أهمية الحوار في حياتنا
الحِوار
خلق الله تعالى الإنسان، وكرّمه عن باقي المخلوقات، وميّزه بالعقل والإرادة، وعليه يكون جزاؤه في الآخرة، وجعل الإنسان ذكراً وأنثى، واستخلفه في الأرض لعِمارَتِها، وتكوين مجتمعاتٍ يسودها العدل والخير، ولتحقيق ذلك كان لا بُدّ من تعارف البشر وتعايُشِهم معاً، يقول الله عزَّ وجلَّ : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)؛[1] فلا يمكن أن يُعمِّر الإنسان الأرض ويُنشِىء المجتمعات إلّا عن طريق تفاعُله الإيجابيّ مع الآخرين، ومن الأساليب الفعَّالة في بناء العلاقات بين البشر الحوار.[2]
معنى الحِوار
يُعرَّف الحِوار لُغةً بأنّه النِّقاش أو الحديث الذي يجري بين شخصَين أو أكثر،[3] ويُعرَّف اصطلاحاً بأنّه: محادثة بين شخصَين أو فريقَين حول موضوعٍ مُحدَّد؛ لكلٍّ منهما وجهة نظر خاصّة به، هدفها الوصول إلى الحقيقة أو إلى أكبر قَدَر مُمكن من تطابُق وجهات النّظر، بعيداً عن الخصومة أو التعصُّب، بطريقة تعتمد على العلم والعقل، مع استعداد كلا الطّرفين لقبول الحقيقة ولو ظهرت على يد الطّرف الآخر.[4]
حاجة الإنسان للحوار
جعل الله الإنسان قادراً على التّواصل منذ ولادته؛ وذلك ليكون قادراً على تأمين حاجاته البيولوجيّة والنفسيّة معاً، فهو يبدأ بالتّواصل بصريّاً مع مَن حولَه، ثمّ تتشكل الابتسامة كدليلٍ على تفاعله وتواصله مع المجتمع المُحيط، بعدها تتعالى الكلمات لتكون اللُّغة هي المفتاح الأساسيّ لتكوين العلاقات بين النّاس، وهذا ما يميّز الإنسان عن بقيّة الكائنات الحيّة؛ فالبشر بحاجةٍ إلى الحِوار أحد أهمّ وسائل التّواصل في مختلف مراحل حياتهم ومواقفهم الاجتماعيّة؛ فالحِوار هو لغة التّفاهم بين النّاس، وطريقة الوصول بهم إلى أهدافهم المَرجُوّة.[5]
وعلى الإنسان أن يبذل جهده لتعلُّم الحوار والتدرُّب عليه؛ ليكون حواره فعَّالاً مع الآخرين؛ وذلك لوجود الاختلافات بينهم؛ حيث تجعل كلّ شخص يتواصل ويتحدّث ويفهم بطريقة مختلفة عن الآخر، فقد قال الله عزّ وجلّ: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)،[6] فالناس بحاجة أساليب متعدّدةً ومهاراتٍ مختلفةً في التعامل مع بعضهم، وأهمّ هذه الأساليب هو فتح قنوات التواصل بين الطرفين؛ المبنيّة على الاستماع الفعَّال والتفاعل المشترك، ويكون ذلك من خلال اللغة اللفظية، أي الكلام المباشر، واللغة غير اللفظية التي تُسمّى لغة الجسد، وكلّما كان التفاعل بينهما أكثر كان الحِوار فعّالًا.
أهمية الحِوار
أهميّة الحوار في الحياة الشخصيّة والعمليّة
يُعدّ الحِوار من أهمّ ما يميّز البشر عن باقي المخلوقات، ويُعدّ ميزة ليس لذاته وإنما لما يُحقّقه من مقاصد خلق البشر على هذه الأرض؛فالحِوار يحقق أموراً عِدّةً، منها:[7]
- التآلف بين الناس ونشر المحبّة بينهم، ممّا يُساهم في وجود مجتمعات صالحة؛ لما يولّده الحِوار من راحة للناس، والقدرة على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم ضمن بيئة آمنة.
