تربية النفس
تعريف تربية النفس
في اللغة، فإنّ التربية هي مصدر للفعل (ربّى)،[1] والذي يدلّ جذره الثلاثي على أصلٍ واحد، وهو "الزيادة والنّماء والعلوّ" بحسب معجم مقاييس اللغة لابن فارس،[2] وبشكلٍ عام فإنّ كلمة التربية تستعمل لتدلّ على التهذيب وعلوّ المنزلة،[3] أمّا تعريفها الاصطلاحي فإنّه يختلف تبعاً للرؤى الفلسفية التي ينطلق منها، والتي تتبعها الجماعات الإنسانية في تنشئة أجيالها لترسيخ قيمها وثقافتها وآرائها،[3] ومن ذلك فإنّ تربية النفس تعني رعاية الإنسان لنفسه وتهذيبها، لتنمو وتعلو وتزدهر تماماً كما يحمل المعنى اللغوي للتربية.
طبيعة النفس البشرية
تصرّح النصوص القرآنية أنّ الإنسان إنّما أُوجدَ ليكون خليفة الله في الأرض،[4] حيث زوّد بطاقات قويّة جعلته متفرداً عن بقية المخلوقات ومن أبرزها: طاقة المعرفة، والإرادة الضابطة، والقدرة على الفعاليّة والصراع في سبيل القيم والمبادئ، والتوجّه إلى الله والبحث عن هُداه، والقدرة على الاستقرار والتمتّع في الحياة، لكنّه مع كل هذه الطاقات والقدرات يحمل في ذاته ضعفاً يتمثّل في حبّ الشهوات فهي صفة مركّبة فيه.[5]
إنّ للإنسان طبيعة مزدوجة، فهو قادر على الارتقاء بنفسه لأعلى الدرجات باتّباعه القيم العليا، وقادرٌ على الهبوط بها لأسفل السافلين،[5] ولأنّ التربية تعني النموّ والاستعلاء، فكنتيجة ضروريّة تكون غاية تربية النفس إذاً القدرة على الارتقاء بالنفس البشرية والسموّ بها.
كيفية تربية النفس
نذكر هنا بعض الخطوط العريضة التي تشرح عملية تربية النفس بطريقة واقعية: بدءاً من تحديد المصدر الذي تستند عليه لتعرف الصواب والخطأ، ثمّ تخليتها من أي مشاكل واجهتها أو تواجهها بشكل دائم، والخطوة الأخيرة هي الانطلاق في العلم والعمل، وبيان ذلك في الآتي:
تحديد الخير والشرّ
في أيّ عملية يقوم بها الإنسان ينبغي أن يكون هناك منهج يتّبعه يرسم له الطريق الصحيح ليُقوّم نفسه عليه، ويعيّن له المحاذير والضوابط لتصرّفاته وسلوكه في هذه العملية، وتربية النفس ليست بعيدة عن هذا، وإنّه ممّا يتمم سعادة المرء وفلاحه في الدنيا أن يعرف الخير والشرّ، يدرس ويراقب أسبابهما في الدنيا حتى يُربّي نفسه على اتّباع وسائل الخير، وتجنّب مواطن الشرّ، ومن أكمل مصادر هذا الأمر: تدبّر القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وقراءة تاريخ الأمم السابقة.[6]
تخلية النّفس
ممّا يعين الإنسان على تربية نفسه أن يتعامل مع المشاكل التي يواجهها أولاً بأوّل، فيجلس حسب الضرورة مع نفسه، جلسةً صادقة، فيما يعرف بقراءة النفس، يُحدد فيها الآلام والمشاكل المتراكمة في قلبه، والتي لم يستطع التعامل معها للآن، وذلك لأنّ تأجيل حلّها قد يغدو عائقاً أمام تقدّم نفسه وسموّها، أو قد تنفجر مرةً واحدة على صورة غضب أو اكتئاب، مما يجعله يتراجع نفسيا ويتقهقر.[7]
تحلية النّفس
لأنّ غاية التربية هي السموّ بالإنسان، وتحويل الطاقة الإنسانية لعمل وإنتاج،[8] فيجب التوجّه إلى تزويد النفس بما تحتاج إليه من علم وعمل، وما هي القدرات التي زوُدت بها، ثمّ الانشغال الفوري بتطبيق هذا العلم في الحياة اليومية.[7]
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى التربية في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2019-1-20. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، معجم مقاييس اللغة، سوريا: دار الفكر، صفحة 483، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب كيندة حامد التركاوي (2015-11-7)، "مفهوم التربية لغة واصطلاحا"، الألوكة الاجتماعية، اطّلع عليه بتاريخ 2019-1-20. بتصرّف.
- ↑ محمد قطب، دراسات في النفس الإنسانية (الطبعة العاشرة)، القاهرة: دار الشروق، صفحة 29. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد قطب، دراسات في النفس الإنسانية (الطبعة العاشرة)، القاهرة: دار الشروق، صفحة 33+34. بتصرّف.
- ↑ ابن قيّم الجوزية، الداء والدواء، السعودية: دار عالم الفوائد، صفحة 108. بتصرّف.
- ^ أ ب د.عبد الرحمن ذاكر الهاشميّ، كراسة فقه النفس، صفحة 8. بتصرّف.
- ↑ محمد قطب، دراسات في النفس الإنسانية (الطبعة العاشرة)، القاهرة: دار الشروق، صفحة 261. بتصرّف.