تعريف الزنا شرعا
تعريف الزنا شرعا
يوجد للزنا معنى عامّ، وهو أن يرتكب الإنسان ما حرّم الله سبحانه وتعالى من نظر أو مسّ أو غير ذلك، وفي الصّحيحين أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" كتب على ابن آدم نصيبه من الزّنا مدرك ذلك لا محالة، العينان: زناهما النّظر، والأذنان: زناهما الاستماع، واللسان: زناه الكلام، واليد: زناها البطش، والرجل: زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنّى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذّبه "، وللزنا معنى خاصّ وهو إدخال الحشفة عمداً في فرج آدمي من غير زواج، ولا ملك، ولا شبهة، وغالب استعمال الفقهاء هو لهذا المعنى، وهذا النّوع من الزّنا هو الذي يوجب الحدّ. (1)
شروط التوبة من الزنا
يعتبر الزّنا في الدّين الإسلامي كبيرةً من أكبر كبائر الذّنوب، وفاحشةّ من أبغض وأبشع الفواحش، وقد حرّمه الله عزّ وجلّ على المسلمين، ونهى عنه في محكم كتابه، فقال سبحانه وتعالى:" وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا "، الفرقان/68-70.
وقال سبحانه وتعالى:" وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً "، الإسراء/32، وقد نهانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن إتيان الزّنا، ويكفي في الرّدع والزّجر عن إتيانه أنّ عقوبته الدّنيوية من الممكن أن تصل إلى قتل النّفس، وبالتالي يتمّ رجم الزّاني المحصن حتى الموت، لكنّ الله سبحانه وتعالى بفضله، واتساع مغفرته ورحمته، قد فتح باب التوبة للعصاة والمذنبين من خلقه، ودعاهم إليها، وقد أخبرنا النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنّ من تاب قبل غلق باب التّوبة تاب الله عليه، فقال كما جاء في صحيح مسلم:" من تاب قبل أن تطلع الشّمس من مغربها تاب الله عليه ".
فإنّ العبد إذا ما ارتكب أيّ ذنب حتى وإن كان الشّرك بالله، والذي هو من أعظم الذّنوب وأخطرها، فإنّه حين يتوب منها توبةً نصوحاً، فإنّ الله سبحانه وتعالى، يتفضّل ويتكرّم عليه بأن يقبل منه توبته، ويغفر له كلّ ما قام بارتكابه من المعاصي (2)، وأمّا التوبة النّصوح فإنّ لها شروطاً حتى تكون كاملةً وتامّةً، وهي على الوجه التالي: (3)
- الشّرط الأوّل: أن يكون المسلم مخلصاً في توبته، ومعنى ذلك أن يقصد بتوبته وجه الله عزّ وجلّ.
- الشّرط الثّاني: أن يقلع إقلاعاً تامّاً وخالصاً عن الذّنب الذي كان يقوم به.
- الشّرط الثّالث: أن يندم ندماً صريحاً على ما فعله وقام به.
- الشّرط الرّابع: أن يعزم على عدم الرّجوع إلى ذلك الذّنب مرّةً أخرى.
- الشّرط الخامس: أن تكون توبته قبل أن يصل إلى حال الغرغرة عند الموت.
علامات قبول التوبة
إذا وفّق الله سبحانه وتعالى العبد إلى أن يتوب قبل موته، فإنّه من المفترض أن تكون حالته دائماً ما بين رجاء أن تقبل توبته، وبين المخافة من عقاب الله عزّ وجلّ له، فإنّ جميع ذلك أدعى أن يغفر الله له ويرحمه، ولكن هناك علامات تؤنس المؤمن، وتدلّ على أنّ الله سبحانه وتعالى سيقبل التّوبة عن عبده، ومنها: (4)
- أن يجد الإنسان المسلم التائب حرقةً في قلبه، وذلك على كلّ ما فرط منه في جنب الله سبحانه وتعالى، وأن ينظر إلى نفسه بعين التقصير في حقّ الله سبحانه وتعالى.
- أن يكون المسلم أشدّ تجافياً وابتعاداً عن الذّنب الذي كان يقوم به، وعن الأسباب المؤدّية إليه، نائياً بنفسه عن كلّ هذه الموارد.
