حكم غسل الجمعة
الاغتسال في الإسلام
يعرّف الاغتسال في الاصطلاح الشرعي بأنّه: تعميم الماء على سائر البدن، وهو مشروعٌ في الإسلام بدلالة قول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)،[1] وينقسم الاغتسال وفقاً لأقوال العلماء في حكمه إلى ثلاثة أقسام؛ أوّلها أنواع الاغتسال المتفق بين العلماء على وجوبها، وثانيها أنواع الاغتسال المتفق بين العلماء على استحبابها وعدم وجوبها، وثالثها أنواع الاغتسال التي اختلف العلماء في حكمها؛ فمنهم من جعلها واجبةً في حقّ المكلّف، ومنهم من جعلها مستحبةً، فأمّا القسم الأول المتفق على وجوبه فيشمل الاغتسال لخروج المني من الإنسان، ولو من غير جِماعٍ، فقد اتفق العلماء على أنّ خروج المني مُوجبٌ للغُسل، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، ولا بين النائم واليقظان، كما يشمل التقاء الختانين ولو من غير حصول الإنزال، ويكون ذلك عند تغييب الحشفة كاملةً في الفرج، ومنه أيضاً غُسل الحيض وغُسل النفاس، فقد نُقل إجماع العلماء على أنّهما من مُوجبات الغُسل، ودلّ على ذلك قول الله تعالى في النساء عند حالة الحيض: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ).[2][3][4]
وفيما يتعلّق بالنوع الثاني للاغتسال، وهو ما اتفق العلماء على عدم وجوبه ورأوا استحبابه، فيندرج فيه كلّ غُسلٍ يتقدّم على الذهاب إلى مَجْمَعٍ من الناس، فمن ذلك غسل العيدين، وغسل صلاة الخسوف والكسوف، ومنه أيضاً غسل الاستسقاء والوقوف بعرفة ورمي الجمرات ونحوها ممّا يجتمع فيه الناس، كما يدخل في نوع الغسل المستحب ما كان عند حالة تغيّر البدن؛ كغُسل المجنون والمغمى عليه حين يفيق، والغسل بعد الحجامة، ونحو ذلك، وفي هذا النوع أيضاً يدخل الغسل المتقدّم على أداء بعض العبادات؛ كغُسل الإحرام، وما نصّ عليه العلماء من غسل طوافي الوداع والزيارة، والغُسل في ليلة القدر، أمّا القسم الأخير من أقسام الاغتسال ففيه ما اختلف الفقهاء في حكمه من الغُسل، ويندرج تحته غسل الميت، فقد ذهب جماهير أهل العلم إلى القول بوجوب غسل الميت، ومنه غُسل من غسّل الميت، فقد اختلف العلماء في حكمه ورأى الشيخ ابن عثيمين استحبابه فقط، ومنه غُسل الكافر إذا أسلم، فقد ذهب المالكية والحنابلة إلى وجوب الغسل عليه، ورأى الشافعية والحنفية استحبابه في حقه إذا لم يكن على جنب، ومنه أيضاً غُسل الجمعة والذي سيتم بيان حكمه مفصلاً فيما يأتي.[4]
حكم غسل الجمعة وآداب الجمعة
اختلف الفقهاء في حكم غُسل يوم الجمعة، فذهبت طائفةٌ من أهل السلف إلى القول بوجوبه، ونقلوا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وأخذ بذلك أهل الظاهر، كما رواه ابن المنذر عن مالك، ورواه الخطابي عن الحسن البصري، إلّا أنّ جمهور العلماء من السلف والخلف رأوا أنّه سنةٌ مستحبةٌ وليس بواجبٍ، واستدلّوا على قولهم ذلك بعددٍ من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، منها قوله: (من توضأ يومَ الجمعةِ فبها ونعمتْ، ومن اغتسل فالغسلُ أفضلُ)،[5] فقالوا إن في الحديث السابق دلالةٌ على عدم وجوب غُسل الجمعة، كما احتجّوا لقولهم أيضاً بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لو اغتسلتُم يومَ الجمعةِ)،[6] فرأوا أنّ هذا الحديث بهذا اللفظ دلالةٌ على عدم وجوب غُسل يوم الجمعة؛ لأنّ تقدير الكلام فيه أن لو اغتسلتم لكان أفضل وأكمل، كما أجابوا على الأحاديث النبوية الآمرة بغُسل الجمعة بأنّ الأمر فيها محمولٌ على الندب لا الوجوب، وذلك من باب الجمع بين الأحاديث، إلّا أنّ القائلين بوجوبه رأوا في حمل الأمر على الندب تأويلاً ضعيفاً، والحاصل من ذلك كلّه أنّ المذاهب الأربعة على استحباب غُسل الجمعة دون وجوبه، والأصل في الإنسان أن يحرص عليه خروجاً من دائرة الخلاف.[7]
