-

سيد الاستغفار وفضله

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

فَضْل الاستغفار

أوصى الله -تعالى- عباده بالاستغفار لعلمه أنّ الإنسان يقه بالذّنوب عن قصدٍ أو من غير قصد، فإذا كان الخطأ من صفات الإنسان فالواجب عليه أن يداوم على الاستغفار حتّى يجلو ذنوبه أوّلاً بأوّل، ومن الآيات القرآنيّة التي ترشد المسلم إلى الاستغفار قول الله تعالى: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)،[1] وأوصى الله -تعالى- نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بالاستغفار، وقد غُفِر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر؛ حيث قال الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)،[2] وقد سمّى الله -تعالى- نفسه بالغفور والغفّار وغافر الذنب، حتّى يُخبر النّاس بأنّه يغفر الذّنوب إذا تقدّم العبد بالاستغفار على ما قام به من المعاصي، والاستغفار هو طلب المغفرة من الله -تعالى- والسّتر في الدنيا والآخرة، والاعتراف بالذّنب والتقصير في حقّ الله تعالى، وورد في القرآن الكريم صِيَغ الاستغفار التي قام بها الأنبياء عليهم السّلام، ومن ذلك استغفار آدم وحوّاء على ذنبهما، حيث قال الله تعالى: (قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ).[3][4]

سيّد الاستغفار وفضله

ورد الاستغفار من الرّسل -عليهم السّلام- بعدّة أوجه، وإنّ أفضل ما ورد من صِيغ الاستغفار ما أوصى به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأُطلق عليه: سيّد الاستغفار، وهو قول: (اللَّهمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلَّا أنتَ، خَلقتَني وأَنا عبدُكَ، وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطعتُ، أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ، أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ، وأبوءُ لَكَ بذنبي فاغفِر لي، فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ)،[5] وانفردت الصِيغة السابقة بالتّفضيل والعلوّ على ما سواها من الصِيغ لعدّة أمور وردت فيها؛ منها:[6]

  • الإقرار لله -تعالى- وحده بالعبوديّة والألوهيّة.
  • الإقرار والاعتراف بإتمام العهد الذي قطعه الإنسان أمام ربّه عزّ وجلّ.
  • رجاء العبد من الله -تعالى- بأن يُعينه على الوفاء بعهده.
  • استعاذة العبد من شرّ ما قد يقع فيه من الأخطاء والزّلات.
  • إقران النّعم والفضل بالله تعالى، وإقران الذنب والمعاصي بالعبد.
  • الرّغبة بالمغفرة والإقرار بأنّ لا أحد يستطيع مغفرة الذّنوب إلّا الله تعالى.

وختم الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- نصّ الاستغفار بقوله: (ومَن قالَها منَ النَّهارِ موقناً بِها، فماتَ من يومِهِ قبلَ أن يُمْسيَ، فَهوَ من أَهْلِ الجنَّةِ، ومن قالَها منَ اللَّيلِ وَهوَ موقنٌ بِها، فماتَ قبلَ أن يُصْبِحَ، فَهوَ من أَهْلِ الجنَّةِ)،[5] فمن ردّد نصّ الاستغفار مُوقناً بوحدانيّة الله -تعالى- واستحقاقه للعبادة والطاعة، ومُوقناً أيضاً برحمة الله -تعالى- وعفوه وعطائه وفضله المتواتر على العبد، واعتراف العبد بتقصيره وبذنوبه، واستشعار إقراره بعهد الإيمان والطّاعة الذي تعهّد به لله تعالى، وسؤال الله -تعالى- بأن يعين العبد على أداء هذا العهد على أكمل وجه من غير تقصير، ثمّ استعاذته بالله -تعالى- من شرّ ما صنع الإنسان أو جلب لنفسه من سوء، ومن ثمّ الإقرار بالإثم والذّنب واستغفار الله -تعالى- مع العلم بأنّه يغفر الذّنوب مهما كانت عظيمة ويقبل التّوبة، فإذا حصّل الإنسان جميع المعاني السّابقة في استغفاره استحقّ فَضْل الدّعاء، كما ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه من قاله مُوقناً به ثمّ مات فهو من أهل الجنّة.[6]

