سبب تسمية سورة ق
القرآن الكريم
القرآن الكريم هو كلامُ الله عزّ وجلّ، المُتعبَّد بتلاوتهِ، وهو المعجزةُ الخالدةُ، المنّزلة على نبيّ الله محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، بواسطةِ الوحي جبريل عليه السّلام. ابتُدِئ القرآن الكريم من حيث ترتيب السّور بسورة الفاتحة، واختُتِم بسورة النّاس، وهو بالنّسبة إلى المسلمين حياةُ القلوب، ومنهاج الحياة، ودستورها، ونظامها، وطريق صلاحها ونجاحها.[1]
الانتفاع بالقرآن
إنّ القرآن الكريم هو كلام الله تعالى إلى خلقه كافّةً، يخاطب فيه البشر، ويدعوهم إلى ما فيه الخير والصّلاح والهداية لهم، وحتّى ينتفع الإنسان بالقرآن الكريم فعليه أن يستحضرَ قلبَه، ويخشعَ عند تلاوة القرآن الكريم وسماعه، وأن يوقِنَ ويعلم علمَ اليقين أنّ الله تعالى يخاطب هذا السّامع أو القارئ للقرآن، فلا يظنّ أنّه بعيدٌ عن هذه الآيات، وليس له علاقة بها، بل عليه أن ينتفع بما يسمع، ويُدرِك أنّه مُوجَّهٌ إليه خاصّةً، ويسمح لقلبه بالارتواء من القرآن الكريم؛ ليكون قلباً حيّاً، يحيا بسماع القرآن، ويحبّ تلاوته، فيبقى هذا القلب القرآنيّ أخضر مُزهِراً.[2]
يكون القلب الحيّ الأنيس بالله قلباً صامداً قوياً، حاضراً ومؤمناً، فيترجم الحياةَ أفعالاً وأقوالاً تُرضي الخالق تبارك وتعالى، فهنيئاً لكلّ من روى قلبَه بالقرآن، وهنيئاً لكلّ من جمَّل سمعَه وبصرَه به، وهنيئاً لمن أنعم الله عليه بتمام النّعمة، فصار خلُقُه القرآن، وصارت أعماله وأقواله تستنير بهداه، وهنيئاً لمن التزم أوامر الله وطاعتَه، وابتعد عن كلّ ما نهى عنه.[2]
تعريف بسورة (ق)
سورة (ق) هي السّورة الخمسون من حيث ترتيب سور القرآن، وهي سورة مكيّة؛ أي نزلت قبل الهجرة النبويّة الشّريفة إلى المدينة المنوّرة،[3] وعددُ آياتِ هذه السّورة خمس وأربعون آيةً، وأوّل آيةٍ فيها قَسَمٌ بحرف القاف والقرآن المجيد، وآخر آيةٍ أمرٌ للرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم أن يُذكِّر بالقرآن مَن يخاف وعيدَ الله سبحانه وتعالى.[4]
سبب تسمية سورة (ق)
عندما يفتح المسلمُ المصحفَ ليقرأ سورة (ق)، فإنّ أوّل ما يَبدأُ به هو قوله تعالى في أوّلها: (ق)[5]، وهو من الحروف المُقطَّعة التي استُخدِمت في القرآن الكريم في عدّةِ مواضعَ، مثل: (ألم)، (ألر)، (ص)، (كهيعص)، وتأتي هذه الحروف المُقطَّعة في القرآن الكريم نوعاً من التحدّي للعرب، وكأنّها تخاطبهم، وتقول لهم إنّ هذه الحروف هي حروف اللّغة العربيّة التي يعرفونها جيّداً، ويستخدمونها في لغتهم، والله سبحانه وتعالى أنزلَ القرآن آياتٍ وسوراً مُكوّنةً من هذه الحروف التي يخبُرونها جيّداً، ثمّ تحدّى بها العرب الذين نزلَ القرآنُ بلغتهم أن يأتوا بقرآنٍ مثله، أو عشرِ سورٍ، أو سورةٍ في مثل إعجازه بلاغيّاً، ولغويّاً، وتشريعيّاً.[6]
بدأت سورة (ق) بقوله تعالى: (ق)؛[5] لهذا سُمِّيت بسورةِ (ق)، والقاف حرفٌ قويٌّ من حروف الاستعلاء المجموعة في قولهم: (خصّ ضغطٍ قظ)، ثمّ يأتي بعد هذا الحرف قوله تعالى: (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)؛[5] فالله سبحانه بدايةً يقول قافاً، ثمّ يُتبِعها بالقسم بالقرآن المجيد، وقسم الله سبحانه وتعالى بشيءٍ يدلّ على عظمة هذا الشّيء، وهنا القسمُ بالقرآن المجيد دليلٌ على عظمة القرآن الكريم، وعظَمَة سُوَره وآياته، ووجوب احترامها وتَبجيلها، والعناية بها دراسةً، وفهماً، وتدبُّراً، وحفظاً، وتطبيقاً.[7]
فضل سورة (ق)
كان سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم يخطُبُ بسورة (ق) في خطبتَي: العيد، والجمعة، فإذا حضر العيد أو الجمعة، صعد المنبر، وجعل موضوع الخطبة قراءة سورة (ق)، فيكتفي بتلاوة هذه السّورة، وفي ذلك دليلٌ على شموليّتها، وعِظَم معانيها، إنّها سورة تصلح في موضوعها ليُكتَفى بها في خطبتي: العيد، أو الجمعة؛ فهي بناءٌ متكاملٌ، ابتداءً من ولادة الإنسان، وموته، وبعثه، وأهميّة التزامه، وطاعته لله وأوامره في جوانب الحياة المتعدّدة، وتبيّن أنّ الموت حاضرٌ في كلّ وقتٍ؛ فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان، وربُّنا جلَّ وعلا أعلم بكلّ ما يدور في نفسه، وما تزيّنه هذه النّفس له، وليس الله سبحانه وتعالى في ذلك كلّه بعيداً عنه، بل هو أقرب إليه من حبل الوريد الذي يضخّ في الجسد كلّه ما يحتاجُ من دماء، كما تعرض السّورة صوراً متعدّدةً، مثل: الحياة، والموت، والهلاك، والبلى، والبعث، والحشر، وتصوّر كذلك بعض الحقائق الكونيّة الظّاهرة في السّماء، والأرض، والماء، والنّبات، والثّمر.[8]
