-

مفهوم علم النفس المعرفي

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

مفهوم علم النفس

يُعتبر علم النفس كباقي العلوم الاجتماعية الأخرى التي تتعدّد فيها مجالات الدراسة وتتشّعب فيها الموضوعات؛ حيث توجد الكثير من الأقسام المتشعّبة لعلم النفس وذلك لأنّه أصبح من الصعب على علماء النفس تفسير السلوك الإنساني مُتعدّد الاتجاهات من خلال نظريةٍ واحدةٍ فقط، أو من خلال اتجاهٍ نفسيٍ واحد؛ ولذلك فقد ظهرت أنواع وأقسام متنوّعة لعلم النفس؛ بحيث يهتمّ كل قسمٍ بسلوكٍ معينٍ من السلوكيات الإنسانيّة، فهو يفسّره ويعالجه.

إنّ هدف علماء النفس مناقشة ودراسة أنماط سلوكيّة مُختلفة يمارسها الإنسان، فهُم يهتمّون بهذه الأنماط ويُفسرونها، وهذا لا يمكن تحقيقه بالاعتماد على تفسيرٍ واحدٍ لفهم جميع أنماط السلوك الإنساني، وتفسيره، ومع هذه التشعّبات العديدة فقد أحرز علم النفس نجاحاً وتقدّماً في مجالاتٍ عدة.

رغم النجاحات والتطوّرات المُميّزة التي أحدثها علم النفس في تفسير ودراسة الكثير من الظواهر النفسية، والاجتماعية، إلا أنّها بقيت الكثير منها تحتاج إلى تفسيراتٍ أكثر عمقاً، وأكثر بياناً، وتفسيراً، وربطاً بالواقع، وبإمكانيات الإنسان، وظروفه المختلفة، ونَظراً لقصور علم النفس في حلّ مشكلات بعضٍ من هذه الظواهر، وعجزه عن إعطاء التفسير المنطقي والدقيق لظاهرةٍ ما وَجد علماء النفس أنّه من الجيّد والمفيد، وجود اتجاهاتٍ عدة، ونظرياتٍ مختلفة الاتجاه تهتمّ بالظواهر النفسيّة المختلفة؛ فكُلّ نظريّةٍ تستطيع أن تُعالج جانباً مُعيّناً أو ظاهرة بعينها.[1]

مدارس علم النفس

تعدّدت مدارس علم النفس، وتنوّعت الاتجاهات التي تهتمّ بها، فنتجت عن ذلك العديد من النظريّات، والتفسيرات التي كلٌّ منها تهتمّ باتجاهٍ مُعيّن من الاتجاهات الكثيرة، وتُركّز على موضوعٍ لتتمّ دراسته، والتعمق فيه بعناية، وحتى يتمكّن دارس علم النفس من التعمق، والتفسير الدقيق للظواهر المحيطة به كان لا بُدّ من ظهور موضوعات علم النفس التي تحمل عناوين محدّدة تناسب الظواهر التي يتم دراستها وتحليلها في كلِّ موضوع من هذه الموضوعات، فظهر علم النفس الاجتماعي، وعلم النفس التربوي، وعلم النفس الصناعي، وعلم النفس الإكلينيكي، وعلم النفس المعرفي.[1]

مفهوم علم النفس المعرفي

يتحدّث علم النفس المعرفي عن كيفيّة اكتساب الإنسان للمعلومات حول العالم المُحيط بطريقةٍ علميّة، وكيفية تحويل هذه المعلومات التي لديه إلى علم ومعرفة يُمكن استغلالها والاستفادة منها في تغيير حياتهِ، وتقويم سلوكه. يُحيط علم النفس المعرفي بالعمليّات النفسية المختلفة؛ كالعلم العصبي، والانتباه، والتذكّر، والإحساس، والإدراك، والذكاء، والانفعالات، والتفكير، والتصوّر الذهني، وغيرها من العمليات التي لها صِلةٌ بالعقل الإنساني، وطبيعة تفكيره، وبالتالي نموّه الفكري.

