صفات المتقين في القرآن
الإيمان
إن موضع الإيمان الأصلي هو القلب، وإيمان القلب هو أهم أجزاء الإيمان، ولذلك فإن قول القلب وعمله هو الأساس، ومهما عملَت الجوارح ما يدل على الإيمان؛ فلا يصح إن لم يكن الإيمان راسخاً في القلب، ومما لا يختلف عليه اثنين أن ما يصدر من الجوارح لا بد أن يكون منبعه إرادة القلب، وغير ذلك يكون صادراً من مجنون أو غير عاقل، فالقلب هو مصدر توجيه الأعضاء، وهو منبع الخير أو الشر الصادر منها، فإن كان ما في القلب إيماناً، دلّت على ذلك الجوارح، وإن كان ما فيه كفراً ونفاقاً وعصياناً، كانت الجوارح مثل ذلك، قال تعالى: (أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ)،[1] وقد أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى صدره حين تكلّم عن التقوى، وقال أن موضع التقوى هو القلب، وعليه فإن القلب هو الأصل، والإيمان النابع منه هو ما يقوم عليه الظاهر والباطن، ولهذا السبب لم يُقال للمنافق مؤمن مع أن أفعاله من الجهاد والصلاة كثيرة.[2]
مفهوم التقوى
يعدّ تقوى الله تعالى من القربات العظيمة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، ومفهوم التقوى أن يجعل المرء بينه وبين ما يخاف منه وقاية تحول من الوقوع فيه، ويكون ذلك بفعل ما أمر الله -تعالى- به من الطاعات، واجتناب ما نهى عنه من المعاصي، وقد كثُر ذكر التقوى في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهذا ما يدل على أهميتها، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)،[3] وقد أكثر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذكر التقوى والوصيّة بها، فقال: (اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كنتَ وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها وخالِقِ النَّاسَ بخلقٍ حسنٍ).[4][5]
صفات المتقين في القرآن
نال المتّقون السعادة في الدنيا والآخرة، واتصفوا بالعديد من الصفات، وفيما يأتي بيان لبعض هذه الصفات:[6]
- الإيمان بالغيب، وإقام الصلاة، والإنفاق في جميع وجوه الخير، سواء كان هذا الإنفاق واجباً عليه أم غير واجب، والإيمان بالقرآن الكريم والكتب السماوية السابقة، والإيمان باليوم الآخر إيماناً لا يعتريه الشك، قال تعالى: (الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).[7]
- الإيمان بجميع أركان الإيمان، والوفاء بالعهد، والصبر في الفقر والمرض وعند مواجهة العدو، والصدق في الأقوال والأفعال، فهؤلاء صدقوا في إيمانهم، فكانوا من المفلحين، لأنهم فعلوا ما أمر الله -تعالى- به، واجتنبوا ما نهى عنه، ومن قام بهذه الأعمال وحرص عليها، كان حريصاً على غيرها.
- التوسل إلى الله -تعالى- بالإيمان به، وطلب المغفرة منه، وسؤاله الوقاية من عذاب النار، والصبر على طاعته وعلى أقداره التي قد تؤلم الإنسان، ودوام الطاعة مع الخشية فيها، والاستغفار خاصة في وقت السحر.
- الإنفاق في العسر واليسر والصحة والمرض، وكظم الغيظ، والعفو عن المسيء، وعدم الإصرار على الذنوب، والمبادرة إلى التوبة منها، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ...).[8]
الوسائل المعينة على التقوى
هناك الكثير من الوسائل التي تعين صاحبها على تقوى الله تعالى، وفيما يأتي ذكر لبعض هذه الوسائل:[9]
- مراقبة الله تعالى، والإكثار من ذكره وخوفه ورجائه.
- الالتزام الكامل بالإسلام شريعة وعقيدة.
- الاقتداء والانتماء للدين ولسلف الأمة، والصدق في ذلك.
- العلم؛ فأكثر الناس خشية من الله -تعالى- هم العلماء.
- مصاحبة الصالحين، والابتعاد عن صحبة السوء، فهم كما قال فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّما مثلُ الجليسِ الصَّالحِ والجليسِ السُّوءِ، كحاملِ المِسكِ ونافخِ الكير، فحاملُ المسكِ، إمَّا أن يُحذِيَك، وإمَّا أن تَبتاعَ منه، وإمَّا أن تجِدَ منه ريحًا طيِّبةً، ونافخُ الكيرِ، إمَّا أن يحرِقَ ثيابَك، وإمَّا أن تجِدَ ريحًا خبيثةً).[10]
- قراءة القرآن الكريم وتدبره والعمل به؛ فالمؤمنون كلما تُليت عليهم آيات الله -تعالى- زادتهم إيماناً.
- محاسبة النفس، واستشعار مراقبة الله تعالى والوقوف بين يديه في الحساب.
- الابتعاد عن الموبقات من الشبهات والشهوات، وقطع أمل النفس في ذلك.
حاجة التقوى إلى الصبر
إن الذي يقوم بالتقوى مخافة من الله تعالى، وتركا للمحرمات، وعملا بالصالحات؛ لا بدّ أن يصبر، فمن لا يصبر لا يستطيع أن يأتي بالعبادات على الوجه الذي أمر الله -تعالى- به، وقد ذكر الله -تعالى- الصبر مقروناً بالتقوى في العديد من مواضع القرآن الكريم، وبيّن أنه ينصر عبده على من عاداه من الكفار والمحاربين، وعلى من ظلمه من المسلمين، فقال: (بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).[11][12]
ثمار التقوى
إن التقوى خير ما يتزود به المسلم ليحقق مصالح دينه ودنياه، فيقوم بما أمر الله -تعالى- به ويجتنب ما نهى عنه، وبذلك يكون قائماً بعبودية الله تعالى، وقد رتب الشارع على التقوى فوائد عديدة تعود على صاحبها بالنفع في دينه ودنياه، وفيما يأتي ذكر لبعض هذه الفوائد:[13]
- سبب الاهتداء في القرآن الكريم، والفلاح، والانتفاع بالمواعظ، قال تعالى: (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ).[14]
- نيل المثوبة من الله، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).[15]
- نيل معية الله الخاصة.
- سبب للأمن من عذاب الله تعالى، وخير زاد يتزود به المسلم.
- المتصفين بالتقوى فوق الناس يوم القيامة.
- من أسباب زيادة العلم، قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ).[16]
- الفوز بجنات النعيم.
- نيل محبة الله تعالى.
المراجع
- ↑ سورة المجادلة، آية: 22.
- ↑ "أهمية عمل القلب"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية: 18.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في الأمالي المطلقة، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 131، حسن.
- ↑ محمد الدبل (10-10-2012)، "مفهوم التقوى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سعيد القحطاني، نور التقوى وظلمات المعاصي في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 18-14. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 1-4.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 133-136.
- ↑ عبد السلام الشمراني، "التقوى وثمارها"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-2-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 2628، صحيح.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 125.
- ↑ عمر الأشقر (2012)، التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها (الطبعة الأولى)، الأردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، صفحة 69. بتصرّف.
- ↑ محمد العثيمين (1448هـ)، فوائد التقوى من القرآن الكريم (الطبعة الأولى)، السعودية: مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية، صفحة 12-10. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 66.
- ↑ سورة البقرة، آية: 103.
- ↑ سورة البقرة، آية: 282.