فوائد العلم على الفرد والمجتمع
مكانة العلم ودوره في صناعة الحضارات
اكتسب العلم مكانته الكبرى عن طريق الإنجازات الناتجة عنه، ممّا سهَّل حياة الإنسان، ونَمّى فِكر المجتمع، وأرسى الفضائل، والأخلاق، وشيَّدَ البُنيان، وعمَّر الأوطان، وخلَّد ذكر حامليه، والحضارات التي اعتنَت به عبر التاريخ، واليوم تتنامى فرص الانتفاع بالعلم؛ لتعدُّد مصادره، وتوفُّرها، فالرابح من أدرك قيمته، وبذل جُهده في تحصيل المعرفة، ورَفد المجتمع، والأمّة بما يُعلي من شأنها، ويسمو بها.
يتبادر للذهن أنّ العلم يتطلَّب التقدُّم التقنيّ؛ حتى يجني الإنسان، والمجتمع ثماره، وأنّ العلم لا يقوى على تنمية الحضارات الضعيفة، والدُّول النامية، والحقيقة أنّ هناك ما ينقض هذه الفرضيّات؛ إذ إنّه بتتبُّع سَير الحضارات، نجد فضل العلم جَليّاً حتى وإن انعدمت المُقوِّمات، وقلَّت الموارد؛ فقد حسّن الإنسان البدائيّ من ظروف معيشته، وابتكر أدوات الصيد، والطهي، والدفاع عن النفس، وتمكَّن من إشعال النار، وممارسة الزراعة، والحصاد، كما أنّه بنى الأكواخ، والخِيَم، وبدأ بنقش أخباره، ونشاطاته على جُدران الكهوف؛ ليعبّرَ بالرَّسم الذي تطوَّر لاحقاً إلى علم الكتابة؛ أي قبل ما يزيد عن أربعة آلاف سنة قَبل الميلاد.[1]
وعلى مرَّ العصور، كان للعلم أثره البالغ في تشييد الحضارات، وتخليد آثارها المادّية، والمعرفيّة؛ فالأهرامات المصريّة تدلُّ على حضارة مصر القديمة، وسور الصين العظيم يدلُّ على حضارة الصين، والمساجد، والمآذن، والقِباب شهدت على رُقيِّ فنّ العمارة الإسلاميّة، علماً بأنّ لكلِّ حضارة نمى ذكرُها رصيدٌ وافرٌ من الإنجازات العلميّة في مختلف مجالات الطبّ، والفلك، والرياضيّات، والجغرافيا، والصيدلة، وبالرغم من التنافُس الحضاريّ الذي يعتمد في معظمه على التطوُّر العلميّ، إلّا أنّ العلم مَدَّ جسور التواصُل بين الحضارات السابقة؛ حيث كانوا يتناقلون العلوم، ويتدارسون أفضل ما توصَّلوا إليه من ابتكارات؛ حيث نجد أنّ الحضارة الفارسيّة اشتُهِرت ببراعة سَنِّ النُّظُم الإداريّة، والسياسيّة، أمّا الحضارة المصريّة فيعود إليها اختراع علم الكتابة، وعُرِفت الحضارة اليونانيّة بتصدُّرها لعلوم الفلسفة، والفنّ، والتمثيل، وبالنظر إلى الحضارة الهنديّة، نجد أنّ علماءها قد أبدعوا في إتقان العلوم الكيميائيّة، وصناعة الصابون، والزجاج، والإسمنت، أمّا الحضارة الإسلاميّة، فقد برع رُوّادها الأوائل في حفظ العلوم، وترجمة علوم الحضارات الأخرى إلى العربيّة، بالإضافة إلى ما لديها من إنجازات علميّة، ممّا أكسبها تفوُّقاً شاملاً لا نظير له.[1]
لا يزال تنافُس الحضارات، وتسابُق الأُمَم للريادة مُستمِرّاً، وفي الميادين العلميّة ذاتها؛ فقد حقَّق اليابان اليوم تقدُّماً مُذهِلاً في التكنولوجيا، والصناعات التقنيّة، كما وظَّفت الولايات المُتَّحِدة الأمريكيّة طاقاتها، ومُختبراتها؛ لتتصدَّر في أكثر من مجال حتى أصبحت قُوّة اقتصاديّة، وعسكريّة لا يُستهان بها، أمّا كوريا الجنوبيّة، فقد أدركت أنّ العلم هو المَورد الذي يُعوِّضها نقص مواردها الطبيعيّة؛ فاستثمرت طاقات طُلّابها، وحَشَدت الجهود؛ لتطوير العلم، والتعليم، إلى أن تصدَّرت الصناعات التقنيّة، ونافست كُبرى الدُّول في مجالها، ومن هنا نجد أنّ الحضارات تلتقي على العلم، وتنمو به، وتتنافس في مجالاته، وتطبيقاته.[1]
فوائد العلم على الفرد
للعلم فوائد عُظمى تشمل المجتمع، وتعمُّ حضارة بأكملها، والناظر إلى تفاصيل هذه المنافع، وأساسيّاتها الأولى، سيجد أنّها ما هي إلّا إنجازات فرديّة آمن أصحابها بضرورة العلم، واجتهدوا فيه، وقد خَلَّد التاريخ إبداعهم، وممّا يعود على الفرد من فوائد العلم ما يلي:[2]
- يساهم العلم في اكتشاف الإمكانيّات الفرديّة، وتنميتها، ممّا يُلهم الفرد؛ للتقدُّم، والإبداع، ومواصلة الإنجاز، وذلك بتجاوُز العقبات كلّها.
