شرع الله سُبحانه وتعالى العبادات وكتبها على عباده، وكانت العبادة هي الغاية من خلق الله تعالى للإنس والجن، كما جاء في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،[١] وجاءت العبادات على تعدُّدها لتُهذّب نفس المسلم وتزكّيها، وتوثّق علاقته بالله تعالى.
إنّ من يلتزم بالعبادة يجني آثاراً وثماراً تؤثّر على صَعيده الشَّخصي وصعيد مجتمعه ومحيطه، وبعض العِبادات خصَّها الله تعالى لتكون مفروضةً على كلِّ مسلمٍ بالغ، وجَعَلها أركاناً يُبنى الإسلام عليها، وهذه العبادات كما جاء في حديث النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام هي: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادة أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِ، وصومِ رمضانَ)،[٢] وتالياً حديثٌ عن أحد هذه الأركان الخمسة، وهو: الصَّلاة.
الصَّلاة في اللغة جذرها صلّى، فالصَّاد واللام والحرف المعتل، أصلان دالّان على معنيين كالآتي:[٣]
أمَّا الصَّلاة في الاصطلاح الشَّرعي، فهي: أقوالٌ وأفعالٌ مخصوصةٌ تؤدّى في أوقاتٍ مخصوصةٍ وبهيئاتٍ وشروطٍ مخصوصةٍ مع النِية، تفتتح بالتَّكبير وتختم بالتَّسليم.[٦]
فرض الله تعالى الصَّلاة، وجاء الأمر منه بأدائها وإقامتها في مواطنَ كثيرة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ)،[٧]، وقوله تعالى كذلك في سورة النِّساء: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)،[٨] فالصَّلاة واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ بالغٍ، فرَضَها الله تعالى خمس مراتٍ في اليوم والليلة، وهي كما سبق الذكر ركنٌ من أركان الإسلام، كما أنَّها عمود الدِّين، كما روى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُه الصلاةُ، وذروةُ سنامِهِ الجهادُ في سبيلِ اللهِ)،[٩] كما أنَّ الصَّلاة أول ما يُسأل عنه الإنسان يوم القيامة ويُحاسب عليه، كما روي عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (أولُ ما يُحاسبُ به العبدُ الصلاةُ، وأولُ ما يقضى بين الناسِ في الدماءِ)[١٠][٦]
إنَّ للصَّلاة فضلاً عظيماً وثمراتٍ عديدة يكسبها من التزم بها وحافظ عليها وأقامها حقَّ إقامتها، فالصَّلاة صلةٌ بين العبد والله تعالى، يقترب العبد فيها من ربه أكثر، فيُكلّمه ويناجيه ويدعوه، وقد روي عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام قوله: (أقرَبُ ما يكونُ العَبدُ مِن رَبِّه وهو ساجِدٌ. فأكثِروا الدُّعاءَ)،[١١] كما أنَّ في الصَّلاة تنشيطاً للبدن ونظافةً له وسكينةً وطمأنينةً للنَّفس، وتكرار الصَّلاة خمس مراتٍ في اليوم والليلة تطهيرٌ للمسلم ونهيٌ له عن الوقوع في الفواحش والمنكرات، ومن ذلك قول الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)،[١٢] كما أنَّ لأداء الصَّلاة في جماعةٍ تعزيزٌ لمعاني وقيم الأخوّة الإسلامية والتكافل والتعاون بين المسلمين، كما أنَّ اتجاه المسلمين جميعهم في صلاتهم تجاه قبلةٍ واحدةٍ فيه إشعارٌ بوحدة قلوبهم على طاعة الله وأداء ما فُرض عليهم، فيستذكرون أنَّهم كالجسد الواحد وإن اختلفت أماكنهم وأصولهم وأعراقهم وألوانهم.[١٣]