مدينة سيقا
مدينة سيقا
بفضل التطور التكنولوجي الهائل تمكنّا من متابعة مدن وأماكن نائية عن كثب، والتعرّف على معالم حضاريّة منها القديمة المغرقة في الروعة والأهمية، والحديثة التي تعكس روح العصر، وفيما يلي نتابع تاريخ مدينة سيقا الأسطورة.
موقع سيقا الجغرافي
تقع سيقا في شمال شرقي أقاصي القارة الأفريقية، وهي تابعة إلى ولاية معسكر في وهران، الواقعة في دولة الجزائر، وسمّيت سيقا نسبة إلى (السُقيا) والرّي وكثرة سواقي الماء؛ لأنها تطلّ على نهر أمبساغا، ولازدهار الزراعة فيها بخاصّة الزيتون وصناعة الزيت، والعنب، وصناعة النبيذ، والمواد الغذائية.
تاريخ سيقا القديم
ظهرت حضارة نوميديا الأمازيغية في بلاد المغرب العربي، في القرن الرابع قبل الميلاد، حيث استعمرت قبائل البربر (الأمازيغ) السفوح والقمم من سلسلة جبال أطلس ذات الطبيعة القاسية، فكانت الطبقة النباتيّة مختلفة وما يتناسب معها من حيوانات أيضاً، وأقامت تلك القبائل فترة طويلة من الزمان في جماعات؛ حيث ثبت لهم نهج ونظام حياة جماعية مشتركة، وأصبحت لهم حضارة خاصّة واضحة المعالم بعادات أهلها وسُبل معيشتهم، وازدهرت على يديهم الزراعة والحرف اليدويّة، وتفننوا في إقامة: الأبنية، والأسواق، والمدرجات، والقصور.وعرفت المنطقة بعدة أسماء وهي:
- بلاد أطلس: نسبة إلى سلسلة جبال أطلس وتعني (الغموض والمجهول)، نظراً لطبيعتها الجبلية الغريبة.
- بلاد البربر: نسبة لقبائل البربر التي ينحدر منها الأمازيغ.
- بلاد المغرب: بسبب وجودها في غرب الوطن العربي.
أهمية مدينة سيقا
مدينة سيقا كسائر المدن المجاورة، منذ عصورها الأولى وقبل التاريخ الميلادي ازدهرت فيها حركة التجارة البحرية على الساحل المغاربي، مقابل السواحل الأوروبية وبخاصة الإيطالية، فكان يمتد على الساحل عدد من المواقع الهامة تجارياً، وزراعياً، وصناعياً منها مدينة سيقا، ولا شك في أنّ وجود آثار الرومان في سيقا دليل على التواصل مع حضارات أوروبا.
تقع سيقا أيضاً على طريق القوافل التجارية براً؛ حيث كانت تصل القوافل التجارية من وإلى شرق أسيا حيث الصين، وإلى حدود الهند، والعراق، وبلاد فارس (إيران)، وبلاد الشام، ونجد، والحجاز بالجزيرة العربية، واليمن، والصومال، ومصر، وبلاد الحبشة والكثير من المراكز التجارية الإقليمية أنذاك، ممّا أدّى إلى تمازج بين حضارة الأمازيغ والحضارات الأخرى، بثقافاتها على عدّة أصعدة، الأمر الذي أكسبها الازدهار الدائم، واستقطاب ونشر تصاميم، ومعالم متجدّدة.
تعاقب على نوميديا الأمازيغية حقب تاريخية حافلة مع الرومان، والكنعانيون، والعموريون، والكادميون، وكانت سيقا مثال لكل التطوّرات، بما استفادت من تلك التنقّلات، فكانت المنطقة بأكملها محطّ أنظار الاستعمار، وكثيراً ما تعرّضت للغزو والسيطرة عليها، لما لها من موقع وتاريخ حضاري متميّز منذ آلاف السنين؛ لذا تم تقسيم نوميديا الأمازيغية لعدّة مرات كالتفصيل الآتي:
- قسمت إلى قسمين أو مملكتين يفصل بينهما نهر أمبساغا:
- قسمت مملكة نوميديا بعد وفاة ميسيبسا أشهر الملوك النوميديين، إلى ثلاثة مماليك:
- انقسام التحالفات:
- القسم الشرقي، كان تحت سيطرة قبيلة الماسيلي، وعاصتها قرتا، وتقع في العاصمة الجزائر.
- القسم الغربي، كان تحت سيطرة قبيلة الماسايسلي، وعاصمتها مدينة سيقا عين تموشنت، وتقع في ساحل ولاية وهران.
- استولى بوخوس على الجزء الغربي مقابل التحالف مع الرومان.
- كان نصيب غودا الجزء الشرقي منها.
- في المنتصف سيطر ماستانونزوس، وهكذا تجزأت المملكة من جديد.
- تحالف القسم الشرقي مع الرومان ضد قرطاج.
- أما القسم الغربي فقد تحالف مع قرطاج.
لا زالت الآثار وبخاصة الرومانية متمثلة في تقاسيم وتصاميم سيقا، ومن الملاحظ أنّه رغم الانقسامات إلا أن الطابع الثقافي والحضاري كان يواصل خطوط نماءه وتطوره دون تأثر بالنزاعات.
مدينة سيقا الحالية
تعتبر مدينة سيقا من المدن السياحية الهامّة في الجزائر؛ لكثرة المعالم الأثرية والطبيعية الجميلة المتنوّعة والمختلفة، أقيمت بين ربوعها فنادق ومقاهٍ ومنتجعات ميّزت هذه المعالم والقيَّم التاريخية، على أنّها مصدر دخل قومي كبير على الصعيدين السياحة الدوليّة والمحليّة.
تعتبر سيقا مدينة زراعية بالدرجة الثانية بعد السياحة لخصوبة تربتها الواقعة على ضفة نهر أمبساغا، وجوّها الساحلي المشبع برطوبة البحر نجد أجود أنواع الزيتون، وما زاد أهميتها: تجدد الهجرة إليها تحديداً بعد الفتوحات الإسلامية واتساع رقعة الدولة بفتح الحدود آنذاك، وما ترتب عليه من حضور لمدينة سيقا.
إنّ الوطن العربي زاخر بمدن وخيرات كامنة من الآثار، وطبيعة متميّزة تعرّضت كثيراً لمحاولات السيطرة عليها كمواقع، وحضارية، وأصالة، وتاريخ يستحق الاهتمام، والحفاظ عليه، فهي بالإضافة للفائدة تعزّز الانتماء ومحاولة تحقيق الوطن العربي الكيان الواحدة، كما أنّ العديد من المناطق الأثرية في الوطن العربي مثل سيقا بحاجة لإعادة تأهيل.