الصمت في حرم الجمال جمال
الصمت في حرم الجمال جمال
قصيدة بعنوان (إلى تلميذة) للشاعر العظيم نزار قبّاني، يشرح فيها عن مشاعر الحب لديه، ويُعبّر عن مفهومه للحب فيها، وهو الأمر كما في قصائد أخرى مميّزة مازالت حيّة يتناقلها العشّاق، ويستغلّها المغنّيون والمُلحّنون مادة غزلية خصبة لأغنياتهم.
قصيدة إلى تلميذة
قُلْ لي – ولو كذباً – كلاماً ناعماً
قد كادَ يقتُلُني بك التمثالُ
مازلتِ في فن المحبة طفلةً
بيني وبينك أبحر وجبالُ
لم تستطيعي، بَعْدُ، أن تَتَفهَّمي
أن الرجال جميعهم أطفالُ
إنِّي لأرفضُ أن أكونَ مُهرّجاً
قزماً على كلماته يحتالُ
فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً
فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالُ
كَلِماتُنا في الحُبِّ تقتلُ حُبَّنَا
إن الحروف تموت حين تُقال
قصص الهوى قد أفسدتك .. فكلها
غيبوبةُ .. وخُرافةٌ .. وخَيَالُ
الحب ليس روايةً شرقيةً
بختامها يتزوَّجُ الأبطالُ
لكنه الإبحار دون سفينةٍ
وشعورنا أن الوصول محال
هُوَ أن تَظَلَّ على الأصابع رِعْشَةٌ
وعلى الشفاهْ المطبقات سُؤالُ
هو جدول الأحزان في أعماقنا
تنمو كروم حوله .. وغلالُ..
هُوَ هذه الأزماتُ تسحقُنا معاً ..
فنموت نحن .. وتزهر الآمال
هُوَ أن نَثُورَ لأيِّ شيءٍ تافهٍ
هو يأسنا .. هو شكنا القتالُ
هو هذه الكف التي تغتالنا
ونُقَبِّلُ الكَفَّ التي تَغْتالُ
لا تجرحي التمثال في إحساسهِ
فلكم بكى في صمته تمثالُ
قد يُطْلِعُ الحَجَرُ الصغيرُ براعماً
وتسيل منه جداولٌ وظلالُ
إنّي أُحِبُّكِ من خلال كآبتي
وجهاً كوجه الله ليس يطالُ
حسبي وحسبك أن تظلي دائماً
سِراً يُمزِّقني .. وليسَ يُقالُ.
قصائد أخرى لنزار قباني
الآتي بعض قصائد نزار قبّاني الغزلية:
قصيدة سبتمبر
الشعر يأتي دائماً
مع المطر
ووجهك الجميل يأتي دائماً
مع المطر
والحب لا يبدأ إلا عندما
تبدأ موسيقا المطر.
إذا أتى أيلول يا حبيبتي
أسأل عن عينيك كل غيمة
كأن حبي لك
مربوط بتوقيت المطر.
مشاهد الخريف تستفزّني
شحوبك الجميل يستفزّني
والشفة المشقوقة الزرقاء تستفزّني
والحلق الفضيّ في الأذنين يستفزّني.
وكنزة الكشمير
والمِظلّة الصفراء والخضراء تستفزّني
جريدة الصباح
مثل امرأة كثيرة الكلام تستفزّني
رائحة القهوة فوق الورق اليابس
تستفزّني..
فما الذي أفعله؟
بين اشتعال البرق في أصابعي
وبين أقوال المسيح المنتظر؟
ينتابني في أول الخريف
إحساس غريب بالأمان والخطر
أخاف أن تقتربي..
أخاف أن تبتعدي..
أخشى على حضارة الرّخام من أظافري..
أخشى على منمنمات الصَّدَف الشّامي من مشاعري..
أخاف أن يجرفني موج القضاء والقدر.
هل شهر أيلول الذي يكتبني؟
أم أنّ من يكتبني هو المطر؟؟
أنت جنون شتويّ نادر
يا ليتني أعرف يا سيدتي
علاقة الجنون بالمطر.