يقول كلٌّ من درنالدنورمان وديفيد وميلهارت: (نحن معشر علماء علم النفس المعرفي نهتمّ بمجال واسع يحاول الإجابة على التساؤلات الآتية: كيف يدرك الناس؟ وكيف يتمثلون؟ وكيف يتذكرون؟ وكيف يوظفون المعرفة؟).[2]

عرّف نيسر علم النفس المعرفي على أنّه: جميع الطرق والعمليّات التي يقوم بها الإنسان لنقل المعلومات والمدخلات الحسية، ومن ثمّ معالجتها بالتفسير والتحويل والاختصار، وآخرها التخزين لتتمّ استعادتها فيما بعد واستعمالها عند الحاجة إليها، وهذا التعريف يُبيّن آلية عمل علم النفس المعرفي، الذي يقوم بجميع عمليّات الإنسان العقلية، التي يُجريها عند تلقّي الإنسان للمعلومات، ومُعالجتها، وتَخزينها، وطريقة استرجاعها، واستعمالها في عمليّة توجيه النشاط الإنساني.

عرّف ريد علم النفس المعرفي بأنّه العلم الذي يُطلق عليه بعِلم معالجة المعلومات،[3] وقد عكست الدراسات والبحوث التي أُجريت في العلم المعرفي تطوّراً كبيراً، وواسعاً، ومن أبرز هذه الدراسات وأكثرها أهميّةً دراسات علم النفس المعرفي، التي انتشرت تطبيقاتها، وظهرت أهميتها في علوم مختلفة، برزت في العلوم التربوية، والنفسيّة بشكلٍ واضحٍ، وما تتضمّنه هذه العلوم من مناهج وأساليب التدريس، والتربية الخاصة، والصحّة النفسية، والعقلية، والفروق الفردية، وغيرها.[4]

مجالات علم النفس المعرفي

يحتوي علم النفس المعرفي على العديد من النظريّات والأساليب والطرق التي تتمّ الاستعانة بها في عمليّات التحليل والتفسير للظواهر العقلية لدى الإنسان، وقد استمدّ هذه النظريات من اثني عشر مجالاً هي من المجالات الأساسيّة المُعتمدة للبحث العلمي، ومن أهمّها:

الإدراك

هو أحد أهمّ موضوعات علم النفس لأنّه يهتمّ بالكشف عن المنبّهات الحسية لدى الإنسان وبالتالي تفسيرها وبيانها.[5]

علوم الدماغ

يوجد تعاون بين علماء النفس المَعرفيين في دراستهم وعلماء دراسة المخ والأعصاب؛ فكلّ جهةٍ منهم تحتاج إلى الأخرى في تفسير بعض الملاحظات لنتائجهم.[5]

التعرف على النمط

حياة الإنسان وما فيها من أحداثٍ ومجرياتٍ ما هي إلا مَجموعة منبّهات بيئيّة حسية متكاملة، تُشكّل نمطاً واحداً، متناسقاً، رغم أنّ الإنسان يظنّ أنّها أحداث جُزئيّة مُنفصلة.[5]

الذاكرة

الذاكرة هي مَجموعة من العمليّات العقليّة التي يقوم بها الإنسان، والتي يتمّ بِها اكتِساب المَعلومات الخارجية، والاحتفاظ بها، حتى يتمّ استِخدامها في المستقبل، ووظائف الإنسان العديدة تحتاج إلى عمليتين عقليتين تعملان معاً ليستطيع القيام بهذه الوظائف وهما: الذاكرة، والإدراك، وعند استقبال الإنسان للمَعلومات الجديدة، وإجراء حوارٍ ما فإنّه يَحتفظ بالمعلومات لفترةٍ زمنيّة قصيرة، وهذا ما يُدعى بالذّاكرة المؤقتة، أو الذاكرة قصيرة المدى، وبعد ذلك تَنتقل المَعلومات إلى الذاكرة الدائمة، أو التي تُدعَى بالذّاكرة طويلة المدى.[6]

