الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين
الخلافة
بعد وفاة النّبي محمّد -عليه الصّلاة والسّلام- في السّنة الحادية عشرة للهجرة، اجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة يحكمُ المسلمين بعد رسول الله، وقد اتّفق المسلمون بعد مشاوراتٍ وسجالاتٍ سياسيّة على اختيار الصّديق أبي بكر -رضي الله عنه- لتبدأ منذ تولّيه الخلافة فترة الخلافة الرّاشدة التي تعاقبَ عليها أربعة خلفاء راشدون من أكابر الصّحابة وأفضلهم، وقد استمرّت الدّولة الإسلاميّة الرّاشدة ما يقارب ثلاثينَ سنة، مثّلتْ أزهى فترات التّاريخ الإسلاميّ من نواحي كثيرة، فما هي مظاهر الدّولة الإسلاميّة في عهد الخلفاء الرّاشدين.
الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين
النّاحية الإداريّة والتّنظيميّة
ابتدأت مرحلة تنظيم الدّولة الإسلاميّة إداريّاً منذ عهد الفاروق عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، حيث كانت فترة خلافة الصّديق أبي بكر قصيرة لم تتجاوز السّنتيْن، فضلاً عن انشغاله بإخماد فتن المرتدّين في أنحاء الجزيرة العربيّة، وقد ابتدأ عمر -رضي الله عنه- تنظيم الدّولة الإسلاميّة من خلال وضع سياسةٍ واضحة في اختيار الولاة وقادة الجيوش بناءً على معاييرِ العدالة والتّقوى والأهليّة.
أنشأ أيضاً الدّواوين التي تُعنى بتنظيم شؤون الدّولة، فجعل ديواناً للجندِ وديواناً للخراج وغير ذلك، كما طوّر عمر -رضي الله عنه- مفهوم بيت المال محدّدًا وجوه الإنفاق وسبل جمع الأموال وتنظيم صرفها لمستحقّيها، ولقد سار الخلفاءُ من بعد عمر على هذا النّهج وتلك السّياسة، وإن اختلفوا عنه في بعض الأمور.
الناحية العسكرية
عنيت الدّولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين عنايةً كبيرة بموضوع الجند وتجهيز الجيوش، فالدّولة القويّة تحتاج إلى جيشٍ قويّ قادر على الدّفاع عنها، وكذلك الدّعوة الإسلاميّة تتطلّب جيشاً جراراً يحملُ على عاتقه مهمّة حمل رسالة الإسلام إلى البشريّة جمعاء، لذلك قامت الجيوش الإسلاميّة في عهد الخلفاء الرّاشدين بمهمّة الفتوحات الإسلاميّة للبلدان، وقد مثّل عهد الفاروق عمر -رضي الله عنه- ذروة تلك الفتوحات حينما فتحت الشّام، والعراق، وبيت المقدس، وبلاد فارس، ومصر، واستمرّت الفتوحات بعدها في عهد الخلفاء بعدها، لتشملَ مناطق أخرى في شمال أفريقيا، وأرمينيا، وسجستان.
السلم الأهلي والتّعايش المجتمعي
كانت الدّولة الإسلاميّة في عهد الخلفاء الرّاشدين مثالاً للتّعايش السّلميّ بين الأكثريّة المسلمة والأقليّات الأخرى من يهودٍ ونصارى، وقد تسلّلت الفتنة إلى أركان الدّولة الإسلاميّة بعد مقتلِ الخليفة عثمان -رضي الله عنه-، حيث بدأت الخلافاتُ والنّزاعات تدبّ في أوصالها، وعلى الرّغم من ذلك كانت السّمة الغالبة للدّولة الإسلاميّة في عهد الخلفاء الرّاشدين أنّها كانت دولةً عادلة راشدة، تسوس النّاس بشرع الله وقيم وأخلاقيّات الإسلام بعيدًا عن الفساد والظلم والانحلال.