-

فضل يوم عرفة

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

يوم عرفة

خلق الله -تعالى- الليالي والأيام، وجعلها محطّ آجال العباد، ومقادير أعمالهم، ثم مايز بينها ولم يجعلها سواءً، فجعل لبعض الأيام مِيزةً عن غيرها، ففضّلها بالخيرات، وزيادة الحسنات، وتكفير السيئات، وجعلها مواسم طاعةٍ وقربٍ لله تعالى، ومن تلك الأيام، يوم عرفة، وهو أحد أيّام الأشهر الحرم؛ وهي ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرّم، ورجب، فيوم عرفة هو يومٌ من أيّام شهر ذو الحجة، وهو أيضاً أحد أيّام مواسم الحج، ودليل ذلك قول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)،[1] وتلك الأشهر هي: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجة، ويوم عرفة هو أحد الأيّام المعلومات؛ وهي العشر من ذي الحجة، التي ذكرها الله -تعالى- في كتابه الكريم وأقسم بها؛ إشارةً منه إلى فضلها، وعِظم قدرها، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ).[2][3]

فضل يوم عرفة

إنّ ليوم عرفةٍ الذي عظمه الله تعالى، ورفع قدره، فضائلٌ عديدةٌ، وفيما يأتي بيان بعضها:[3][4]

  • يومٌ أُكمل فيه الدين، وأُتمّت النعمة، ودليل ذلك قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)،[5] حيث نزلت تلك الآية على النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يوم الجمعة، وهو واقفٌ بعرفةٍ.
  • يوم عيدٍ للمسلمين عامةً، ولأهل الموقف خاصةً، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ يومَ عرفةَ ويومَ النحرِ وأيامَ التشريقِ عيدنا أهلَ الإسلامِ، وهنَّ أيامُ أكلٍ وشربٍ).[6]
  • يومٌ أقسم الله -تعالى- به، وإنّ الله -تعالى لا يقسم بشيءٍ، إلّا إذا كان ذلك عظيماً، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)،[7] فالشاهد هو يوم الجمعة، والمشهود هو يوم عرفةٍ؛ أيّ يشهده الناس، وتشهده الملائكة.
  • يومٌ الصيام فيه يُكّفر سنتين، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (صيامُ يومِ عرفةَ إنِّي أحتسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ الَّتي قبْلَه والسَّنةَ الَّتي بعدَه)،[8] فيُستحب صيام ذلك اليوم لغير الحاج.
  • يوم رحمةٍ ومغفرةٍ للذنوب، وعتقٌ من النيران، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ما من يومٍ أكثرُ من أن يعتِقَ اللهُ فيه عبيدًا من النَّارِ من يومِ عرفةَ، وأنه لَيدنو، ثم يباهي بهم الملائكةَ، فيقول: ما أراد هؤلاءِ؟ اشهَدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم).[9]
  • يوم مباهاة الله -تعالى- بأهل عرفةٍ أهلَ السماء، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ تعالى يُباهِي ملائِكتَهُ عشِيَّةَ عرَفةَ بأهلِ عرَفةَ، يقولُ: انظُروا إلى عبادِي، أتوْنِي شُعْثًا غُبْرًا).[10]
  • يومٌ الدعاء فيه من خير الدعاء وأفضله.
  • يومٌ فيه الركن الأعظم للحج، وهو الوقوف بعرفةٍ، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (الحجُّ عرفة).[11]
  • يومٌ يمتاز بذكر الله -تعالى- وتكبيره، والتكبير فيه نوعانٌ: تكبيرٌ مقيدٌ: وهو التكبير الذي يكون بعد الصلوات المفروضة، وتكبيرٌ مطلقٌ: وهو التكبير الذي يكون في سائر اليوم وعموم وقته.

من أحوال السلف في يوم عرفة

تتنوع أحوال السلف وتختلف في ذلك اليوم، وفيما يأتي بيان بعضها:[12]

  • التابعي مُطرف الشخير رحمه الله، يُذكر أنّه حين وقف بعرفةٍ مع بكر المُزني، قال أحدهم: (اللهمّ لا ترد أهل الموقف من أجلي)، ثم قال الآخر: (ما أشرفه من موقفٍ وأرجاه لأهله، لولا أنّي فيه).
  • الفضيل بن عياض، فقد بلغ به الحياء من الله مبلغاً، حيث أمضى وقوفه على عرفةٍ بالبكاء، حتى حال بينه وبين دعاء الله تعالى، فلمّا أوشكت الشمس على الغروب، رفع رأسه إلى السماء، وقال: (واسوأتاه منك وإن عفوت).
  • عبدالله بن المبارك، الذي جاء عشيّة يوم عرفةٍ إلى سفيان الثوري، وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه لا تتوقفان عن الدمع، ثمّ سأله: (من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أنّ الله لا يغفر له).
  • دعا أحد السلف في ذلك اليوم، وهو آخذٌ بلحيته، وممسكٌ بها، فقال: (يا ربّ قد كَبُرت فأعتقني).