قال ابن القيّم الجوزيّة -رحمه الله- في فَضْل الاستغفار إنّه إذا استقرّ في نفس الإنسان الاعتراف بنِعم الله -تعالى- عليه وبارتكابه الذّنوب؛ كان هذا طريقاً لتمام العبوديّة وسلامتها من الآفات، فيرتقي في درجات الإيمان، وتهون عليه نفسه ويتواضع لله تعالى، ممّا يُوصل إلى كمال العبوديّة، ولذلك فمن الجائز أن يردّد المسلم سيد الاستغفار في كلّ وقت وفي أي حال، لكنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- خصّ أوقاتاً معيّنة مسّتحبة ليردد المسلم سيد الاستغفار؛ منها: أدبار الصّلاة المكتوبة، ويذكر كذكر من أذكار الصّباح والمساء.[6]

آثار الاستغفار في حياة المسلم

إنّ للاستغفار آثار عظيمة وفوائد جليّة يلمس أثرها الذي يُكثر من الاستغفار ويداوم عليه، وفيما يأتي بيان بعض الآثار المترتّبة على الاستغفار:[7]

  • الاستغفار يعدّ جلاءً للذّنوب ودواء لها، كما أنّه يعدّ سبب مباشر للتخلّص من آثارها السيّئة؛ حيث قال الله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا).[8]
  • المتاع الحَسن في الدنيا والفضل العظيم في الآخرة؛ دلّ على ذلك قول الله تعالى: (وَأَنِ استَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ توبوا إِلَيهِ يُمَتِّعكُم مَتاعًا حَسَنًا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤتِ كُلَّ ذي فَضلٍ فَضلَهُ وَإِن تَوَلَّوا فَإِنّي أَخافُ عَلَيكُم عَذابَ يَومٍ كَبيرٍ).[9]
  • إنزال المطر والإمداد بالقوّة؛ فترك الذنوب والإقبال على الاستغفار من عوامل نزول الغيث وخصوبة الأرض والبركة في الأرزاق؛ حيث قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).[10][4]
  • استجابة الدّعاء؛ حيث قرن الله -تعالى- بين الاستغفار وبين إجابة الدّعوات فقال: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ).[11]
  • جَلْب الخيرات والنّعم وإبعاد النقم والمصائب.
  • إهلاك الشّيطان؛ فالشّيطان يتمتّع بإغواء الإنسان، والإنسان يهلكه بتوبته واستغفاره وإنابته إلى الله تعالى.
  • إيجاد حلّ للمشاكل الصعبة؛ حيث قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بأن مَن أعيته مسألة واستصعب حلّها ولجأ إلى الاستغفار والتّوبة فتتيسّر له الأمور وتحلّ مشاكله.
  • انشراح الصدر وحصول السّكينة والرّاحة؛ حيث ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (من أكثرَ من الاستغفارِ جعل اللهُ لهُ من كلِّ همٍّ فَرَجاً ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً ورَزَقَهُ من حيثُ لا يحتسبُ).[12]
  • حصول الأجر للعبد المستغفر بتعبّده باسم من أسماء الله -تعالى- الحسنى؛ وهو اسم الغفّار.

المراجع

  1. ↑ سورة البقرة، آية: 199.
  2. ↑ سورة محمد ، آية: 19.
  3. ↑ سورة الأعراف، آية: 23.
  4. ^ أ ب "فضل الاستغفار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-21. بتصرّف.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن شدّاد بن أوس، الصفحة أو الرقم: 6306، صحيح.
  6. ^ أ ب ت "سيد الاستغفار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-21. بتصرّف.
  7. ↑ "فوائد وثمرات الاستغفار"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-21. بتصرّف.
  8. ↑ سورة النساء، آية: 110.
  9. ↑ سورة هود، آية: 3.
  10. ↑ سورة نوح، آية: 10-12.
  11. ↑ سورة هود، آية: 61.
  12. ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4\56، صحيح.