إن من أنبل المقاصد وأسمى الغايات التي يسعى الإنسان إليها هي فعل الخير، والمسارعة إليه، وبهذا تسمو إنسانيته ويتشبّه بالملائكة، ويتحلّى بأخلاق الأنبياء والصادقين، ولذلك فقد أوصى الإسلام المسلمين بأن يفعلوا الخير مع الآخرين بغض النظر عن معتقداتهم وأجناسهم، فقال تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)،[1] والخير هو اسمٌ لكل ما يعود على صاحبه بالنفع؛ سواء أكان عاجلاً أم آجلاً، وهو نسبي؛ فمنه ما يقابله شرّاً، ومنه ما يقابله خيراً آخر لكونه أفضل منه، ويعتبر من أهم الأعمال التي يقوم بها المسلم، لأنه يتقرّب به من الله، كما إنه يعتبر جزءاً من العبادة، وقد أكثر الله من الدعوة إليه، وجعله عنصراً من عناصر الفلاح والفوز، فقال: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ* يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ* يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[2] والله -عزّ وجلّ- يوازن بين ما في الدنيا من المفاتن والمباهج، وبين الأخلاق والمكارم، فإن الأخلاق أثرها أدوم، وهي أجدر باهتمام الإنسان، وخير له في الدنيا والآخرة.[3]
امتلأ القرآن الكريم بالآيات التي تحثّ على فعل الخير، وتقديم النفع للآخرين، وما يترتّب على ذلك من الأجر العظيم، فمنها ما قاله تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)،[4][5] وإن من الجميل أن يدخل المسلم السرور على قلب أخيه المسلم، فيدعو له، ومن أراد أن يسهّل الله له قضاء حاجاته فإنه يعين الناس على قضاء حوائجهم ويحتسب أجره ويخلص في نيته، حيث إن الجزاء من جنس العمل، ومن أسرع الناس عبوراً عن الصراط من مشى في قضاء حوائج الناس، ويعدّ ذلك من باب المسارعة إلى فعل الخير والمسابقة إليه.[6]
خلق الله -عزّ وجلّ- الشر والخير وأوجدهما، فهو الذي خلق كل شيءٍ، ومما خلق: الإنسان وأفعاله، وإن مشيئة الله -تعالى- لا تدلّ على محبّته ورضاه؛ فالكفر والمعاصي كلّها كائنة بمشيئة الله، وكونها بمشيئته فلا يعني أنه يحبّها ويرضاها ويأمر بها، وإنما يكرهها وينهى عنها، وبخلاف ذلك؛ فكونها مكروهة ومنهيٌّ عنها لا يدلّ أنها خارجة عن مشيئة الله تعالى، ولكل شيءٍ خلقه الله حكمة وتدبير، وأفضل خلق الله من يحبّون ما يحبّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ويفعلونه، ويأمرون الناس به، ويجتنبون ما نهى الله ورسوله عنه، وينهون الناس عن فعله، ولا يحبّون ما لا يحب الله ورسوله.[7]
لا بد أن يكون عمل الخير خالصاً لوجه الله تعالى، وابتغاءً لمرضاته والدار الآخرة، فالثواب لا يكون إلا منه، وهو الذي وعد عباده به في الدنيا والآخرة، أما الذي يقوم بفعل الخير ويكون قصده به الدنيا فإنه لا خلاق له ولا خير له في الآخرة، كما قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)،[8] ومن ثواب الله -عزّ وجلّ- أنه ينفع بعمل الخير صاحبه في الدنيا قبل الآخرة، والتي منها ما يبارك الله له في رزقه، ويصرف عنه شر الآفات، ولكن الأساس في القصد منها أن تكون للآخرة، وما عند الله من المثوبة عليها، وما وعد الله به عباده المحسنين المطيعين.[9]
هناك العديد من الحوافز الذاتية التي تدفع صاحبها إلى فعل الخير، فيما يأتي بيانٌ لها:[10]
إن من فوائد فعل الخير ما يأتي:[10]