طريقة الاغتسال من الحيض
الغُسل
الغُسل بضم الغين وفتحها يُعدّ مصدراً للفعل غسل، ويعني في اللغة سيلان الماء مطلقاً على أي شيء، أمَّا في الاصطلاح فهو إسالة الماء على جميع البدن على وجه الخصوص، وقد شرع الإسلام الغُسل سواء كان بقصد النظافة أو رفع الحدث أو التبرّد في أيام الصيف، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حَقٌّ علَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أنْ يَغْتَسِلَ في كُلِّ سَبْعَةِ أيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فيه رَأْسَهُ وجَسَدَهُ)،[1] وأجمع الفقهاء على مشروعية الغُسل من الحيض والجنابة والنفاس والنظافة، ولم يُعرف في الفقهاء أحد مخالف لهذا الإجماع.[2]
وللغسل العديد من الفوائد أهمها: أنَّ الغسل في ذاته تعبد لله -تعالى- لما فيه من امتثال لأوامره، فقد أمر الله -تعالى- بالاغتسال من الجنابة والحيض والنفاس، ورتَّب عليه عباداتٍ أُخرى عظيمة كالصلاة، والمكوث في المسجد، والطواف حول الكعبة، كما يعد الغُسل سبباً في حصول النظافة والتخلص مما علق بالجسم من إفرازات التعرق التي تُسبب الأمراض، ويعمل الغُسل على تنشيط الجسم وإعطائه مزيداً من القوة والحيوية خاصة إذا كان هذا الغسل بعد القيام بجهد بدني.[2]
طريقة الاغتسال الصحيحة من الحيض
تروي السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن أسماء سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كيفية الغُسل من الحيض، فقال: (تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ علَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا المَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بهَا)، ثمَّ تابعت وسألته عن غُسل الجنابة فقال: (تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ علَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا المَاءَ)،[3] فقالت عائشة رضي الله عنها: (نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الحَيَاءُ أنْ يَتَفَقَّهْنَ في الدِّينِ)،[4] وقد أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله فِرصة بكسر الفاء: القطعة من الصوف أو القطن، والمراد من استعمال الطيب أو المسك إزالة الرائحة الكريهة.[5]
ويتميّز دم الحيض عن دم النفاس ودم الاستحاضة بكون دم الحيض أسود غليظ له رائحة كريهة تعرفها النساء، أمَّا دم النفاس فهو الذي ينزل بعد الولادة، أمَّا دم الاستحاضة فهو كالنزيف، ويميل لونه إلى الحمرة، وقد أجمع العلماء على أنَّ دم الاستحاضة لا يمنع من الصلاة والصوم، ويُعرف الحيض بإقبال الدم دفعةً واحدةً، أمَّا انتهائه فيُعرف بحالتين هما: الجفاف أو القَصّة البيضاء، والجفاف يكون بوضع شيء في فرج المرأة ليُعلم جفاف الدم، والقصّة البيضاء هي ماءٌ أبيض يخرج من الرحم إذا انقطع دم الحيض، وليس هناك حَدّ لأقل الحيض أو أكثره، فمتى رأت المرأة الدم فهو حيض، ومتى رأت الطهر فهو انقطاع يوجب الغُسل.[5]
وللغسل ركنان اثنان هما: النية؛ وهي التي تتميز فيها العبادة عن العادة، ولا يشترط فيها التلفظ، فمحل النية القلب، أمَّا الركن الثاني فهو تعميم الماء على سائر الجسد بعد صبِّه على الرأس، وقبل الشروع بالغسل يكون غسل اليدين، ثمَّ إزالة الأذى عن الفرج، ثم تغسل المرأة يديها وتتوضأ، ولها أن تغسل رجليها مع الوضوء، أو تؤخّر غسلهما إلى حين الانتهاء من غسل الرأس والجسم،[5] وللغسل صفتين: صفة واجبة تتحقق الطهارة فيها بمجرد إفاضة الماء على الجسم مع المضمضة والاستنشاق، وصفة كاملة تتحقق فيها الطهارة بالنية والتسمية، ثم غسل اليدين ثم الفرج ثم الوضوء الكامل مع غسل الرأس وبقية البدن بِدءاً من الشق الأيمن ثم الأيسر.[6]
ما يحرم على الحائض
يحرم على المرأة في أيام حيضها عند جمهور الفقهاء القيام بعدة أُمور وهي:[7]
- الصلاة: سواء أكانت فرض أو نافلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حاضتِ المرأةُ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ)،[8] وليس عليها القضاء؛ دفعاً للمشقة عنها، فالصلاة متكررة وكثيرة.