تمثيل المعرفة

هي عمليّة استخلاص المُعطيات والمعلومات من الخبرات الحسية، وإدخالها وتَنظيمها، وإضافتها إلى ما خُزّن سابقاً في الذاكرة؛فكُلّ فردٍ يستقبل ما في البيئة المُحيطة حوله من مُثيرات بطريقة خاصةٍ به تجعله مختلفاً عن الآخرين، فلا يحدث التطابق الكلّي في عملية التمثيل لدى الأفراد، إلا أنّها توجد إلى حدٍ ما درجة من التشابه في تمثيل بعضٍ من مفردات البيئة، والتي تُساعد الإنسان على التّعايُش مع الآخرين.[6]

التخيل أو التصور الذهني

هو أحد أشكال التمثيل المَعرفي؛ حيث يُكوّن الإنسان بعضاً من الصور الذهنية، والخرائط المعرفيّة لأشياء يُصادفها في حياته، كالمناظر والشّوارع، والمَباني، والأماكِن، والأحداث، ومن خلال هذه الصُّور والخرائط التي لديه يُصبح قادراً على استِدعاء مَعالم وأحداث متسلسلة بنسقٍ وترتيبٍ معين، ومن ثمّ تَحويلها إلى كلماتٍ وألفاظ يَستخدمها إذا أراد أن يَصفها لشخصٍ آخر.[6]

اللغة

تُعتبر اللغة من أهمّ ما في علم النفس المعرفي من مواضيع، وهي تتكوّن من أفعال وأسماء وحروف، ومَقاطع وأصوات؛ فالإنسان عِندما يتحدّث ويُتمّ عمليّة اتصاله مع الآخرين فإنّه يكون بحاجةٍ إلى استِخدام ما لديه من قاموس المُفردات التي يختزنها، وقد تصاحب هذه العمليّة بعضاً من ردود الأفعال الحركيّة أو الجسدية حتى تتّضح المعلومة المُراد شرحها وإيصالها إلى الشخص المُستقبِل بصورة واحدة.[6]

حل المشكلات

كثيراً ما يتعرّض الإنسان إلى مُشكلاتٍ عَديدة في حياته، تتطلّبُ هذه المشكلات منه إيجاد الحلّ المُناسب لها، والآلية التي يستخدمها الإنسان في حلّ المشكلة التي اعترضته هي ما نُسمّيها بالعمليّة العقلية، التي يقوم بها الإنسان من أجل الوصول إلى الحل المناسب الذي لم يكن بالنسبة له واضحاً من قبل، وهذا الأمر يتطلّبُ من الإنسان اتّخاذ إجراءاتٍ مُعيّنة، ليتمّ استخدامها، ووصول الشّخص إلى ما يُريد.[6]

المراجع

  1. ^ أ ب أنور محمد الشرقاوي (2003م)، علم النفس المعرفي المعاصر (الطبعة الثانية)، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، صفحة 4 - 5، جزء 1. بتصرّف.
  2. ↑ روبرت سولسو (2000م)، علم النفس المعرفي (الطبعة الثانية)، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، صفحة 5، جزء 1. بتصرّف.
  3. ↑ رافع النصير الزغول وعماد الزغول، علم النفس المعرفي (الطبعة الأولى)، صفحة 11 - 12، جزء 1. بتصرّف.
  4. ↑ فتحي الزيات (2001م)، علم النفس المعرفي (الطبعة الأولى)، مصر: دار النشر للجامعات، صفحة 10، جزء 1. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت روبرت سولسو (2000م)، علم النفس المعرفي (الطبعة الثانية)، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، صفحة 41 - 44، جزء 1. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ج رافع الزغول، عماد الزغول، علم النفس المعرفي (الطبعة الأولى)، صفحة 20-21، جزء 1.