-

فقه الإمامة في الصلاة

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الإمامة في الصلاة

إنّ من معاني الإمامة الاقتداء، وقد سُمّي الإمام إماماً؛ لأنّه قُدوةٌ، والإمامة مبدأٌ عظيمٌ من مبادئ الشريعة الإسلاميّة، تُقسم إلى قسمين: الإمامة الصغرى والإمامة الكبرى، أمّا الكبرى؛ فهي إمامة المسلمين وتولّي أمورهم، وأمّا الصغرى؛ فهي تقدّم رجلٍ يقتدي به الناس في صلاتهم، وبذلك يكون إمام المسلمين الأول؛ هو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإنّ للإمامة في الشريعة الإسلاميّة فضلٌ عظيمٌ يتمثّل في عدّة أمورٍ، ومنها: أنّ على الإمام أن يكون على قدرٍ كبيرٍ من الخير؛ فهو في نظر المصلّين مثالٌ يُحتذى به في الأخلاق الكريمة؛ فيجب احترامه ومساعدته على تحمّل هذه الأمانة وتقديم النصح له إذا قصّر بأداء واجبه وإحسان الظنّ به والابتعاد عن تتبع زلّاته وأخطائه، يقول الله عزّ وجلّ: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)؛[1] أيّ أنّ الصبر على طاعة الله -عزّ وجلّ- والابتعاد عن كلّ ما نهى عنه، وهو الطريق المُوصل إلى اليقين، وهو العلم الكامل الذي يستوجب العمل، وممّا يرقى بالإمامة في الإسلام، مباشرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لهذه المهمّة بنفسه والخلفاء الراشدين من بعده، وأمّا من يستهين بهذه المهمّة فعلى عاتقته مسؤوليّة المصلّين خلفه، يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (يصَلُّونَ لكُم، فإنْ أصَابُوا فلَكُم، وإن أخْطَؤوا فلَكُم وعليهِم)،[2] أي أنّ الإمام إذا أصاب في صلاته فالأَجر للإمام وللمصلين، وإن أخطأ فعليه الذنب وللمصلين الأجر.[3]

شروط الإمامة في الصلاة

الإمامة في الإِسلام شرفٌ عظيمٌ يحظى به من توافرت به شروط الإمامة التي نصّ عليها الفقهاء وذكروها، ومن هذه الشروط ما يأتي:[4]

  • أن يكون الإمام مسلماً، وبذلك لا تصحّ الصلاة إن كان الإمام كافراً معلناً لكفره أمام الناس، أما إن لم يُعرف كفره، فالصلاة صحيحةٌ.
  • أن يكون عاقلاً، فلا تصحّ إمامة ذاهب العقل؛ كشارب الخمر، والمجنون؛ لأنّ المجنون لا تصحّ صلاته لنفسه، ولا تُطلب منه، فلا يُعقل أن تُبنى عليها صلاة للناس.
  • أن يكون الإمامُ بالغاً، ذهب جمهور الفقهاء إلى اشتراط البلوغ في صلاة الفرض، فلا تصحّ عندهم من غير البالغ؛ لعدّة أسبابٍ، منها: أنّ صلاة غير البالغ تعدّ نافلةً ولا يُبنى على النافلة فرضٌ، أمّا غير الفرض مثل صلاة التراويح، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى صحّة إمامة الصبيّ غير البالغ؛ لأنّها نافلةٌ في حقّه وفي حقّهم.
  • تُشترط الذكورة في إمامة الرجال فلا يمكن أن تؤمّهم امرأةٌ، وهذا ما اتّفق عليه بين الفقهاء، وإمامتها للنساء صحيحةٌ عند جمهور الفقهاء.
  • أن يكون الإمام مُتمكّناً من القراءة المجوّدة الصحيحة، وحافظاً للقدر الذي تصحّ معه الصلاة، مُتقناً لفاتحة الكتاب، ويُقدّم للإمامة الأحفظ للقرآن الكريم، يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إذا كانوا ثلاثةً فليُؤمُّهم أحدُهم، وأحقُّهم بالإمامةِ أقرؤهم).[5]
  • يُشترط في الإمام أن يكون سالماً من الأعذار؛ كالجرح السائل، والرعاف، وغيره، وتصحّ إمامة صاحب العذر لمثله.
  • أن يكون قادراً على القيام بجميع أركان الصلاة مع وجود النيّة عند الإمام أنّه الإمام، وعند المأموم بأنّه المأموم.