موضوعات سورة (ق)
تعالج سورة (ق) عدّة موضوعاتٍ، والموضوع الأوَّل الذي تتناوله هذه السّورة العظيمة هو موضوع البعث؛ فالعرب يَعجَبون أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم جاء منهم؛ ليُنذرهم، ويُعلِمهم بحقيقة البعث بعد الموت، وتنقل السّورة اختلافهم هذا، ثمّ تلفِت أنظارهم إلى مجموعةٍ من الحقائق الكونيّة، وأنّ هؤلاء المكذّبين قد كذّبت قبلَهم أقوامُ نوحٍ، وعادٍ، وتبّع، وأصحاب الأيكة، وأنّ هؤلاء جميعاً كانوا من مكذّبي الرُّسل، فاستحقّوا عذاب الله تعالى ووعيده. فالسّورةُ تتكلّمُ عن الحياةِ، حياةِ الإنسانِ وتفاصيلها، وما فيها من وساوس، وصوابٍ وخطأ، وتتكلّمُ عن سكرات الموت نفسه، والبعث بعد الموت، ثمّ جزاء النّفس البشريّة وحسابها على ما اقترفتهُ في الحياةِ الدّنيا.[9]
التَّناسبُ بينَ بدايةِ سورة (ق) ونهايتها
ترتبطُ سوَرُ القُرآنِ الكريمِ فيما بينها بِروابط، فيجمعها رابطٌ تتناسبُ فيهِ مِنْ حيث الموضوعِ؛ كما ترتبطُ آيات السّورة نفسها؛ بحيث ترتبطُ بدايةُ السّورةِ معَ نِهايتها، وبدايةُ سورة (ق) هي قَسَمٌ مِنَ اللهِ سُبحانهِ وتعالى؛ فهي تبدأُ بحرفِ (ق)، وهو أحدُ حُروفِ اللُّغةِ العربيَّةِ، والقُرآنُ الكريمُ نَزَلَ باللُّغةِ العربيَّةِ، وتحدّى اللهُ العربَ الذينَ نزلَ القُرآنُ الكريمُ بلُغتِهم أن يأتوا بِمثلِ هذا القُرآن، فعجِزوا، مع أنَّهُ نَزَلَ بحُروفِ العربيَّة التي بَرعوا فيها، فتبدأُ السُّورةُ بقَسَمِ اللهِ سُبحانهُ وتعالى بالقُرآنِ المجيدِ، وتستأنفُ الكلامَ عن استغرابِ العربِ واستهجانهم أن يأتي الرَّسولُ منهم، ثمَّ بيان مجموعةٍ مِنْ أقوالِهم وافتراءاتِهم، ومنها إنكارُهم البعثَ، ثمَّ تأتي نهايةُ السُّورةِ بالأمرِ الرَّبانيِّ للنَّبيَّ مُحمّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بالصَّبرِ على أقوالِهم وافتراءاتِهم، والتَّفرُّغ للتَّسبيح والعِبادةِ والدعوةِ؛ فاللهُ سُبحانهُ وتعالى يعلمُ أقوالهم وافتراءاتهم، ثمَّ يأمُرُ اللهُ سيّدنا مُحمّداً بالتّذكيرِ والإنذارِ لمن يخافُ وعيدَ اللهِ سُبحانهُ وتعالى.[10]
المراجع
- ↑ محمد عبد الله دراز (1426هـ-2005م)، النبأ العظيم (الطبعة الثاني)، بيروت: القلم، صفحة 43.
- ^ أ ب مناع بن خليل القطان (1421هـ- 2000م)، مباحث في علوم القرآن (الطبعة الطبعة الثالثة)، بيروت: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة 26.
- ↑ جلال الدين السيوطي (1407هـ-1987م)، الإتقان في علوم القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة المعارف، صفحة 28، جزء 1.
- ↑ سيد قطب (1417هـ-1996م)، في ظلال القرآن (الطبعة الخامسة والعشرون)، القاهرة: دار الشروق، صفحة 3355-3367، جزء 6.
- ^ أ ب ت سورة (ق)، آية: 1.
- ↑ أبو بكر الباقلاني محمد بن الطيب (1997م)، إعجاز القرآن (الطبعة الخامسة)، مصر: دار المعارف ، صفحة 68.
- ↑ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (1419 هـ)، تفسير القرآن العظيم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 366، جزء 7.
- ↑ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي ( 1420هـ -2000 م)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (الطبعة الأولى)، الرياض: مؤسسة الرسالة، صفحة 803 ما بعدها.
- ↑ ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي ( 1418 هـ)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، صفحة 139 وما بعدها، جزء 5.
- ↑ محمد بن علي الشوكاني (1423هـ_2003م)، فتح القدير (الطبعة الأولى)، بيروت: الدار النموذجية والمطبعة العصرية ، صفحة 98-86، جزء 5.