مراحل نزول الوحي
معنى الوحي
اختصّ الله سبحانه وتعالى من بين عباده أنبياء ورسلاً كلّفهم بحمل أمانة دعوة النّاس إلى التّوحيد وعبادة الله وحده، وقد اقتضت حكمته سبحانه أن يكون التّواصل مع أنبيائه من خلال وسائط معينة، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الشورى:51]، فما هو الوحي المقصود في هذه الآية الكريمة؟ وما هي مراحل نزوله على النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام؟ وما هي كيفيّته؟
الوحي هو الوسيلة والطّريقة التي يتواصل فيها الله سبحانه وتعالى مع أنبيائه ورسله، وقد وكّل الله سبحانه وتعالى سيّدنا جبريل عليه السّلام بهذه المهمّة الجليلة.
مراحل الوحي
مرّ النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام في بداية بعثته واصطفائه بمراحل في الوحي والنّبوة، وكانت أولى هذه المراحل مرحلة الرّؤيا الصّالحة في المنام، حينما كان النّبي الكريم يرى في منامه رؤىً تتحقّقُ على أرض الواقع كفلق الصّبح، ولأنّ الرّؤيا الصّالحة هي جزءٌ من ستّة وأربعين جزءًا من النّبوة، فقد كانت تلك المرحلة والعلامة إيذانًا باصطفاء الله تعالى لسيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام، واختياره لحمل رسالة الإسلام إلى العالمين.
حبّب الله إلى النّبي الكريم بعد هذه المرحلة الخلاء والبعد عن النّاس، فكان عليه الصّلاة والسّلام يلجأ إلى غارٍ شرق مكّة المكرمة اسمه غار حراء يتعبّدُ فيه ويتحنّث، وكان يقضي فيه اللّيالي ذوات العدد، كما كانت زوجتُه خديجةُ رضي الله عنها تعدُّ ما يحتاج إليه في هذا الغار من الزّاد الذي يتقوّى به، وهذه المرحلة الثّانية كانت مرحلةً أخرى تدلّ على اصطفاء الله تعالى له، وإعداده للمهمّة الجليلة العظيمة التي سيقوم بها فيما بعد.
جاءت بعد ذلك مرحلةُ الوحي؛ حينما نزل جبريل عليه السّلام إلى النّبي محمّد عليه الصّلاة والسلّام وهو يتعبّد في غار حراء، وقد أصاب النّبي الكريم يومَها الفزع، وذهب إلى زوجته السّيدة خديجة وهو يردّد زمِّلوني زمِّلوني، ثمّ انقطع عنه الوحيُ فترةً من الزّمن، ثمّ عاد إليه واستمرّ بالنّزول حتّى وفاته وانتقاله إلى الرّفيق الأعلى.
كيفيّة نزول الوحي
في الحديث عن كيفيّة نزول الوحي فقد سألَ ابن هشام رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِينِي أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ ـ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ ـ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ الْمَلَكُ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُعَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ) [صحيح البخاري].