يُقصد بالزنا لغةً: إتيان الرجل لمرأة لا يربطه بها عقد شرعيّ، وهو في الاصطلاح الشرعيّ: وطء الرجل للمرأة في القُبل، من غير المِلك وشبهته، أو هو القيام بالفاحشة في القُبل أو الدبر، والزنا فعل محرّم في الدين الإسلامي، بل إنّه يعدّ كبيرة من الكبائر التي تجلب سخط الله تعالى، وغضبه، وقد نهى الله -عزّ وجلّ- عباده عن فعله في القرآن الكريم، حيث قال: (وَلا تَقرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلًا)،[1] كما ورد في السنة النبوية من أحاديث الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ما يدلّ على تحريمه أيضاً، فقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه: (سأَلتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الذَنْبِ أعظمُ عِندَ اللهِ؟ قال: أن تَجعَلَ للهِ نِدّاً وهو خلَقَك، قلتُ: إنَّ ذلك لعظيمٌ، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ثمّ أن تَقتُلَ ولدَك تَخافُ أن يَطعَمَ معَك، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ثمّ أن تُزانِيَ بحَليلَةِ جارِك)،[2] كما أنّ إجماع علماء المسلمين وفقهائهم قائم على تحريمه كذلك.[3][4]
والزنا من أعظم الجرائم، وأشدّها خطراً وبشاعةً، وذلك لما يترتّب عليه من آثار تضرّ بالفرد والمجتمع على حدٍ سواء، فبالزنا يحصل اختلاط الأنساب الذي يؤدّي بدوره إلى مشاكلٍ كبيرةٍ وخطيرةٍ للغاية؛ منها: ضياع الحقوق عند التوارث، وضياع التعارف بين الناس، وكذلك ضياع قيمة التناصر على الحقّ بينهم، كما أنّه سبب في تفكّك الأسر وتخاصمها، وضياع الأبناء، وسوء تربيتهم، وفساد أخلاقهم ودينهم، كما أنّ الزنا يؤدّي إلى التغرير بالزوج، فقد يرعى ويربي طفلاً ليس ابنه إذا نتج عن الزنا حمل، ولأجل ذلك كلّه كان تحذير الإسلام منه تحذيراً شديداً، ورتّب على فاعله عقاباً كبيراً رادعاً.[4]
رتّب الله -تعالى- على فعل الزنا عقوبات شديدة، في الدنيا والآخرة، بل جعل للزنا حدّاً خاصّاً يُقام على فاعله جزاءً على فعلته، وهذا الحدّيختلف باختلاف حال الزاني أو الزانية، وفيما يأتي بيان تفصيل حدّ الزنا:[5]
بالإضافة للحدّ الذي يُقام على الزاني أو الزانية في الحياة الدنيا فإنّ الزنا يُوجب عقوبات وآثار دنيوية أخرى على صاحبه، فهو يُورث سواد الوجه وظلمته، وكذلك ظلمة القلب، وذهاب نوره، وهو يسقط الإنسان من اعتبار الله تعالى، ومن أعين خلقه، ويسلب صاحبه صفات العفّة، والطهر، والنقاء، ويعطيه صفات الفسق، والفجور، والخيانة، والخبث، كما أنّ الله -تعالى- يضع في صدر الزاني الوحشة والضيق، وذلك معاملةً له بنقيض قصده من الزنا، فالزاني يزني رجاءً أن يحصل بذلك على اللذة والسعادة، إلّا أنّه لا يجني منه إلّا الضيق والكدر.[9]
وأمّا عن عقوبة الزنا في الآخرة فقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قوله في الرؤيا التي رآها ثمّ قصّها على صحابته رضي الله عنهم، ما رواه البخاري في صحيحه: (فانطلقنا، فأتينا على مثلِ التنُّورِ، قال: وأحسب أنّه كان يقول فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوضَوا)،[10] ثمّ بيّن الرسول ما رآه لصحابته، فقال: (وأمّا الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين في مثل بناء التنورِ، فإنهم الزناةُ والزواني)،[10] ففي الحديث السابق بيان حال الزناة، وعقوبتهم في الآخرة.[11]
يشترط لثبوت حدّ الزنا على الإنسان، وإقامته عليه، عدد من الشروط، وبيانها على النحو الآتي:[12]