موضوع عن قصة أصحاب الأخدود
قصص القرآن الكريم
وردت في القرآن الكريم الكثير من القصص التي تبيّن سنن الله تعالى في الأقوام السابقة، وتوضّح الخلاصة من تجاربهم، وممّا يدل على عظم الأسلوب القصصي في الدعوة والبيان، أنّ ثلث القرآن الكريم يحتوي على هذا المنهج الربّانيّ المبارك، بالإضافة إلى أنذه لا يقتصر على بيان المعلومة التاريخيّة فقط، بل يُستفاد منه العبرة، والعظة، فقد قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)،[1] وقد عاش الأشخاص الذين ذكرهم الله تعالى في قصص القرآن الكريم الواقع كما ذكر الله تعالى تماماً، من غير أيّ وهمٍ أو مبالغةٍ كما هو الحال في أسلوب القصص البشريّة، حيث إنّ قصص القرآن ربانيّة المصدر؛ أي أنّها كلام الله تعالى، والله عز وجل يقول: (إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ).[2][3]
قصة أصحاب الأخدود
مجمل القصة
أصحاب الأخدود هم قوم عاشوا في الفترة التاريخيّة الواقعة بين بعثة عيسى -عليه السّلام- وبعثة محمد -صلّى الله عليه وسلم، وقد وردت قصّة أصحاب الأخدود في القرآن الكريم، وبالتحديد في سورة البروج، حيث قال تعالى: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ* النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ* إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ* وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ* وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)،[4] ومن الجدير بالذكر أنّ أحداث القصة التي تدور حول تسلّط أعداء الله تعالى ويمثّلهم في القصة الملك، والساحر، على أوليائه المتمثّلين في شخصية الغلام والراهب، وقد ورد تفصيل القصة في الحديث الذي رواه صهيب بن سنان عن النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، وذكره مسلم في صحيحه.[5]
تفاصيل القصّة
تقول القصة أنّ ملكاً كان يحكم إحدى الأمّم السابقة، وكان لذلك الملك ساحرٌ يخدمه، فلمّا تقدم ذلك الساحر في السنّ طلب من الملك أن يبعث إليه غلاماً؛ ليعلمه السحر، ففعل الملك، وأرسل إليه غلاماً ذكيّاً، وفي أحد الأيام وبينما كان الغلام في طريقه إلى الساحر التقى براهبٍ، فجلس عنده وسمع منه، فأُعجب بكلامه، فكان يمرّ بالراهب كلّما ذهب إلى الساحر، ولكنّه كان كلّما جلس عند الراهب تأخّر عن الساحر، فيضربه بسبب تأخره، فشكى ذلك إلى الراهب فقال له: (إن خشيت من الساحر فقل له حبسني أهلي، وإن خشيت من أهلك فقل حبسني الساحر)، ففعل الغلام، وفي أحد الأيام مرّ الغلام بدابةٍ قد أغلقت الطريق على الناس وقد خاف الجميع منها، ففكّر الغلام في نفسه وقال اليوم أعلم أيهما أفضل الساحر أم الراهب، فأمسك بحجرٍ، ثمّ دعا الله تعالى إن كان أمر الراهب أحبّ إليه من أمر الساحر أن يقتل الحجر الدابّة، ثمّ ألقاه عليها فماتت، ومرّ الناس بسلامٍ، ثم عاد إلى الراهب وأخبره بالأمر، فقال له الراهب: (أي بنيَّ، أنت اليوم أفضلُ مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنّك ستُبتلى، فإن ابتُليتَ فلا تَدُلَّ عليَّ)، ففتح الله تعالى على الغلام، وبلغ مرحلةً عظيمةً من الإيمان واليقين، فأصبح يشفي المرضى، ويرد للأعمى بصره، ويبرء الأكمه بأمر الله تعالى، وبينما هو على هذه الحالة سمع به رجلٌ من جلساء الملك، وكان ذلك الجليس قد فقد بصره، فأتى إليه وطلب منه أن يردّ إليه بصره ويعطيه الكثير من المال والهدايا، فرد عليه الغلام بأنّه لا يشفي أحداً، وإنّما الشافي هو الله تعالى؛ فإن آمن بالله سيدعو له الله بأن يردّ بصره، فآمن الجليس، ودعا له الغلام، فردّ الله تعالى عليه بصره.[6]
