أهمية العمل في الإسلام
الإسلام والعمل
راعى الإسلام ضروريات الحياة البشرية بتنوّعها، ولم يتعارض مع فطرة الناس التي فطرهم الله عليها في أيِّ جزئيّةٍ منه، وكذلك لم يُضيّق عليهم في كسب الرزق ما دامَ الرزق من حلالٍ وفي حلال، ولم يعتبر الإسلام العمل إلا إن كان فيما يعود بالنفع على الناس ولا يُلحق بهم الضرر كأفراد أو مجتمعات، فليس من الدين أن يتمّ الاتجار بما يجلب الضرر للناس، كالعمل في تجارة المُخدّرات على سبيل المثال، ولا يُعتبَر هذا عملاً مشروعاً، ومِن هُنا يدرك المسلم أنَّ الدين إنما أباح العمل ما دامَ فيه الخير والنفع للناس، وفيه تحقيقٌ للمصالح العامّة والخاصّة، فما هي أهمية العمل في الإسلام؟ وكيف دعا الإسلام إلى العمل؟
تعريف العمل
- العمل في اللغة: مأخوذٌ من المصدر عَمِلَ يَعمَلُ عَمَلاً، ويقال لمن يقوم بالعمل؛ عامل، والعمالة: هي الأجر على العمل، والعملة: هم القوم الذين يعملون بأيديهم أنواعاً من العمل، كالحفر أو الطي، أو غير ذلك.[1]
- العمل في الاصطلاح: هو جميع ما يقوم به الإنسان من الأنشطة المُختلفة في شتى مجالات الحياة الاقتصاديّة، أو الاجتماعيّة، أو السياسيّة، أو الثقافيّة بهدفٍ محددٍ غير التسلية.[1]
أهميّة العمل في الإسلام
أهمية العمل
إن الهدف والغاية من العمل في المنظور الإسلامي لا تنحصر فقط في كسب المال وجمعه، بل إن للعمل مجموعةً من الغايات والأهداف التي تجعل له من الأهمية ما يفضُل حتى على الكثير من العبادات، حيث أن الأصل في العمل أنه عبادةٌ وقُربةٌ يتقرَّب بها العبد من ربه بنية تحصيل قوت عياله وتأمينهم بما يلزمهم، وفيما يلي بيان أهمية العمل وجه النظر الإسلامية ثم يلي ذلك كيفية حث الإسلام عليه من خلال القرآن والسنة:[2]
- العمل في الإسلام له العديد من المعاني التعبُّديّة، خصوصاً إن كان مقروناً بنيةٍ حسنة، كأن يؤمِّن مالاً ينفقه على عياله ويتصدَّق به على الفقراء والمساكين، بل إنّ أجر العمل إن كان مقروناً بمثل تلك النوايا، فإنّه يربو عن بعض العبادات النافلة والطاعات.
- في العمل يتحقق الأمن الاجتماعي بين الناس مما يؤدي إلى التوازن النفسي في المجتمع المسلم على مستوى الفرد والجماعة.
- العمل في الإسلام يُمثِّل أحد أهمِّ معايير التقييم المجتمعي للأفراد؛ فإن كان الفرد عاملاً مُنتجاً دلَّ ذلك على ثقافته ووعيه، وإن كان متعطلاً عاجزاً دلَّ على قلة وعيه، حتى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا رأى غلاماً فأعجبه سأل: هل له حرفة؟ فإن قيل: لا، قال: سقط من عيني.
حكم العمل في الإسلام
سبقت الإشارة إلى أهمية العمل في الإسلام والقيم المستمدّة منه، وكان من أهمية العمل وقيمته في الإسلام أن جُعل طلبه مقدماً على الكثير من الأمور الأخرى بل حتى على العبادة من غير الفريضة؛ حيثُ يرى أهل العلم أنّ العمل وطلب الكسب والسعي له واجبٌ مفروضٌ على كل مسلمٍ قادرٍ عليه، ثم يتدرَّج الحكم بحسب حال طالب الكسب إلى عدّة أقسام هي:[2]
- الكسب المفروض: وهو كسب المكلَّف بقصد تأمين قوته وقوت عياله؛ مما يؤمِّن له قضاء دَينه وإشباع حاجاته الأساسية بقدر الكفاية
- الكسب المستحب: ويُقصد به الكسب الذي يبلغ به المسلم الزيادة عن أدنى الكفاية؛ ليواسي بتلك الزيادة فقيراً جائعاً أو يعطيه قريباً كنوعٍ من التحبُّب، وهذا النوع أفضل من الخلوة لتأدية النوافل من العبادات عند بعض أهل العلم.