كيفية استثمار يوم عرفة

يوم عرفةٍ، هو يوم النفحات الإلهية، والرحمات الربانية، ويوم البذل والعطاء، ويوم يقف فيه الناس في مكانٍ واحدٍ، متجردين من كلّ عوالق الدنيا وروابطها، باستثناء رابطة العقيدة، فهي التي جمعتهم هناك، وهي التي جاؤوا من أجلها، يُناجون ربّاً واحداً عظيماً، لينالوا من مغفرته ورضوانه، فإذا كان الحجاج واقفون بعرفاتٍ، ويتنعمون برحمات الله تعالى، فإنّ أبواب الرحمة مفتوحةٌ، حتى لمن يجلسون في بيوتهم، ويراقبون المشهد من بعيد،[13] وفيما يأتي بيان بعض النقاط العملية التي تعين على استثمار يوم عرفة أحسن وأفضل استثمار:[14]

  • تعظيم ذلك اليوم في النفس، ومعرفة فضله، وما امتاز به عن غيره.
  • استشعار اللحظات التي وقف فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم، وخطب بالناس، وصلّى فيهم، واستشعار حالة النبي، وحال المسلمين في ذلك الوقت.
  • حمد الله تعالى، وشكره على نعمة إكمال الدين في مثل ذلك اليوم، حيث أنّه أصبح عيداً للمسلمين بعد ذلك.
  • النظر وأخذ العبرة من أهل عرفةٍ الذين يقفون شعثاً غبراً يُناجون الله تعالى، ويرجون رحمته ورضوانه.
  • استحضار نيّة صيام ذلك اليوم، فإنّ صيامه يكّفر سنتين، سنةً ماضيةً، وسنةً آتيةً.
  • الإكثار من الأعمال الصالحة فيه، مثل: قيام الليل، وأداء الصلوات الخمس على وقتها، والانشغال بالقرآن وتلاوته، وأذكار الصباح والمساء، وذكر الله وحمده وتكبيره.
  • التضرع ودعاء الله تعالى، والحرص على استجماع آداب الدعاء وشروطه، وهي: الإخلاص، والطهارة، واستقبال القبلة، والسؤال بأسماء الله الحسنى وجوامع الكلم، وتكرار الدعاء، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
  • رجاء رحمة الله تعالى، وفضله العظيم في ذلك اليوم، قال ابن رجب الحنبلي عن العتق من النار في يوم عرفة: (من وقف بعرفةٍ، ومن لم يقف بها من أهل الأمصار)، فإنّ العتق عامٌ وشاملٌ لجميع المسلمين.
  • الاستفادة من يوم عرفةٍ، واستثمار لحظاته، وعدم تضييع أيّ ساعةٍ منه.

المراجع

  1. ↑ سورة البقرة، آية: 197.
  2. ↑ سورة الفجر، آية: 2.
  3. ^ أ ب د. راشد بن معيض العدواني (25-10-2012)، "فضل يوم عرفة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-9-2018. بتصرّف.
  4. ↑ "فضل يوم عرفة وحال السلف فيه"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-9-2018. بتصرّف.
  5. ↑ سورة المائدة، آية: 3.
  6. ↑ رواه ابن جرير الطبري، في مسند عمر، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم: 1/347، صحيح.
  7. ↑ سورة البروج، آية: 3.
  8. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو قتادة، الصفحة أو الرقم: 3632، صحيح.
  9. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1154، صحيح لغيره.
  10. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1868، صحيح.
  11. ↑ رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم: 2646، حسن صحيح.
  12. ↑ سليمان بن جاسر بن عبدالكريم الجاسر (14-10-2013)، "يوم عرفة وأحوال السلف فيه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-9-2018. بتصرّف.
  13. ↑ الشيخ محمد جمعة الحلبوسي (18-11-2010)، "فضائل يوم عرفة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-9-2018. بتصرّف.
  14. ↑ محمد صالح المنجد، "10 خطوات عملية لاستثمار يوم عرفة العظيم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-9-2018. بتصرّف.