وبعدها عاد الرجل إلى مجلس الملك، وفي أحد الأيام سأله الملك عن الذي ردّ إليه بصره، فقال الرجل: (ردّه ربي)، فقال الملك: (ولك ربّ غيري؟)، فقال الرجل: (ربي وربك الله)، فلمّا سمع الملك ذلك الكلام غضب، وأخذ يعذب الرجل أشدّ العذاب حتّى دلّه على الغلام، فأمر بإحضار الغلام، فأتوا به وعذّبوه أشدّ العذاب حتى جاء بالراهب، فأمر بالراهب فأتوا به، وحاولوا ردّه عن دينه، ولكنّه أصر، وثبت على دينه، فأتوا بالمنشار، ثم وضعوه على رأس الراهب، ليرجع عن دينه فأبى، فنشروه إلى نصفين، ثمّ أحضروا جليس الملك، وحاولوا أن يردّوه عن دينه فأبى، فنشروه إلى نصفين، ثمّ أحضروا الغلام وطلبوا منه أن يرجع عن دينه فأبى، فأمر الملك مجموعةً من جنوده بأن يأخذوا الغلام إلى أعلى جبلٍ في المدينة ويلقوه منه، فانطلقوا به، ولما وصلوا دعا الغلام ربّه قائلاً: (اللهم اكفينيهم بما شئت)، فارتجف الجبل وسقط الجنود كلّهم ونجا الغلام، ثمّ عاد إلى الملك ليريه قدرة الله تعالى بنصر أوليائه، فقال له الملك: (ما فعل أصحابك؟)، فقال الغلام:(كفانيهم الله)، فأمر الملك مجموعةً أخرى ليأخذوا الغلام على متن سفينةٍ إلى البحر، فإن رجع عن دينه أعادوه، وإلّا ألقوه في البحر، فذهبوا به ولمّا وصلوا إلى البحر دعا الغلام ربّه قائلاً: (اللهم اكفينيهم بما شئت)، فانقلبت السفينة وغرق الجنود، وعاد الغلام إلى الملك؛ ليبيّن له آيات الله تعالى، فقال له الملك: (ما فعل أصحابك؟)، فقال الغلام:(كفانيهم الله)، ثمّ أخبره بأنّه لن يتمكّن من قتله إلا إذا جمع الناس، ومن ثم صلبه على جذع نخلةٍ، وأخذ بسهمٍ وقال بسم الله ربّ الغلام ورماه، فأمر الملك بجمع الناس، وعُلق الغلام على جذع نخلةٍ، ثمّ أخذ الملك بسهمٍ ووضعه في قوسه وصوّب نحو الغلام، ثمّ قال بسم الله رب الغلام، ورمى السهم فوقع السهم في رأس الغلام فقتله، فلمّا رأى الناس آيات الله تعالى، آمنوا بربّ الغلام، وأسلموا لله ربّ العالمين، ووقع ما كان يخشاه ذلك الطاغية، ولمّا وصلت الأخبار إليه، أمر جنده بحفر الأخدود، وإشعال النار فيه، و قذف كل من يرفض الردّة عن التوحيد في النار، فأخذوا يلقون الناس في النار، فوصلوا إلى امرأة تحمل طفلها بين يديها، فخافت المرأة على ولدها لما شاهدت النار؛ فنطق الطفل الرضيع قائلاً: (يا أمه، اصبري، فإنّكِ على الحقِّ).[6]
المراجع
- ↑ سورة يوسف، آية: 111.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 62.
- ↑ "عظمة قصص القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-9-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البروج، آية: 4-10.
- ↑ "قصة أصحاب الأخدود"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-9-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب "شرح الحديث رقم 3005"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-9-2018. بتصرّف.