سيدتي
التي تمر كالدّهشة في أرض البشر
حاملة في يدها قصيدة..
وفي اليد الأخرى قمر.
يا امرأة أُحِبّها
تُفجّر الشعر إذا داست على أي حجر
يا امرأة تحمل في شحوبها
جميع أحزان الشجر
ما أجمل المنفى إذا كُنّا معاً
يا امرأة توجز تاريخي
وتاريخ المطر.
قصيدة حبّك طير أخضر
حُبُّكِ طيرٌ أخضرُ ..
طَيْرٌ غريبٌ أخضرُ ..
يكبرُ يا حبيبتي كما الطيورُ تكبْرُ
ينقُرُ من أصابعي
ومن جفوني ينقُرُ
كيف أتى؟
متى أتى الطيرُ الجميلُ الأخضرُ؟
لم أفتكرْ بالأمر يا حبيبتي
إنَّ الذي يُحبُّ لا يُفَكِّرُ ...
حُبُّكِ طفلٌ أشقرُ
يَكْسِرُ في طريقه ما يكسرُ ..
يزورني .. حين السماءُ تُمْطِرُ
يلعبُ في مشاعري و أصبرُ ..
حُبُّكِ طفلٌ مُتْعِبٌ
ينام كلُّ الناس يا حبيبتي و يَسْهَرُ
طفلٌ .. على دموعه لا أقدرُ.
حُبُّكِ ينمو وحدهُ
كما الحقولُ تُزْهِرُ
كما على أبوابنا
ينمو الشقيقُ الأحمرُ
كما على السفوح ينمو اللوزُ والصنوبرُ
كما بقلب الخوخِ يجري السُكَّرُ ..
حُبُّكِ .. كالهواء يا حبيبتي ..
يُحيطُ بي
من حيث لا أدري به أو أشعُرُ
جزيرةٌ حُبُّكِ .. لا يطالها التخيُّلُ
حلمٌ من الأحلامِ ..
لا يُحْكَى .. ولا يُفَسَّرُ ..
حُبُّكِ ما يكونُ يا حبيبتي؟
أزَهْرَةٌ ؟ أم خنجرُ؟
أم شمعةٌ تضيءُ ..
أم عاصفةٌ تدمِّرُ؟
أم أنه مشيئةُ الله التي لا تُقْهَرُ
كلُّ الذي أعرفُ عن مشاعري
أنكِ يا حبيبتي، حبيبتي ..
وأنَّ من يًُحِبُّ ..
لا يُفَكِّرُ.
لا تُحبّيني
هذا الهوى ما عاد يغرينيَ
فلتستريحيِ ولترُيحينيِ
إن كان حبكِ في تقلبه
ما قد رأيتُ فلا تُحبينيِ
حبي هو الدنيا بأجمعها
أما هواك فليس يعنيني
أحزانيَ الصغرى تعانقنيَ
وتزورني أن لم تزوريني
ما همّني ما تشعرين به
إن أفتكاري فيكِ يكفيني
فالحبُ وهمٍ في خواطرنا
كالعطر في بال البساتين
عيناكِ من حزني خلقتُهما
ما أنتِ؟ ما عيناكِ من دوني
فمُكِ الصغير أدرتهُ بيدي
وزرعتهُ أزهار ليمون
حتى جمالُك ليس يذهلني
إن غاب من حينٍ إلى حين
فالشوقُ يفتحُ ألف نافذةٍ
خضراء عن عينيكِ تغنينيَ
لا فرق عنديَ يا معذبتيِ
أحببتنيِ أم لم تُحبينيِ
أنتِ أستريحيِ من هواي أنا
لكن سألتكِ لا ترُيحني.
قصيدة غير منتهية في تعريف العشق
عندما قرّرت أن أكتب عن تجربتي في الحب
فكّرتُ كثيراً
ما الذي تُجدي اعترافاتي؟
وقبلي كتب الناس عن الحب كثيرا
صوّروه فوق حيطان المغارات،
وفي أوعية الفخّار والطين، قديما
نقشوه فوق عاج الفيل في الهند..
وفوق الورق البردي في مصر
وفوق الرزّ في الصين..
