلى المودودي (1967م)، موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الفكر الحديث، صفحة 51. بتصرّف.