-

نشأة دولة الموحدين

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

دولة المُوحّدين

هي دولة إسلاميّة تأسَّست في عام 515هـ/1121م على يَد (ابن تومرت)، وتُنسَب إلى جماعة إسلاميّة تُؤمن بأنَّ الله -تعالى- هو وحده فوق التشبيه، وهم يُنزِّهونه عن كلِّ تشبيه له بالخَلْق، وقد ضمَّت دولة المُوحّدين في أَوْج ازدهارها مساحة جغرافيّة كبيرة؛ حيث شملت المغرب العربيّ، وامتدَّت من مصر إلى الأطلسيّ، بالإضافة إلى الأندلُس (إسبانيا حاليّاً)، واستمرَّ عهد الدولة إلى عام 674هـ/1275م.[1]

نشأة دولة المُوحّدين

نشأت الدولة المُوحِّدية، أو دولة المُوحِّدين في القرن السادس الهجريّ، وكان ذلك على يَد شخص يُعرَف باسم (ابن تومرت)، وهو مُحمَّد بن عبد الله بن وجليد بن يامصال الذي لقَّبه الكثيرون ب(المهديّ)، وسانده في ذلك رجلان من أصحاب العِلم، وهما: أبو مُحمَّد عبد الله بن محاسن الونشريسيّ، وعبد المُؤمن بن علي التاجريّ الكوميّ الندروميّ، ومن الجدير بالذكر أنّ ابن تومرت اجتهدَ في دراسة اللُّغة، والدِّين في بلاد أوروبّا، والمشرق، وتبنَّى حركة دينيّة إسلاميّة تهدف في الأساس إلى إنشاء خلافة إسلاميّة ترجع بالأُمَّة الإسلاميّة إلى عهد الخُلفاء الراشدين، والتركيز على مبدأ التوحيد الخالص، ومن هنا جاء اسم الدولة (المُوحِّدية)، واسم الأنصار، والتابعين لها (المُوحِّدين)، وقد سعى ابن تومرت جاهداً؛ لنَشْر هذه الحركة الدينيّة، وأخذَ يجهر بها في كلِّ بلد يذهب إليه، ومنها العواصم العربيّة السياسيّة، والعِلميّة، مثل: مصر، وتونس، وطرابلس، وقسنطينة، ومراكش، وتلمسان، وفاس، وقد أيَّده في دعوته عدد كبير من الأتباع، ممّا مكَّنه من قيادة ثورة كبيرة، استطاع من خلالها الدعوة إلى الأصول الجامعة، والقضاء على الفروع، كما أنَّه أسَّس حكومته في المغرب العربيّ، وأضفى عليها الصبغة المهدويّة، والتأويل العقليّ.[2]

واستمرَّ ابن تومرت بحَشد الأنصار، والمُؤيِّدين لدعوته، إلى أن حَظِي بمُبايعة الأُمَّة المغربيّة له؛ لتولِّي الولاية في عام 516هـ، وذلك بعد أن استطاع القضاء على دولة المُرابطين في المغرب الأقصى، علماً بأنّه استمرَّ في ولايته إلى أن تُوفِّي في عام 524هـ، وقد استلم الحُكم من بعده عبد المُؤمن بن علي الذي وسَّع حُدود حُكمه؛ لتشمل المغرب الأقصى بأكمله في عام 541هـ، وأعلن بذلك عن نشوء دولة المُوحِّدين، كما وسَّع حُدود دولته، لتضُمَّ الأندلُس، وقُرطبة، وخاض معركة الأرك ضِدَّ الإسبان، وقضى على حُكم النورمان، والمُرابطين في مراكش، وتونس، وممّا يجدر ذِكره أنّ المغرب العربيّ تَوحَّد في عهد دولة المُوحِّدين على مذهب واحد هو مذهب الإمام مالك، وثقافة واحدة، واستطاع عبد المُؤمن بحِنكته العسكريّة تكوين جيش قويّ بلغ عدد جُنوده نحو النصف مليون مُقاتل.[2]

وتولَّى حُكم الدولة المُوحِّدية بعد وفاة عبد المُؤمن خليفته (أبو يُوسف يعقوب بن يُوسف المنصور) الذي بلغت الدولة في عهده عصرها الذهبيّ، وأَوْج ازدهارها؛ حيث بُنِيت القِلاع، والمساجد، والمُستشفَيات، وغيرها من مظاهر التطوُّر، واستمرَّ المنصور في حُكمه إلى أن تُوفِّي في عام 595هـ، واستلم الحُكم مَحلَّه ابنه (مُحمَّد الناصر)، وقد شَهِدت الدولة المُوحِّدية في عهده بداية سُقوطها؛ بسبب الهزائم المُتتالِية، واستمرَّت الدولة على ذلك إلى أن وقعت تحت حُكم بني مرين في عام 668هـ.[2]