العمل في القرآن الكريم والسنة النبوية
وردت الكثير من النصوص الصحيحة في كتاب الله عزَّ وجلَّ والصريحة في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تُشير إلى أهمية العمل ومكانته في الإسلام، وتحثُّ كذلك عليه والسعي في الأرض لتأمين الرزق والقوت للمسلم المُكلَّف ومن يُعيل، ومن تلك النصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يلي:
- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فإذا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)،[3] فقد دعت الآية السابقة إلى طلب البيع والشراء والتوجه إلى العمل فور الانتهاء من أداء صلاة الجمعة المفروضة؛ بغية الوصول إلى تأمين الرزق للمسلم والتماس الكسب الحلال بالطرق المشروعة من خلال العمل؛ مما يدلُّ على اقتران العمل وطلب الرزق بأهم الفرائض التي هي الصلاة.[4]
- قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)،[5] فقد حثَّ الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية صراحةً على طلب الرزق والسعي له بالعمل وعدم الركون للراحة، وتُشير الآية كذلك أنّ الله -سبحانه وتعالى- قد ذلّل الأرض لعباده لسهولة طلب الرزق والعمل؛ إذ يُشير ذلك إلى أهمية العمل في الإسلام.[6]
- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ)،[7] إذ إنّ أساس الحياة كما تُشير الآية هو العمل والسعي في طلب الرزق وتحصيله، والكدِّ لأجل ذلك.[8]
- قول الله سبحانه وتعالى: (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)،[9] فقد يسّر الله سبحانه وتعالى لعباده السُّفن في البحر لسهولة تحصيل الرزق من شتى بقاع الأرض، فإنّ تلك السفن تقرِّب المسافات وتُيسّر من طرق تحصيل الرزق، وتوسِّع من دائرة طلب العمل في البر والبحر، ويدلُّ ذلك على رحمة الله بعباده؛ ممّا يُشير إلى ضرورة العمل وأهميّته في شتى المجالات.[8]
تلك بعض النصوص والواردة في كتاب الله والتي تُشير إلى أهمية العمل وقيمته في الإسلام، أما من السنة النبوية، فقد ورد فيها الكثير من النصوص التي تدعو للعمل وتحثُّ على طلب الرزق والسعي له، ومن تلك النصوص ما يلي:[8]
- يروي المقدام بن معد يكرب الكندي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيراً من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه)،[10]فالحديث يُشير إلى تفضيل العمل وأهميته، وإنّ من خير ما يأكله المسلم ما يكون من نتاج يده وكدِّه.
- رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ)، فإن هذا الحديث يُثبت أهمية العمل بطريقٍ أخرى؛ حيث إنّ جميع الأنبياء كما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- قد رعوا الغنم، وفي مقدمتهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث ثبت أنّه رعى غنم أهل مكة مقابل قراريط يسيرة من المال.
المراجع
- ^ أ ب "العمل و أحكامه "، مجلة البحوث الإسلامية .
- ^ أ ب معاذ الخطيب (16-2-2009)، "أهمية العمل في الإسلام"، دربنا، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2017.
- ↑ سورة الجمعة ، آية: 9-10.
- ↑ محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2000)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 385، جزء 23. بتصرّف.
- ↑ سورة الملك، آية: 15.
- ↑ أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (1420)، البحر المحيط في التفسير (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الفكر، صفحة 225، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ سورة الانشقاق، آية: 6.
- ^ أ ب ت محمد راتب النابلسي (20-7-1992)، "كسب الرزق"، موسوعة النابلسي، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 66.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المقدام بن معد يكرب الكندي، الصفحة أو الرقم: 2072.