مراحل جمع القرآن الكريم
القرآن الكريم
إنّ القرآن الكريم هو القول العربي الفصيح، الذي أعجز العرب على الرغم من أنّهم أهل اللغة، ببلاغته وفصاحته، بالإضافة إلى ما فيه من تشريعٍ دقيقٍ صالحٍ لكلّ مكانٍ وزمانٍ، وقد تحدّى محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- العرب بأن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا، حيث قال الله تعالى: (قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هـذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا)،[1] ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- أنزل القرآن الكريم على محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- عن طريق جبريل عليه السلام، ثمّ نُقل بالتواتر، ويبدأ القرآن الكريم بسورة الفاتحة، وينتهي بسورة الناس.[2]
مراحل جمع القرآن الكريم
مرّ جمع القرآن الكريم بمراحلٍ عديدةٍ، وفيما يأتي بيان كلّ مرحلةٍ من المراحل:[3]
- المرحلة الأولى: كانت في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفي هذه المرحلة كان يتنزّل القرآن الكريم على الرسول مُفرّقاً ومُنجّماً، ثمّ يراجعه جبريل -عليه السلام- في كلّ عام في شهر رمضان، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يتلقّى القرآن الكريم من جبريل عليه السلام، ثمّ يُعيد قراءته قبل أن ينتهي من تلقينه؛ حرصاً من النبي -عليه الصلاة والسلام- على حفظ القرآن الكريم، وعدم تفلّته، وبقي على هذه الحال إلى أن نزل قول الله تعالى:(لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ*إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ*فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)،[4] فأصبح رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يُنصت لجبريل عليه السلام، إلى أن ينتهي من تلقينه القرآن الكريم، ثمّ يدعو كتّاب الوحي؛ ومنهم: علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، ليكتبوا ما نزل من الوحي، وكان الصحابة -رضي الله عنه- يكتبون القرآن الكريم على اللخاف؛ وهي صفائحٌ من حجارةٍ، وعلى العسب؛ وهو جريد النخل، وعلى الرقاع المصنوعة من الجلد، وعلى الكرانيف؛ وهي أصول السعف الغليظ، والأقتاب؛ وهي خشبٌ يُوضع على ظهر البعير، والأكتاف؛ وهي عظم البعير أو الشاة، ومن الجدير بالذكر أنّ الصحابة -رضي الله عنه- كانوا حريصين على حفظ القرآن الكريم في صدورهم خلال هذه الفترة، فلمّا توفّي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان القرآن الكريم قد جُمع في صدور الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم: الخلفاء الراشدين، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وسعيد بن عبيد، وسالم بن معقل، بالإضافة إلى أنّه كان مكتوباً كلّه، ولكنّه لم يكن مجموعاً في مصحفٍ واحدٍ، وإنّما كانت كلّ سورةٍ أو مجموعة من السور مكتوبةٌ في أحجارٍ متناسقةٍ، وكانت محفوظةٌ في بيوت كُتّاب الوحي، وبيوت أمّهات المؤمنين.
