بينما كان المسلمون يتجهّزون في صفوفهم يوم بدرٍ لملاقاة العدوّ، إذ خرج أحد الصحابة من الصفّ فتقدّم على من بجانبه، وكان الصحابيّ الجليل سواد، ولأنّ النبيّ -عليه السلام- كان يتفقّد استواء الصفوف، وكز سواد في بطنه بقوسٍ كان معه ليدخله إلى الوراء قليلاً، وطلب منه أن يستوي في الصف جيّداً، فما كان من سواد -رضي الله عنه- إلّا أن احتجّ على هذا وأخبر النبيّ أنّه أوجعه، وطلب من النبي أن يُمكّنه منه ليقتصّ منه، فرفع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن بطنه ليقتصّ سواد منه، فعانقه سواد وأخذ يُقبّل بطنه، وكان هذا ما أراده -رضي الله عنه-؛ أن يمسّ جلده جلد نبيّ الله عليه السلام.[1]
بينما كان النبيّ يُحفّز أصحابه يوم بدرٍ لملاقاة العدوّ، ويُبشّرهم بالقبول والرضا من الله -تعالى- لمن يستشهد في سبيله، ولقد نادى فيهم حين أوشكت الحرب على البداية بقوله: (قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ)،[2] فنظر عُمير -رضي الله عنه- متسائلاً عن عظم هذه الجنّة، هل فعلاً هي في عرض السماء والأرض، فأكّد له النبيّ ذلك، فقال عمير: "بخٍ بخٍ"، وهي كلمةٌ تقال لتفخيم وتعظيم الأمر، فقال له النبيّ عليه السلام: (ما يَحْمِلُكَ علَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ)،[2] فأجابه عُمير أنّه طامعٌ بأن يكون من أهلها، فبشّره النبيّ -عليه السلام- أنّه من أهلها، وبالفعل قاتل الصحابيّ الجليل عُمير حتى قُتل في سبيل الله.[3]
حاصر المسلمون حصون خيبر في السنة السابعة للهجرة، ولمّا طال الحصار وامتنعت الحصون نادى النبيّ -عليه السلام- في المسلمين قائلاً: (لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُفْتَحُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ)،[4] فمكث كُلّ واحٍد من المسلمين يرجو أن يكون هو صاحب الإمارة؛ رغبةً في نيل بشارة النبيّ عليه السلام، ولمّا طلع الصبح نادى رسول الله -عليه السلام- عليّاً، وكان يشتكي من عينيه، فتفل الرسول في عينيه وبرأ، ثمّ قال له عليه السلام: (انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ)،[4] فكان الاختيار والبشارة لعلي -رضي الله عنه-.[5]