- يُعزِّز العلم القِيَم الفرديّة، ويُهذِّب السلوكيّات، ممّا يُتيح للفرد التعامُل بحكمة في مختلف مواقف الحياة، فيعيش بطمأنينة، دون توتُّر، أو ضعف، أو قلق.
- يضمن العلم تكافُؤ الفُرَص للأفراد جميعهم، ويزيل الطبقيّة المُجتمعيّة؛ ليعيش الفرد في بيئة إيجابيّة تنعمُ بالعدل، والأمان.
- يُمكِّن العلم صاحبه من تحسين مستواه المَعيشيّ، ويُؤهِّله؛ للارتقاء وظيفيّاً، وعلى المستوى الشخصيّ.
- يُجنِّب العلم رُوّاده الانطواء على الذات، والتقوقُع؛ فالعلم بوّابة الفرد نحو الثقافات، والعلوم، والأعراق الأخرى، إذ إنّه المفتاح نحو العالَميّة، والمُستقبَل الواعد.
- تمنح المعرفة الإنسان المقدرة على جَمع المعلومات المفيدة، وتفتح أمامه العديد من الآفاق الفكريّة، والثقافيّة واسعة.
- يُؤسِّس العلم منهجيّة سليمة في الحُكم على الأشياء المحيطة بالفرد، ويُطوِّر آليّات التفكير، والتمييز بين الصواب، والخطأ، ومهارات حَلّ المشكلات، واتِّخاذ القرار.
- يُعزِّز العلم الثقة بالنفس، ويساعد على التحلِّي بالنظرة الإيجابيّة، مع تلبية المسؤوليّة الذاتيّة لمُقوِّمات، ومهارات لا يمكن اكتسابها بالجهل، بل يتمّ تعزيزها بالحوارات، والمُناظرات، والمُناقشات الجماعيّة لمختلف الآراء، والمفاهيم.
- يُحقِّق العلم مستوى وظيفيّاً، ومَعيشيّاً أفضل في المستقبل؛ حيث إنّ الفُرَص الوظيفيّة تكون مُتاحة للمُتعلِّمين بنسبة أكبر.
- يزيد العلم من الوعي، والإدراك، والمنطق، والإنصاف، ويرفع من قَدْر صاحبه، ويزيد من إنتاجيّته، وعطائه لنفسه، وللمجتمع.
فوائد العلم على المجتمع
كان العلم حبيس جُدران المختبرات، ومكتبات، وكُتُب العلماء، وأبحاثهم في شكلٍ من أشكال التباعُد بين المجتمع، والعلم، أو العلماء، إلّا أنّ هذه الأمر انتهى به المطاف نحو التلاشي تدريجيّاً؛ فقد أدرك العلماء حاجتهم إلى المجتمع؛ إذ إنّ التعاون المشترك يبني مجالات أوسع لدى الطرفين؛ فالمجتمع يطمح إلى حياة أفضل في المجالات الصحّية، والتعليميّة، ومجالات الوقود، والطاقة البديلة، وتُحقِّق تنمية هذه الروابط، وإتاحة قنوات التواصُل بين رُوّاد العلم، والمجتمع غاية العلم في تقديم النَّفْع للمجتمع، وتلبية مُتطلَّباته، ولا بُدّ للسياسات من أن تدعم هذا التوجُّه، وتُهيِّئ الظروف؛ لتبادُل الخبرات، وتطوير مستوى المجتمع في خدمته للعلم، وتقديره له، وتعزيز مبدأ العلم في خدمة المجتمع.[3]
إنّ مكانة أثر الفرد في المجتمع لا تتبدَّل من حيث المبدأ؛ فكلُّ فرد في المجتمع يُؤثِّر فيه، ويتأثَّر به، ولا يمكن عَزل الإنسان عن تأدية هذا الدور، وهو مشابهٌ للعلم في ذلك؛ فالعلم عنصر مُؤثِّر في المجتمعات، والأفراد على حَدٍّ سواء، ومن فوائد العلم على المجتمع ما يلي:[3]
- يُبشِّر التعليم بمجتمع مُدرِك لواجباته، وحقوقه، ويُنشِئ مُجتمعاً فاعلاً يُحقِّق مبادئ المُواطنة، والانتماء للوطن.
- يتيحُ العلم فرصة تصويب المفاهيم، والقناعات الخاطئة، فالكراهيّة، والتعصُّب، والعُنصريّة آفات مجتمعيّة تنمو بالجهل، وتندثر بالعلم.
- يزيد العلم من الوعي المجتمعيّ، ممّا يُؤهِّل المجتمع؛ للتعامل الحكيم مع أيّة فكرة خارجة عن نطاق مبادئه؛ فالمجتمع المُتعلِّم يُؤدّي واجباته، ويطالب بحقوقه بعقلانيّة، دون عُنف، أو تهوُّر.
- يساعد التعليم -كأولويّة- على استثمار الطاقات العلميّة في المجتمع، وتنميتها؛ حيث تُعَدُّ الموارد البشريّة من أهمّ ثروات الدُّول التي قد تغنيها عن الموارد الأخرى.
- يساعد ارتفاع مستوى تعليم المجتمع على وقايته من الفقر، والبطالة، والعُنصريّة، والطبقيّة، وانعدام الأمن، والمساواة، ويبني مجتمعاً واثقاً بقدراته، وقادراً على مواجهة التحدّيات، وتحقيق أعظم النجاحات.
المراجع
- ^ أ ب ت راغب السرجاني (6-3-2018)، "تاريخ العلم ومكانته بين الحضارات "، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2018. بتصرّف.
- ↑ "The Importance Of Education For Individuals", ukessays.com,2-5-2017، Retrieved 29-12-2018. Edited.
- ^ أ ب "Science for society", ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved 29-12-2018. Edited.