وأهدوه القرابين، وأهدوه النّذورا..
عندما قرّرت أن أنشر أفكاري عن العشق.
تردّدت كثيرا..
فأنا لست بقسيس،
ولا مارست تعليم التلاميذ،
ولا أؤمن أنّ الورد..
مضطرٌّ لأن يشرح للناس العبيرا..
ما الذي أكتب يا سيدتي؟
إنها تجربتي وحدي..
وتعنيني أنا وحدي..
إنها السيف الذي يثقبني وحدي..
فأزداد مع الموت حضورا.
عندما سافرت في بحرك يا سيدتي..
لم أكن أنظر في خارطة البحر
ولم أحمل معي زورق مطاط..
ولا طوق نجاة..
بل تقدمت إلى نارك كالبوذي..
واخترت المصيرا..
لذّتي كانت بأن أكتب بالطبشور..
عنواني على الشمس..
وأبني فوق نهديك الجسورا.
حين أحببتُكِ..
لاحظت بأن الكرز الأحمر في بستاننا
أصبح جمراً مستديرا..
وبأن السمك الخائف من صنارة الأولاد..
يأتي بالملايين ليلقي في شواطينا البذورا..
وبأن السّرو قد زاد ارتفاعا..
وبأن العمر قد زاد اتّساعا..
وبأن الله ..
قد عاد إلى الأرض أخيرا.
حين أحببتُكِ ..
لاحظت بأن الصّيف يأتي
عشر مرّات إلينا كل عام..
وبأن القمح ينمو
عشر مرات لدينا كل يوم
وبأن القمر الهارب من بلدتنا
جاء يستأجر بيتاً وسريرا..
وبأن العرق الممزوج بالسكر والينسون
قد طاب على العشق كثيرا.
حين أحببتُكِ ..
صارت ضحكة الأطفال في العالم أحلى
ومذاق الخبز أحلى
وسقوط الثلج أحلى
ومواء القطط السوداء في الشارع أحلى
ولقاء الكف بالكف على أرصفة (الحمراء) أحلى
والرسومات الصّغيرات التي نتركها في فوطة المطعم أحلى
وارتشاف القهوة السوداء
والتدخين
والسهرة في المسح ليل السبت
والرّمل الذي يبقي على أجسادنا من عطلة الأسبوع،
واللّون النحاسي على ظهرك، من بعد ارتحال الصيف
أحلى..
والمجلات التي نمنا عليها ..
وتمدّدنا .. وثرثرنا لساعات عليها
أصبحت في أفق الذكرى طيورا.
حين أحببتُكِ يا سيدتي
طَوَّبوا لي ..
كل أشجار الأناناس بعينيك ..
وآلاف الفدادين على الشمس
وأعطوني مفاتيح السماوات..
وأهدوني النياشين..
وأهدوني الحريرا
عندما حاولت أن أكتب عن حبي
تعذّبت كثيرا..
إنني في داخل البحر ...
وإحساسي بضغط الماء لا يعرفه
غير من ضاعوا بأعماق المحيطات دهورا.
ما الذي أكتب عن حبّك يا سيدتي؟
كل ما تذكره ذاكرتي..
أنني استيقظت من نومي صباحا..
لأرى نفسي أميرا.
قصيدة قدرٌ أنت بشكل امرأة
قدرٌ أنت بشكل امرأة..
وأنا مقتنعٌ جداً بهذا القدرِ
إنني بعضك، يا سيدتي
مثلما الآهُ امتدادُ الوتر
مطر يغسلني أنتِ.. فلا
تحرميني من سقوط المطر
بصري أنت، وهل يمكنها
أن ترى العينان دون البصر؟
قصيدة عندما تبكين
إني أُحبكِ عندما تبكينَ
وأحبُّ وجهكِ غائماً وحزينا
الحزن يصهُرنا معاً ويذيبنا
من حيث لا أدري ولا تدرينا
تلك الدموع الهاميات أحبها
وأحب خلف سقوطها تشرينا
بعض النساء وجوههن جميلةٌ
وتصيرُ أجملَ عندما يبكين.