-

مفهوم الربانية والشمول

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الربّانية في الإسلام

يُطلق لقب الربّانيّ على كلّ من ينتسب لله تعالى، ومن يتعلّم الدين ثم يعمل به؛ فهو العالم بعلم الرّب -العارف به- والقريب منه، وهو الذي يجنّد قلبه وكل ما فيه لله سبحانه وتعالى متحررًا من هواه ومن حب الدنيا وكل ما يأسره فيها؛ فالربّانية تصبحُ صفةً خاصّةً لبعض أهل الإيمان حينما يحققون شروطها وينصرون الله على أنفسهم فيكرمهم الله تعالى بأن يجعلهم من أهل ولايته، وإنّه لشرفٌ عظيم أن يُنسبوا إلى الرّب العظيم ويكونوا تحت كَنفه ورعايته.

الملامح العامة للربّانيين

إنّ أهم الصفات التي يتصف بها الربّاني هي أن يكون ذا قلبٍ حيّ متصل بالله تعالى؛ يشعر بالوجل عند ذكره عزّ وجلّ، ويمتلئ بالخشوع والخضوع والإنابة فتخشع بذلك جوارحه؛ فالقلب أساس صلاح الجسد كله أو فساده، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) كما أنّ خشوع قلبه يورثه التأثّر بالموعظة فيزداد لينه ويقشعر بدنه ثمّ يذوق بذلك طعم الإيمان -الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم- ويجد حلاوته، فيغدو قريبًا من الله تعالى دائمَ الفِرار إليه.

ممّا لا شكّ فيه أنّ صاحب هذه الصفات تظهر عليه علامات في سلوكه وتعاملاته توافق قلبه الحي فتراه يسارع دومًا للخيرات، ويقوم بكل ما فيه مصلحة للدين والعباد، أفعاله تكون مصداقًا لأقواله فلا كذب ولا تدليس، تراه أمينًا مع الناس يتّحلى بالصفات الحميدة في تعامله معهم، يُحسن مع والدَيْه أولًا فيكون بارَّا بهما وتتجلّى أيضًا صور إحسانه مع أهله وأصدقائه وجيرانه فيقضي حوائجهم ويعينهم على نوائب الدهر، وإذا ما أخطأ يُسارع معتذرًا مُعترفًا بخطئه ومسؤوليته تجاه ذلك، إنّه صاحب خُلق رفيع، لا تُغريه الدنيا بكل ملذّاتها يحاول جاهداً منعَها من إيذائه، ويرضَى برزقه ويسعَى بالأسباب، ويتوكّل حقّ التوكّل على الله عزّ وجل.

الشّمول في الإسلام

إنّ من أكبر نِعَم الله علينا أن هدانا للإسلام وجعله لنا دينًا كاملًا لا زيادة فيه ولا نقصان، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3] فالإسلام منهجٌ متكامل لا عيب فيه، جعل الله الشّمولية فيه من أهم خصائصه؛ ويُقصد بالشمولية القواعد والقوانين والنظم والأحكام التي تنظّم حياة الفرد والمجتمع، فقد جاء دينًا شاملًا لجميع الأحكام وفي كل المجالات بكل الأزمان.

نرى الشّمول متجلّيًا في بيان العقيدة؛ كعقيدة التوحيد، والولاء، والبراء، وغيرها، وفي العبادات وأنواعها المالية والبدنية والقلبيّة مع بيان تفصيلاتها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وفي الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية والقضائية أيضًا، وهذا كلّه إنّما يدلّ على أنّه دينٌ كامل لأنّ مصدره من الله تعالى ويصلح للبشرية جمعاء ويحقّق لها العدل ويستوعب كل قضاياها ويقوّمها.

مظاهر الشّمول في الإسلام

  • الدين الإسلامي دينٌ شامل لكل الناس إلى يوم الدين، دون تمييز للجنس أو العرق أو اللون أو المسكن، فلم يأتِ مخصوصًا للعرب إنّما للعالم أجمع.
  • شمول الشريعة لكافة مراحل حياة الإنسان؛ فوضع الله أحكامًا تنظّم حياته وهو جنين ثم عندما يكون طفلًا إلى أن يبلغ ويتزوج -ويكون بذلك ابنًا وأبًا- ثم إلى أن يصبح شيخًا كبيرًا.
  • شمول المعاملات؛ فهناك معاملات اقتصادية فمثلًا لا يجوز للإنسان أن يسرق أو أن ينفق ماله في الحرام، ومعاملات اجتماعية كتنظيم العلاقة بين الأب وابنه وبيان حقوق وواجبات كلًّ منهما تجاه الآخر.
  • شمول العبادة والأخلاق؛ فلم تقتصر العبادة على شيء محدّد بل هي اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، وأمّا العبادات ففي كل جوانب الحياة لم تخلُ أحكام الدين الإسلامي من التوجيه للأخلاق الحسنة كافة.

ثمار الربّانيّة والشّمولية

  • تحقيق السعادة والسرور؛ فالربانيون ينعمون بحياة طيّبة سعيدة ملؤها الرّضا الذي يمنحُ قلوبهم الراحة والأمان.
  • الفوز بالحصول على مَعيّة الله وحفظه ورعايته وحمايته؛ فلا يخافون ولا يحزنون، قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس:62]
  • حفظ مستقبل الأبناء وتأمينه بأن يكون على طريق التقوى والصلاح.
  • تحصيل العلم النّافع الذي يثمر الخشية والخشوع والتواضع لله تعالى.
  • إقامة هذا الدّين وتمكينه ونصرته؛ فإذا ما أردنا أن نتلقّى نصر الله علينا أن نُحسن الانتساب إليه.
  • قوّة الصلة بالله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة.
  • تحقيق العدل بين الأفراد كلهم، وسلامة الصّدر والتزام صاحبه بكل الأحكام الشرعيّة لمعرفته بصلاحها وشمولها.
  • فهم شموليّة هذا الدين تقودنا إلى تطبيق أحكامه تطبيقًا كاملًا بحيث يظهر في عقيدتنا وجميع معاملاتنا.