- بناء المجتمعات، فعن طريق الحِوار الفعَّال يتبادل أفراد المجتمع الأفكار والمعلومات، ويُقيّمونها، ويُعيدون بناءها، ممّا يساهم في تطوير المجتمع والأفراد.
- الحِوار أسلوب فعَّال في التواصل مع أفراد الأسرة الواحدة، فعندما يكون الوالدان متحاورَين جيّدَين مع أبنائهما، تكون لديهما الفرصة للتعرُّف على الجوانب الإيجابيّة والسلبيّة لديهما ولدى أبنائهما، ويمكنهم بذلك المساهمة في تغييرها وتعديلها، فالحِوار الأسري ضروريّ جداً لتكوين أسرةٍ مثالية.
- لا يمكن للعدالة أن تتحقّق إلا عن طريق استماع الأفراد وإصغائهم ونقاشهم لأيّ قضيّة أو مشكلة ما مشتركةٍ بينهم، فعدم وجود حوار فعَّال يعني حقيقةً ناقصةً، وعدالةً مُشوَّهةً.
- تبادل المعلومات والثقافات والخبرات بين الناس، فلا يمكن تعلّم الخبرات وتبادلها إلا بالحِوار، ممّا ينعكس إيجابيًا على رُقيِّ المجتمعات وتقدّمها .
أهميّة الحِوار في الحياة الأُسَريِّة
يوصي الدكتور جون غراي بتجنذُب الجدالات بين الزوجين؛ لأنّ الجدالات تُدمّر الحياة العاطفية بينهما، فعادةً ما يتحوّل الخلاف إلى نقاش ثم يحتدم ليصبح جدالاً يؤثر سلباً على نفسيّة كلا الطّرفين، ولا يؤدّي إلا إلى جرح مشاعر بعضهما البعض،[8] ويطرح في المقابل طريقةً أخرى لحلّ الخلافات بين الزوجين تقوم على الحِوار المُتبادَل، فبدلاً من الجدال وجرح المشاعر يبنغي على كلا الطرفين أن يوضّحا ما يريدان، وأن يُعبِّرا عن مشاعرهما بهدوء؛ فالرجال والنساء مختلفون في طبيعتهم، والطريقة المُثلى لتفادي الجدالات العنيفة هي الاتصال الودِّي القائم على الحِوار والاحترام؛ لأنّه مع غياب الاحترام سيشعر الطرف الآخر بالإهانة، ممّا يُغلق أيّ باب للتفاهم والحِوار.[8]
وفائدة الحِوار في هذه الحالة هي فهم حقيقة المشاعر التي ينبني عليها الخلاف، ومن ثم تفهُّمها وتقبُّلها، ومحاولة الوصول إلى حلّ مُشترك. ويعُدّ الدكتور جون غراي أنّ هناك سلوكياتٍ تُدمِّر إمكانيّة الحِوار ينبغي تجنُّبها، مثل: المباشرة بالقتال والانتقام، أو الانسحاب من الجدل، ممّا يورِث ندوباً دون فائدة؛ حيث ينبغي أن يتَّخذ الإنسان حلّاً وسطاً بين الاثنين.[8]
ويشير ريتشارد كارلسون إلى أنّه من أساسيّات تجاوز المشاكل بين الزوجين الحِوار والإنصات للطّرف الآخر، ويُذكَر أن النساء بشكل خاص يحتجن إلى أن يتمّ الإنصات لهُنّ من قبل أزواجهن، وذلك دون إقامة الحواجز بين الطرفين أو توجيه الأحكام المتسرِّعة، بل الحِوار القائم على الاستماع والإنصات للطرف الآخر.[9]
أهمية الحِوار للعقل
يعدّ المفكر طه عبد الرحمن أنّ للحوار مكانةً أساسيّةً في تطوير معارف الإنسان ومداركه، وذلك من نواحٍ ثلاث:[10]
- الناحية الأولى: الحِوار يفتح المدارك على الطرق المختلفة المُؤدّية إلى الحقيقة؛ فالطريق إلى الحقيقة ليس واحداً، بل هناك عدّة طرق، وإذا حصر الإنسان نفسه في أفكاره فسَيحرِم نفْسه من الطرق الأخرى التي تؤدّي إلى الحقيقة، والتي تستبين للإنسان بالحِوار مع الآخرين، وتبادل المعرفة والأفكار.
