شرع الله -تعالى- رخصة الفطر لمن يُسافر أثناء الصيام؛ ودليل ذلك ما ورد في القرآن الكريم من قول الله -عزّ وجلّ-: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر)،[1] ولذلك فقدّ كان من هدي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أن يُفطر في بعض أسفاره ويصوم في بعضها الآخر، وكذلك كان يفعل الصحابة -رضي الله عنهم-؛ ممّا يدل على أنّ الإفطار رخصةٌ، فللمسافر أن يُفطر إن شاء أو أن يصوم، ويشمل هذا الحكم كلُّ من كان مسافراً؛ فلا فرق بين من يُسافر على ظهر جملٍ، أو بسيارةٍ، أو بسفينةٍ، أو حتى بطائرةٍ، وحتى لو كان المسافر يعمل في مهنةٍ تتطلب منه السفر على الدوام؛ كالسائقين مثلاً، فهؤلاء يحقّ لهم أن يُفطروا ما داموا مُتنقلين من بلدٍ إلى بلدٍ، فإذا رجعوا إلى بلدانهم صاموا.[2]
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة وجماهير الفقهاء من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- أنّ صيام المسافر جائزٌ مجزئٌ، إلّا أنّ المفاضلة بين صيامه وفطره تأتي مفصّلةً وفق الحالات الآتية:[3]
اختلف العلماء في حكم إمساك المسافر المفطر عن المفطرات بعد وصوله إلى بلده؛ فذهب بعضهم إلى وجوب الإمساك عن المفطرات؛ لأنّ رخصة الإفطار إنّما شُرعت لأجل السفر، وبما أن سفره قد انتهى بوصوله إلى بلده؛ فلا يجوز له أن يستمر في الترخّص، بل يجب عليه أن يُمسك عن المفطرات، وذهب آخرون إلى جواز الاستمرار بالإفطار وعدم وجوب الإمساك فيما تبقّى من اليوم؛وذلك لأنّ المسافر قد أفطر من أوّل النهار برخصة السفر، ويجب عليه أن يقضي ذلك اليوم كما يقضي باقي الأيام التي أفطرها أثناء سفره.[4]