- أن يميل المسلم إلى الإقبال على ربّه ومولاه، وأن ينظر إلى توفيق الله سبحانه وتعالى له بالتوبة على أنّه نعمة عظيمة من أعظم وأجلّ نعم الله سبحانه وتعالى عليه، فيفرح بذلك، ويحافظ على هذه النّعمة، ويخاف ويخشى من زوالها، ويخشى عقوبة نكثها.
- أن يصاحب المسلم من كان من أهل الفضل والخير، ويقاطع كلّ أصدقاء السّوء، ومن لا خير له فيهم.
- أن يستمرّ المسلم على الاستقامة على دين الله سبحانه وتعالى.
- أن يوفق الله سبحانه وتعالى الإنسان إلى طاعته، فمن رأى أنّ الله يوفقه وييسر أمره للطاعات وإلى عمل الخيرات، وهو مخلص في نيّته في ذلك لله سبحانه وتعالى، فإنّ له أن يبشر، فإنّ هذا الأمر هو من دلائل رضا الله عنه في تلك الحال، ومن رأى في نفسه حبّاً للمعاصي، وإصراراً عليها، وعدم توفيق الله عزّ وجلّ له لكثير من الخير، فهذا والعياذ بالله من دلائل غضب الله عليه، فإنّ عليه أن يتدارك ذلك بتوبة نصوح لعلّ الله يوفقه إليها، فيختم له بخير.
ولكن في المقابل فإنّه ليس من علامات عدم قبول التوبة أن ترجع حال صاحبها إلى الأحوال التي زالت عن الشخص إليه، بل إنّ الله سبحانه وتعالى قد يقبل توبته، ثمّ لا يبسط له في رزقه مثل ما كان أولاً، المهم في ذلك كله أن يتوب المرء إلى الله سبحانه وتعالى بإخلاص وصدق، وأن ينيب إليه، فإن بسط له الله سبحانه وتعالى فذلك من نعم الله عليه، وإن لم يبسط له، فإنّه قد أنعم عليه نعماً أخرى، قد يكون هو غافلاً ولاهياً عنها، قال سبحانه وتعالى:" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا "، النحل/18.
حكم الزنا
لقد حرّم الله سبحانه وتعالى الزّنا، وحرّم جميع الطرق التي تؤدّي إليه في أكثر من آية، قال سبحانه وتعالى:" وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً "، الإسراء/32، وقال جلّ ذكره:" قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ "، النور/30، وقال سبحانه وتعالى:" الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ "، النور/2.
ويعتبر هذا الحدّ ثابتاً في حقّ البكر غير المحصن، وقد زادت السنّة النّبوية عقوبةً أخرى، وهي تغريبه سنةً كاملةً عن المكان الذي زنا فيه، قال صلّى الله عليه وسلّم:" خذوا عنّي خذوا عنّي، قد جعل الله لهنّ سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة "، رواه مسلم.
وأمّا من زنا وهو محصن فإنّ الحدّ عليه هو الرّجم حتى الموت، سواءً أكان رجلاً أو امرأةً، وللإحصان شروط ذكرها أهل العلم، ومن جملتها الوطء في القبل في نكاح صحيح حاصل من حرّ بالغ عاقل، وهناك خلاف بين العلماء حول الاقتصار على الرّجم فقط أم أنّه يجلد ثمّ يرجم، حيث مال أكثرهم إلى الخيار الأوّل، ومن هؤلاء: النخعي، والأوزاعي، ومالك، والشّافعي، وأصحاب الرّأي، وهو رواية عن أحمد، وأمّا الآخرون فقد ذهبوا إلى القول الثاني، ومنهم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو جار على الرّواية الأخرى عن أحمد.
أمّا فيما يختصّ بالجنين الذي جاء نتيجة لارتكاب فاحشة الزّنا، فإنّه يحرم أن يتمّ إجهاضه، فإنّه في حال خرج من بطن أمه حيّاً فليس بينه وبين أبيه من الزّنا نسب ولا توارث، وإنّما يتمّ نسبه إلى أمّه، وهو يرث منها وترث منه، وذلك للقاعدة الفقهيّة التي تقول: المعدوم شرعاً كالمعدوم حسّاً. (5)
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 8448/ الزنا: تعريفه العام والخاص/ 31-5-2001/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 132007/ التوبة من الزنا مقبولة بشروطها/10-2-2010/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(3) بتصرّف عن فتوى رقم 5450/ التوبة مقبولة بشروطها/ 9-2-2004/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(4) بتصرّف عن فتوى رقم 121330/ علامات يستأنس بها تدل على قبول التوبة / 9-5-2009/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net