وفيما يتعلّق بالوقت المشروع فيه غُسل الجمعة، فهو عند التهيّؤ لأداء صلاة الجمعة، وأفضله أن يكون عند توجّه المسلم إلى المسجد، فقد قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك: (إذا راح أحدُكم إلى الجمعةِ فليغتسلْ)،[8] ومع ذلك فإنّ اغتسل المسلم في أول النهار أجزأه ذلك، مع أفضلية الحرص على فعله عند التهيؤ للصلاة؛ لأنّ ذلك أبلغ في تحقيق النظافة، وقطع الروائح الكريهة، كما يجدر بالمسلم أن يحرص على التطيّب واللباس الحَسَن عند الذهاب إلى الجمعة، مع الخشوع والمقاربة بين خطواته، فكلّ خطوةٍ منها ترفع صاحبها درجةً وتحطّ عنه سيئةً، كما يستحبّ له أن يدخل المسجد برجله اليمين ويصلّي ما شاء الله له أن يصلّي، ثمّ يجلس في انتظار الإمام، وهو بين قراءةٍ للقرآن وذكر لله تعالى، مع الحرص على الاستماع والإنصات للإمام في خطبته، ثمّ يصلّي معه، وهكذا ينال الخير والأجر العظيمين من الله تعالى.[9]
كيفية الاغتسال
لا يتحقّق الاغتسال الكامل إلّا بصفةٍ محدّدةٍ بيانها فيما يأتي:[10]
- ينوي المسلم بقلبه رفع الحدث بالغسل.
- البسملة، بقول: بسم الله.
- غسل اليدين ثلاث مرّاتٍ.
- غسل الفرج لإزالة ما عليه من أذى، ويكون ذلك باستخدام اليد اليسرى.
- غسل اليدين مرّةً أخرى بعد غسل الفرج، وتنظيفهما بالصابون ونحوه.
- الوضوء؛ فيتوضأ المسلم كما يتوضأ عادةً لأداء الصلاة، ويجوز له تأخير غسل القدمين إلى النهاية.
- حثو الماء على الرأس ثلاث مرّاتٍ، مع تخليل الشعر بالماء حتى يتأكّد المسلم من وصوله إلى أصول الشعر.
- التيامن أثناء الغسل؛ فيبدأ المسلم بشقّه الأيمن ثمّ الأيسر.
- دلك الجسم بالماء أثناء الاغتسال، حتى يتأكّد المسلم من وصول الماء إلى سائر بدنه.
المراجع
- ↑ سورة المائدة، آية: 6.
- ↑ سورة البقرة، آية: 222.
- ↑ الشيخ صلاح نجيب الدق (2017-2-27)، "أحكام الاغتسال وآدابه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-14. بتصرّف.
- ^ أ ب "متى يجب الغسل ومتى يستحب؟"، www.islamqa.info، 2006-10-11، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-14. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم: 497، حسن.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 847، صحيح.
- ↑ "حكم غسل يوم الجمعة"، www.fatwa.islamweb.net، 2001-12-8، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-14. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 882، صحيح.
- ↑ "غسل الجمعة سنة عند التهيؤ للصلاة"، www.islamqa.info، 2001-8-10، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-14. بتصرّف.
- ↑ محمد رفيق مؤمن الشوبكي (2015-5-23)، "أحكام الغسل في الفقه الإسلامي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-14. بتصرّف.