يُعرّف النبي لغةً على أنه صاحب النّبوة المُخبر عن الله تعالى، وهو بشر من عباد الله يصطفيه ليوحي إليه بشريعة،[1] وقد فضّل الله -تعالى- محمد -صلى الله عليه وسلم- على سائر الأنبياء والمرسلين، وميّزه بالعديد من الخصائص، منها أنّ الله -تعالى- قد أخذ الميثاق على الأنبياء والرسل منذ بعثة آدم إلى عيسى ابن مريم -عليه السلام- بالإيمان بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- واتّباعه في حال ظهوره في حياة أحدهم، وقام كل نبي من الأنبياء بأخذ الميثاق على قومه باتّباع محمد -صلى الله عليه وسلم- حال بعثته في حياتهم، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)،[2] ومنها أنّ الله -تعالى- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وناداه في القرآن الكريم بأحبّ الأسماء إليه، بينما نادى الأنبياء بأسمائهم، وأقسم الله -تعالى- بحياة محمد -صلى الله عليه وسلم- في كتابه العظيم، حيث قال: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ).[3][4]
كانت صفات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخَلقية في غاية الجمال والكمال، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- أجمل النّاس، وأحسنهم صورة، حتى إنّ الصحابة -رضي الله عنهم- شبّهوه بالقمر ليلة البدر، بل إنّ أحدهم كان يُفضّل وجهه الشريف على القمر، وممّا يدل على جمال خلقته وكمالها أنّ بعض النّاس دخلوا بالإسلام لمجرد رؤيته -عليه الصلاة والسلام- ومشاهدة نور وجهه، فقد رُوي عن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- الذي كان حبراً من أحبار اليهود عند قدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة أنّه قال: (قدم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فجئت في الناس لأَنظُر إليه فلما استثبتُّ وجه رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذابٍ)،[5] وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية أنّ صورة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت أحسن الصور وأجملها، فقد أكرمه الله -تعالى- بحسن الخَلق وجمال الصورة، فاجتمعت فيه المحاسن.[6]
وقد وصفه الصحابة -رضي الله عنهم- وصفاً دقيقاً، ومن صفاته -عليه الصلاة والسلام- أنّه كان متوسط القامة، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، وعريض ما بين المنكبين، أمّا لون بشرته -عليه الصلاة والسلام- فلم يكن بالأبيض شديد البياض، ولم يكن بالأسمر شديد السمرة، وإنّما كان أزهر اللون، وهو الأبيض المستنير الناصع البياض المشرب بالحمرة، وهو أحسن الألوان، وقد وصفه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث قال: (كان عظيم الهامة، أبيض، مُشرباً بِحُمرةٍ، عظيم اللِّحية، ضخم الكراديس، شثن الكفَّين والقدمين، طويل المسربة، كثير شعرِ الرَّأس راجِلهُ، يتكفَّأُ في مشيتِه كأنَّما ينحدرُ في صببٍ، لا طويلٌ، ولا قَصيرٌ، لم أرَ مثلهُ لا قبلهُ ولا بعدهُ).[7][6]
ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في حُسن الخُلق، وقد بيّن -عليه الصلاة والسلام- أن بعثته كانت لإتمام مكارم الأخلاق، حيث قال: (إنما بُعثت لِأُتمِّم صالح الأخلاق)،[8] وشهد الله -تعالى- لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بعظم الأخلاق، حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[9] وممّا ينبغي الإشارة إليه أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر أصحابه بمخالطة النّاس بخلقٍ حسنٍ، مصداقاً لما رواه أبو ذرٍ -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (اتَّقِ اللَّه حيثُ ما كنت، وأتبع السَّيِّئة الحسنة تمحها، وخالق النَّاس بخلقٍ حسنٍ)،[10] ويمكن بيان بعض صفات رسول الله الخُلقية فيما يأتي:[11]