- الناحية الثانية: الحِوار يردم حدّة الخلاف القائمة بين الأفكار، فمع تبادل الأفكار والحِوار تتقلّص الفجوة بين الطّرفين المختلفين، بل قد يتطوّر ذلك إلى تبنّي أفكار الآخر المُخالِف، واستعمالها كأدلَّةٍ جديدةٍ لأفكار جديدة، وكما يقول المفكر طه عبد الرحمن: إذا كان الخلاف هو المرض، فإن الحِوار هو الدّواء.
- الناحية الثالثة: الحِوار يساهم في تعميق أفكار الفرد ومداركه؛ فعقل الإنسان يتقلّب ويتغيّر في إدراكه للأشياء، وهو ما لا يتمّ إلا بالتعرُّف على الأفكار الجديدة المُخالِفة، والتعرُّف على ما يملكه الآخر بدلاً من الجمود والرّكون لما هو موجود.
العناصر الأساسيّة للحِوار الفعّال
يمكن أن يكون الحِوار سلبيًا وفاشلًا إذا كان مبنيّاً على طرح أفكارٍ وأمورٍ من طرفٍ واحد، مع عدم احترام الطرف الآخر، واستخدام الألفاظ السيّئة والتعبيرات الجسديّة القاسية؛ ليتوقف عن كونه حواراً ويصبح جدالاً أو صراعاً، لا يؤدّي إلا إلى تدمير العلاقات، وذلك على عكس الحوار الإيجابيّ الذي يهدف في الأساس إلى بناء العلاقات وتطويرها.[11]
ويجب أن تتوفّر عدّة عناصر؛ ليكون الحِوار إيجابيّاً فعّالاً بنّاءً، وهي كما يأتي:[11]
- احترام الآخر
- أن تكون البيئة مناسبةً للحوار
- معرفة السبب الأساسيّ للتّواصل مع الآخر
- التواصل البصريّ مع الآخر.
- الغنتباه إلى أيّ استجابات لفظيّة أو جسديّة من الآخر.
- توفير وقت مناسب للإنصات الفعَّال.
- مُناقشة الآخر والاهتمام بردود أفعاله؛ ليكون النقاش من طرفين.
- إدخال الدُّعابة والمتعة أثناء الحِوار.
المراجع
- ↑ سورة الحجرات ، آية: 13.
- ↑ اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل (2008)، ميثاق الأسرة في الإسلام (الطبعة الأولى)، عمان- الأردن: جمعية العفاف الخيرية، صفحة: 102.
- ↑ "معنى كلمة حوار"، المعاني.
- ↑ بسام عجك (1418 هـ)، الحِوار الإسلامي المسيحي (الطبعة الأولى)، دمشق: دار قتيبة، صفحة: 20.
- ↑ شفيق علاونه (2004)، سيكولوجية التطور الإنساني من الطفولة إلى الرشد (الطبعة الأولى)، عمان-الأردن: دار المسيرة، صفحة: 239.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 13.
- ↑ حسين جلوب (2010)، مهارات الاتصال مع الآخرين (الطبعة الأولى)، عمان-الاردن: دار كنوز المعرفة، صفحة: 22.
- ^ أ ب ت جون غراي (2004)، الرجال من المريخ والنساء من الزهرة (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة جرير، صفحة: 211-212.
- ↑ ريتشارد كارلسون (2004)، لا تهتم بصغائر الأمور (الطبعة الخامسة )، الرياض: مكتبة جرير، صفحة: 29-30.
- ↑ طه عبد الرحمن (2011)، حوارات من أجل المستقبل (الطبعة الأولى)، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، صفحة: 7-8.
- ^ أ ب حسين جلوب (2010)، مهارات الاتصال مع الآخرين (الطبعة الأولى)، عمان- الأردن: دار كنوز المعرفة، صفحة: 26.