-

سبب نزول سورة التحريم

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

سورة التحريم

تعدّ سورة التحريم سورة مدنية، فهي من السور المفصّلة، وعدد آياتها اثنتا عشرة آية، وتقع في المصحف بالترتيب السادس والستين في الجزء الثامن والعشرين في الربع الثامن منه، وتحديداً في الحزب السادس والخمسين، وقد كان نزولها بعد نزول سورة الحجرات، وبدأت سورة التحريم بأسلوب النداء، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)،[1] وسمّيت سورة التحريم بذلك لأنّ الله تعالى بيّن فيها أمر التحريم الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، دون أن يحرّمه عليه الله تعالى.[2]

سبب نزول سورة التحريم

وردت عدّة روايات تبيّن أسباب نزول سورة التحريم، فروى البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يشرَبُ عسلًا عِندَ زينبَ بنتِ جحشٍ، ويمكُثُ عِندَها، فواطَيتُ أنا وحفصَةُ على : أيَّتُنا دخَل عليها فلتقُلْ له : أكَلتَ مَغافيرَ، إني أجِدُ منك رِيحَ مَغافيرَ، قال : لا، ولكني كنتُ أشرَبُ عسلًا عِندَ زينبَ بنتِ جحشٍ، فلن أعودَ له، وقد حلَفتُ، لا تُخبِري بذلك أحدًا)،[3] فنزل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).[1][4]

كما روى الإمام عبد الرزاق الصنعاني في تفسيره عن معمر عن هشام عن عروة عن أبيه أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يدخل على جميع زوجاته ويسلّم عليهنّ بعد صلاة الصبح، وكان يجلس عند حفصة ليشرب من العسل الذي أُهدي إليها، إلا أنّ عائشة رضي الله عنها غارت من ذلك، فجمعت أزواج النبي واحدة واحدة، وقالت لهن: (إذا دخل عليكِ فقولي: ما هذه الريح التي أجدها منك يا رسول الله؟ أكلت مغافير؟ فإنه سيقول: سقتني حفصة عسلاً، فقولي: جرست نحله العرفط)، وعندما دخل على سودة وصنعت مثل ما أملت عليها عائشة، ثمّ دخل عليهن جميعاً، وصنعن معه مثل ذلك، وفي اليوم التالي دخل على حفصة رضي الله عنها، وأرادت أن تسقيه من العسل، فرفض أن يشرب، وحرّمه على نفسه.[4]

روى ابن جرير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن المرأتين، فقال أنهما عائشة وحفصة، وأضاف أنّ الحديث بدأ بشأن مارية القبطية، عندما أصابها النبي عليه الصلاة والسلام في بيت حفصة، فقالت: (يا نبي الله لقد جئت إليّ شيئًا ما جئت إلى أحد من أزواجك، في يومي وفي دَوْري وعلى فراشي)، فقال لها الرسول: (ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها)، فقالت: (بلى)، فحرّمها الرسول على نفسه، وأخذ منها العهد بعدم نقل ما حدث إلى أحد، إلا أنها نقلته إلى عائشة رضي الله عنها، فأنزل الله تعالى الآيات الكريمة، وبعد ذلك كفّر الرسول عن يمينه، وأصاب جاريته، وبعد ذكر جميع الروايات المتعلقة بسبب نزول سورة التحريم، قال الإمام القرطبي: (وإنما الصحيح أنه كان في العسل وأنه شربه عند زينب، وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فيه، فجرى ما جرى فحلف ألا يشربه وأسر ذلك ونزلت الآية في الجميع)، وأيّد ذلك ابن كثير أيضاً، فقال: (كما أن الصحيح في سبب نزول الآية أنها في قصة العسل لا في قصة مارية المروي في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح)، إلا أن ابن حجر قال في شرح صحيح البخاري: (فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معاً).[4]

عبر وعظات من سورة التحريم

احتوت سورة التحريم على العديد من العبر والحكم والمواعظ المهمة للمسلمين في حياتهم، وفيما يأتي بيان البعض منها:

  • وجّه الله تعالى المؤمنين في سورة التحريم بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتشديد والإغلاظ على الكفار والمنافقين، وذكر الله تعالى أيضاً أمثلة للنساء اللواتي لم يكن قربهن من العباد الصالحين عاملاً لتغييرهن إلى الأفضل، وكل ذلك زيادةً في التهديد والوعيد للتآمر الذي كان بين المتظاهرتين وإفشاء سر الزوجية، وبيان خطورة ذلك وما يترتب عليه، كما ورد في سورة التحريم تلميح بطلاق الرسول عليه الصلاة والسلام لجميع زوجاته، حيث قال الله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ).[5][6]
  • بدأت سورة التحريم بالإشارة إلى أمرين مهمين، وانتهت بالإشارة لكلا الأمرين أيضاً؛ الأول منهما ما ذكره الله تعالى في بداية السورة من أمثال الآداب المتمثلة بالثيبات والأبكار الأخيار، ثمّ عطف في آخر السورة عليها، وزاد أيضاً على ذلك أنّ الحسن يكون في الذوات والأعيان، فذكر آسيا امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وبيّن أنّهما في الجنة التي تعدّ دار القرار، ثمّ ذكر أيضاً في بداية السورة التهديد والوعيد من الله تعالى للمتظاهرتَين رغم مكانتهما عند الله تعالى، ثمّ ذكر في خاتمة السورة زوجتي نبيّ الله اللتين خالفتا أمر زوجهما، حيث قال الله تعالى فيهما: (فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)،[7] فالمتظاهرتان لم تنتفعا من القرب من الصالحين.[8]
  • تجدر الإشارة إلى أنّ أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريره تعدّ من مصادر التشريع للأمة، لذلك بيّنت السورة أنّ الامتناع عن المباح دون الاستناد إلى مصلحة معتبرة سابقة تشريعية قد يكون من الأمور التي تؤدي بالأمة إلى الوقوع في الحرج، لذا أُمر الرسول بالرجوع عمّا حرّم على نفسه.[8]

المراجع

  1. ^ أ ب سورة التحريم، آية: 1.
  2. ↑ "التعريف بسورة التحريم"، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2018. بتصرّف.
  3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4912، صحيح.
  4. ^ أ ب ت "بين يدي سورة التحريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2018. بتصرّف.
  5. ↑ سورة التحريم، آية: 5.
  6. ↑ "بين يدي سورة الأحزاب وسورة التحريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2018. بتصرّف.
  7. ↑ سورة التحريم، آية: 10.
  8. ^ أ ب "التفسير الموضوعي لسورة التحريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2018. بتصرّف.