النُّظم والتنظيمات في دولة المُوحِّدين

ضمَّت دولة المُوحّدين نُظماً سياسيّة، وإداريّة، وقضائيّة، وعسكريّة، شَأنها في ذلك شَأن الدُّول الأخرى، وفيما يأتي شرحٌ لكلٍّ من هذه النُّظم:[3]

  • النظام السياسيّ: حيث إنّ الخليفة هو رأس الدولة، وهو يُعرَف أيضاً ب(أمير المُؤمنين)، و(الإمام)، وقد تعاقب الخُلفاء على حُكم الدولة المُوحِّدية؛ فكان أوَّلهم ابن تومرت، وثانيهم عبد المُؤمن، ثمّ الأبناء من بني عبد المُؤمن، وكان كلُّ خليفة يحرص على إعداد وليِّ عهده إعداداً جيّداً، ويلجأ في مشورته في الأمور العسكريّة، والإداريّة، والاقتصاديّة إلى الهيئة الاستشاريّة التي اختلف تشكيلها من خليفة إلى آخر.
  • النظام الإداريّ: حيث تَمثَّل النظام الإداريّ في دولة المُوحِّدين بوجود عدد من الوزراء، مهمَّتهم هي تنفيذ أوامر الخليفة، وتعليماته، وعدد من الكُتَّاب، ومهمَّتهم مُعاوَنة الخليفة في إدارة شؤون الدولة، كما ضمَّ النظام الإداريّ مَنصِب الحاجب، وساعي البريد، ورجال الشُّرطة، وعدداً من الدواوين.
  • النظام القضائيّ: إذ ضمَّت دولة المُوحّدين نظاماً قضائيّاً قويّاً كانت مهمَّته الفصل بين المُتنازِعين، والمحافظة على الأمن في الدولة، حيث يتمّ تعيين القُضاة بأمر من الخليفة، وهم على صِنفَين: قاضي الجماعة؛ وهو الأعلى رُتبة، ويُمثِّل مُستشار الخليفة، وقاضي المُدُن؛ وهو الذي يحكم في المسائل القضائيّة الداخليّة، كما يُوجَد ما يُعرَف ب(المظالم)، ومَهمَّتها الفصل في القضايا التي عَجِز القضاء عن حلِّها.
  • النظام العسكريّ: ضمَّت دولة المُوحِّدين جيشاً قويّاً استطاع الحفاظ على أَمن الدولة، واستقرارها في عهد الخُلفاء الثلاثة الذين اهتمُّوا بالجانب العسكريّ، وقد تشكَّل الجيش المُوحِّدي من قبائل أمازيغيّة، وعربيّة، وقبائل الزناتة، والصنهاجة، وغيرها من القبائل الأخرى، أمّا قِيادة الجيش فقد كانت في يَد أبناء الخُلفاء، أو الشيوخ، أو أبناء الشيوخ.

أسباب سُقوط دولة المُوحِّدين

هناك عِدَّة أسباب رئيسيّة مهَّدت الطريق لسُقوط دولة المُوحّدين، ومن أهمّ هذه الأسباب:[4]

  • الاعتداد بالرأي: حيث ابتعد الخليفة الناصر عن تحقيق مبدأ المشورة، والاستماع إلى نُصح حُكماء، وشُيوخ دولة المُوحِّدين، واستبدَّ في رأيه، وممّا يُؤكِّد ذلك عدم استماعه إلى نُصح الشيخ (أبي حفص) بعدم ذهابه للقتال في الأندلُس.
  • إطالة حصار شلبطرة: حيث حاصر الخليفة الناصر حصن شلبطرة لمُدَّة طويلة بلغت نحو 8 أشهر، وقد كان لذلك نتائج سلبيّة كثيرة، من أهمّها: تأثُّر الجُنود المُوحِّدين؛ بسبب دخول الشتاء عليهم، ونفاد تموين المسلمين، ممّا أضعفَهم، وقلَّل من عزيمتهم لدُخول الحصن، ومن ناحية أخرى، استطاع النصارى استعادة قُوَّتهم، والتحضير لقِتال المسلمين، ووصول الدعم الصليبيّ من شرق أوروبّا.
  • الاغترار بالعدد: حيث اغترَّ الخليفة الناصر بعتاده، وكثرة جُنوده، علماً بأنّه أهمل تنظيمهم، وتقوية عزائمهم، ممّا أضعف جيش الدولة أمام جيش ألفونسو الذي كان مُنظَّماً، وقويَّ العزيمة.

المراجع

  1. ↑ دائرة المعارف العالمية، باحثون عرب، الموسوعة العربية العالمية (الطبعة الثانية)، السعودية: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، صفحة 371، جزء الرابع والعشرين. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت عبد الرحمن عبان، الشعر التعليمي في الأدب الجزائري القديم على عهد الموحدين، صفحة 18-23. بتصرّف.
  3. ↑ صديقي عبد الجبار، سقوط الدولة الموحدية دراسة تحليلية في الأسباب و التداعيات، صفحة 48-58. بتصرّف.
  4. ↑ وليد بزوجي، دولة الموحدين بعد موقعة العقاب، صفحة 125-129. بتصرّف.