- الصوم: سواء أكان فرض أو نافلة، وعليها قضاء ما لم تصمه في رمضان؛ لأنَّ أيامه قليلة في كل عام.
- الطواف بالكعبة: فقد كان أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- للسيدة عائشة حين حاضت في الحج بأن تفعل جميع ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت.
- الجماع: فيحرم على الزوج وطء زوجته الحائض، قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ).[9]
الأمور التي توجب الغُسل
إن للغسل مجموعة من الدواعي والأسباب وهي:[10]
- خروج المني وتدفّقه بشهوة في حال اليقظة، وقد اشترط جمهور العلماء وجود الشهوة والتدفق.
- خروج المني في المنام سواء أكان بشهوة أو بغيرها، لحديث أُم سلمة أنَّ أُم سليم جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: (يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، فَهلْ علَى المَرْأَةِ غُسْلٌ إذَا احْتَلَمَتْ؟ فقال: نعم؛ إذا رأت الماء).[11]
- التقاء الختانين، ويكون ذلك عند تغييب حشفة الذكر في الفرج.
- انقطاع النفاس والحيض.
- الموت، وهو مجمع عليه، باستثناء الشهيد فإنَّه لا يُغسّل.
- الكافر إذا أسلم، فعندما أسلم قيس بن عاصم أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل بماءٍ وسدر.
الأغسال المستحبة
إن الأغسال المستحبة هي التي يؤجر فاعلها ولا يأثم من تركها، وهي فيما يأتي:[12]
- غسل الجمعة: فيوم الجمعة من الأيام التي يجتمع فيها المسلمون لأداء الصلاة، وقد شرع الإسلام الغُسل حتى يكون اجتماع المسلمون على أحسن حال من النظافة والترتيب.
- غسل العيدين: استحب العلماء غُسل العيدين، وقد ورد عن الصحابة في غُسل العيدين آثاراً جيّدة.
- غسل من غسَّل ميّتاً: فيُستحب لمن غسَّل ميّتاً عند الكثير من العلماء أن يغتسل.
- غسل الإحرام: وقد ذهب جمهور العلماء إلى استحباب هذا النوع من الغُسل.
- غسل دخول مكة المكرمة: وليس في تركه فدية، كما إنَّ الوضوء يجزئ عن هذا الاغتسال.
- غسل الوقوف بعرفة: لقول مالك بن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم، ولدخول مكة، ولوقوفه عشية عرفة.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 896، صحيح.
- ^ أ ب د. حسن أبو غدة (6-4-2013)، "الغُسْل وأنواعه وموجباته وأحكامه "، www.fiqh.islammessage.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-4-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أُم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 332، صحيحح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 332، صحيح.
- ^ أ ب ت أبو البراء آل عِلاوة (5-1-2014)، "الغسل من المحيض"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-4-2019. بتصرّف.
- ↑ "صفة الغسل الكامل والمجزئ"، www.islamqa.info، 7-10-2006، اطّلع عليه بتاريخ 16-4-2019. بتصرّف.
- ↑ د. حسن أبو غدة (7-9-2015)، "ما يحرم على الحائض والنفساء"، www.fiqh.islammessage.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-4-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 5744، أخرجه في صحيحه.
- ↑ سورة البقرة، آية: 222.
- ↑ "موجبات الغسل"، www.islamweb.net، 2002-12-26، اطّلع عليه بتاريخ 16-4-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم سلمة هند بنت أبي أمية، الصفحة أو الرقم: 6121، صحيح.
- ↑ سيد سابق (1977)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 69-72، جزء 1. بتصرّف.