آداب الإمامة

للإمامة عدّة آدابٍ يجب مراعاتها من الإمام والمأمومين، فالإمام قدوةٌ للمصلّين في أقواله وأفعاله، فعليه التزام هذه الآداب حتى يُؤدّي مهمّته على أكمل وجهٍ، ويكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشرّ؛ فأيّ تقصيرٍ يقوم به يُنقص من ثوابه عند الله عزّ وجلّ، وتتمثل هذه الآداب فيما يأتي:[6][7]

  • أن تكون لدى الإمام معلوماتٌ كافيةٌ عن أحكام الصلاة وأمور الدين بالعموم، وأن يتقن اللغة العربيّة، وأن يكون لديه لسانٌ بليغٌ.
  • أن يكون على قدرٍ من النباهة والذكاء، وألّا يكون مجاهراً بالمعصية؛ وذلك أدعى لقبول الموعظة والنصح منه، ويحرص على ألّا يُنفّر الناس من المسجد.
  • ألّا يقبل من الناس الأجر على إمامته لهم؛ لأنّه بهذا الفعل قد يُستهان به بين الناس، ويعتني بالمسجد عنايةً كبيرةً، ويؤدّي الصلاة في وقتها المحدّد.
  • أن يُحسن إلى المأمومين ويطمئنّ على أحوالهم ويُألّف بين قلوبهم قدر المستطاع؛ فيتفقّد المحتاجين منهم ويُعين المرضى، وأن يحزن لحزنٍ أصابهم، وأن يشاركهم أفراحهم، ولا يُفرّق بينهم في المعاملة.
  • أن يحرص الإمام على أن تكون صلاته تامّةً غير ناقصةٍ، وأن تكون خفيفةً على المصلّين، فلا يُطيل ويُتعب المصلين، ولا يُنقِص منها ويعجّل فيها فتكون كنقر الديك، ويحرص على تحقيق الاطمئنان، وأن تكون صلاته معتدلةً، يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ما صلَّيتُ وراءَ إمامٍ قطُّ، أَخَفَّ صلاةً ولا أَتَمَّ، من النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وإن كان ليَسْمَعُ بكاءَ الصبيِّ فيُخَفِّفُ، مخافةَ أن تُفْتَنَ أُمُّهُ).[8]
  • أن يكون صوته حَسْنٌ يجلب الأسماع إليه دون تكلّفٍ في القراءة، بحيث يغلب تجميل الصوت على تدبّر الآيات، فيكون جمال الصوت نابعٌ من تدبّر الآيات وليس العكس، وأن يُنوّع في السور التي يتلوها في الصلاة.
  • أن يهتم الإمام بتسوية صفوف المصلّين، كما كان يفعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِ مِنْ تَمامِ الصَّلاَةِ).[9]
  • أن يكون حريصاً على عمل حلقاتٍ لتحفيظ القرآن الكريم؛ لتنشئة جيلٍ قرآنيٍّ مميّزٍ مرتبطٍ بدينه ووطنه مُنتمي لأمّته؛ فالقرآن غذاءٌ روحيٌّ، وتعليمه يجب أن يكون أولويّةً في الأسرة المسلمة.
  • على الإمام أن يحافظ على الصلوات الخمس في وقتها، وألّا يتخلّف عنها إلّا لأمرٍ قاهرٍ، فهو بشرٌ ولا تخلو الحياة من طارئٍ، قد يمنعه في بعض الأوقات.

المراجع

  1. ↑ سورة السجدة، آية: 24.
  2. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 694، صحيح.
  3. ↑ سعيد القحطاني (20-11-2012)، "فضل الأذان والإمامة وثواب الأئمة والمؤذنين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-11-2018. بتصرّف.
  4. ↑ مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 202-207، جزء 6. بتصرّف.
  5. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 672، صحيح.
  6. ↑ "إمام المصلين ما له وما عليه"، fatwa.islamweb.net، 12-1-2005، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2018. بتصرّف.
  7. ↑ د.أمين الشقاوي (18-5-2014)، "الإمامة حقوقٌ وواجبات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2018. بتصرّف.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن انس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 708، صحيح.
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 433، صحيح.