- المرحلة الثانية: كانت في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث بدأت بمشورةٍ من عمر بن الخطاب بعد أن خشي من ذهاب بعض القرآن؛ بسبب قتل الكثير من القرّاء في حروب الردّة، وفي أحداث بئر معونة، حيث قُتل سبعون من قرّاء القرآن، فاقترح على أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- جمع القرآن الكريم، حيث قال: (إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن)، فلم يتقبّل أبو بكر الصديق الأمر في البداية، وقال: (كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم)، ولكنّ عمر بن الخطاب استمرّ في إقناع الخليفة بالمصلحة المترتبة على جمع القرآن، إلى أن اقتنع بذلك، وشرح الله صدره للفكرة، ثمّ وكّل زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بالمهمة، فتحرّج زيدٌ من الأمر كما تحرّج أبو بكر قبله، ولكنّ أبا بكر وعمر وضّحا له المصلحة من جمع القرآن الكريم، فشرح الله صدره للأمر، وكان زيد بن ثابت -رضي الله عنه- يقول: (فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي ممّا كلفني من جمع القرآن)، ثمّ تمّ تجميع القرآن الكريم من كُتّاب الوحي، وممّا كتبه الصحابة رضي الله عنهم، وكانت لجنة جمع القرآن لا تأخذ المكتوب من القرآن إلّا بحضور شاهدين يشهدان على كتابة الآيات أمام النبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا إلى أن تم تجميع القرآن على قطعٍ متناسقةٍ متساويةٍ في الحجم، وتم ترتيب الآيات والسور بطريقةٍ توثيقيةٍ لم يُرى لها مثيل، ووُضع المصحف في بيت أبي بكر الصديق إلى أن توفّي، ثمّ في بيت عمر -رضي الله عنه- إلى أن توفّي، ثمّ في بيت أمّ المؤمنين حفصة بت عمر رضي الله عنها.
- المرحلة الثالثة: كانت في عهد عثمان بن عفان، وكان الجمع الذي حدث في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- جمعٌ للقرآن الكريم على حرفٍ واحدٍ، ويرجع السبب في هذا الجمع إلى الخلافات التي حصلت بين المسلمين في مختلف الأمصار بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، ودخل الناس من مختلف المناطق في الإسلام، وكان ثمّة اختلاف في قراءة بعض المناطق عن الأخرى، إذ إنّ القرآن نزل على سبعة أحرفٍ، فيجوز قراءته بأي حرفٍ منها، ولكنّ الناس لم يكونوا يعلمون بأنّ القرآن نزل على سبعة أحرفٍ، فأخذ يشكّ كل فريقٍ منهم بقراءة الآخر، ويظنّ أنّها قراءةٌ خاطئةٌ، فلمّا سمع حذيفة بن اليمان ما دار بين الناس من الكلام، أسرع إلى خليفة المسلمين عثمان بن عفان، وقال له: (أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى)، فاستشار عثمان بن عفان الصحابة -رضي الله عنهم- بالأمر، فوافقوا على الجمع، ثمّ أمر زيد بن ثابت، وعبد الله الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، بنسخ سبع نسخٍ من المصحف الذي جُمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأرسلها إلى حواضر المسلمين في مكّة المكرّمة، والشام، والبصرة، والكوفة، واليمن، والبحرين، وبعث قُرّاءً ليعلّموا الناس على الحرف الذي جُمع عليه القرآن الكريم، وهو حرف قريش، ثمّ أمر بحرق ما سواها من المصاحف.
ميزات الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر الصديق
تميّزت الصحف التي تم جمعها في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بعدّةٍ ميزاتٍ؛ منها:[5]
- تمّ جمع القرآن الكريم فيها بأفضل طرق التثبّت العلمي، وأدقّ وجوه البحث والتحرّي: إذ تم الجمع بالاعتماد على مصدرين أساسيين؛ وهما: ما كُتب أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبإملاءٍ منه، وما حُفظ عند الصحابة رضي الله عنهم، وبشرط وجود شاهدين عدلين على أنّه ممّا كُتب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه ممّا ثبت في العرضة الأخيرة، ولم تنسخ تلاوته.
- حازت الصحف على إجماع الصحابة رضي الله عنهم، إذ أجمعوا على تواتر ما فيها.
- اشتملت الصحف على الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم.
المراجع
- ↑ سورة الإسراء، آية: 88.
- ↑ مصطفى ديب البغا (1418هـ - 1998 م)، الواضح في علوم القرآن (الطبعة الثانية)، دمشق: العلوم الانسانية، صفحة 15. بتصرّف.
- ↑ "رحلة جمع القرآن الكريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-7-2108. بتصرّف.
- ↑ سورة القيامة، آية: 16-19.
- ↑ "جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 23-7-2018. بتصرّف.